أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي














المزيد.....

مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 12:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مثّلت واقعة مقتل الحسين بن علي (61 هـ) ذروة التصدع السياسي في الدولة الأموية، لكنها لم تتحوّل إلى «سردية تاريخية مكتملة» إلا في ظل شروط التدوين التي توافرت في بدايات الدولة العباسية. ومع الانتقال من الذاكرة الشفوية إلى التدوين، استُثمرت كربلاء بوصفها مادة سياسية وظيفية لتقويض شرعية الأمويين وترسيخ خطاب الانتقال إلى الحكم العباسي.

1. الحدث والذاكرة: من أمويّة الوقوع إلى عباسيّة التدوين

وقعت كربلاء في سياق الصراع المبكر بين السلطة المركزية الأموية والحركات المعارضة ذات الجذر العلوي والكوفي. عُتم على تفاصيل الواقعة خلال الحكم الأموي خوفًا من أثرها التعبوي. وعليه بقيت الذاكرة حبيسة النقل الشفوي ضمن حلقات محدودة، دون نص مدوَّن أو رواية متداولة علنًا.

مع انهيار الدولة الأموية وصعود العباسيين (132 هـ)، نشأ مناخ سياسي سمح بإعادة إنتاج هذه الذاكرة وتدوينها. فالشرعية العباسية قامت نظريًا على تبني خطاب المظلومية الهاشمية والثأر من قتل آل البيت، وهو ما جعل واقعة كربلاء رصيدًا رمزيًا للتعبئة السياسية.

2. الإطار الإخباري: أبو مخنف مثالًا

ينتمي أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت 157 هـ) إلى الجيل الانتقالي الذي شهد أواخر العهد الأموي وبداية العهد العباسي. اشتُهر بجمع الروايات الإخبارية من شهود العيان أمثال حميد بن مسلم، خاصة في بيئة الكوفة التي كانت مركزًا للحركات المعارضة.

لكن النص الذي دونه أبو مخنف لم يصل بتمامه، بل استُدمج لاحقًا ضمن تاريخ الطبري (ت 310 هـ). الطبري، وهو نفسه مؤرخ عباسي بامتياز، مارس دور «الجامع» لروايات متعددة، سمح فيها بتجاور أسانيد مختلفة أحيانًا متناقضة، فبرزت مدرسة أبي مخنف الكوفية إلى جانب روايات هشام الكلبي وسيف بن عمر وغيرهم.

في هذا السياق صار المقتل نصًا منظمًا يُقرأ بوصفه «سردية عباسية» من حيث التدوين لا من حيث وقوع الحدث.

3. توظيف الذاكرة الخطابية: زينب وخطاب السبي

من العناصر المهمة في تثبيت المظلومية داخل السردية العباسية تطويع ما نُسب إلى خُطب زينب بنت علي. هذه الخطب لم تدوَّن في حينها، بل بقيت تداولًا شفويًا حتى ظهرت بصيغتها المكتوبة ضمن كتب شيعية لاحقة مثل الإرشاد للمفيد واللهوف لابن طاووس.

بهذا تحولت زينب من شاهد عيان ضمنيًا إلى رمز وظيفي للفضح السياسي. فهي لم تكتب نصًا، وإنما جرى توظيف دورها الخطابي في المجال العام لإضفاء بعد أخلاقي على الرواية التاريخية. تزامن هذا مع تحوّل المجلس العباسي إلى فضاء نسبيًا أكثر انفتاحًا على النقد الرمزي للأمويين.

4. من التدوين السياسي إلى التوظيف الشعائري

مع رسوخ السلطة العباسية، انقلبت علاقة السلطة بسردية كربلاء من أداة تعبئة سياسية ضد الأمويين إلى إرث ثقافي مستقل تغذيه الجماعات الشيعية كهوية احتجاجية مستمرة. تحوّلت نصوص المقتل من مواد إخبارية إلى نصوص وعظية وشعائرية تتجاوز الوقائع إلى رمزية الثورة على الظلم.

هذا الامتداد يعني أن التسييس العباسي لمقتل الحسين لم يكن سوى طور أول من أطوار إنتاج الذاكرة الكربلائية: طورٌ استثمر الحدث سياسيًا، ثم تركه ينمو ضمن الثقافة الشيعية بوصفه رمزًا مقاومًا لكل سلطة متهمة بالغلبة والاستبداد.

5. من التوظيف التكتيكي إلى الارتكاز الرمزي للمعارضة العلوية

لم يكن التسييس العباسي لواقعة كربلاء سوى مرحلة انتقالية في حياة هذا الحدث داخل الوعي السياسي الإسلامي. فبعد أن استُخدم مقتل الحسين تكتيكيًا لإسقاط شرعية الأمويين وإضفاء بعد أخلاقي على الدعوة العباسية، أُزيح بالتدريج من حيز التوظيف السلطوي إلى حقل التعبئة الثورية غير الرسمية. هذه النقلة حدثت حين تبيّن للمكوّنات العلوية أن الدولة العباسية، على الرغم من قرابتها النَسَبية، قد كرّرت منطق الإقصاء ذاته الذي مارسه الأمويون، لا سيما بعد سحق حركات مثل ثورة محمد النفس الزكية (145 هـ) أو حركة الحسين بن علي الفخي (169 هـ).

في هذا السياق، لم تعد كربلاء مجرّد حدث تاريخي ولا مجرد وسيلة هجومية على الماضي الأموي، بل تحوّلت إلى نواة رمزية صلبة تلتف حولها المعارضات العلوية المتفرقة في الحجاز والعراق وخراسان واليمن.

6. استقلال السردية الكربلائية عن الخطاب العباسي

مع تراكم الخبرة التاريخية للمعارضة العلوية في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، بدأت السردية الكربلائية تتحرر عمليًا من الفضاء الدعائي الذي وفّرته الدولة العباسية في طورها المبكر. إذ إن التناقض البنيوي بين شعار «الثأر للحسين» الذي رفعه العباسيون وبين ممارساتهم الفعلية تجاه الحركات العلوية أدّى إلى تآكل مصداقية هذا الشعار. وأصبح من الواضح للبيئات الموالية أن السلطة العباسية استنفدت قيمة كربلاء التكتيكية، لكنها لم تكن راغبة في استدامة مضامينها الثورية أو إتاحة توظيفها بوصفها أداة للمساءلة الداخلية.

في المقابل، واصلت الجماعات العلوية التي لم تدخل في التسوية العباسية، أو تلك التي قُمعت بعد تمردات متلاحقة، إعادة إنتاج سردية كربلاء بوصفها ملكية رمزية حصريه



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع
- إيران كقوة كولونيالية ناعمة: الاقتصاد المقاوم بوصفه أداة إخض ...
- حول نضج شروط الانتفاضه الشعبيه الايرانيه..
- كفة ميزان الحرب..بين الاسد الصاعد وبين الوعد الصادق 3
- رقصة على حافة الانفجار: صراع أميركا وإسرائيل في كبح إيران
- الهلال الخصيب المأزوم..بممكنات التأزيم
- رهينة اليورانيوم المخصب..هدنه تكتيكيه وملامح تموضع جديد
- انبعاث مركزية الهلال الخصيب على انقاض الهلال الشيعي
- النانو..قبضة اسرائيل القاتله..لماذا تتم تعمية رصدها
- مديات..تحالف روسيا والصين مع ايران
- إيران بعد تدمير قدراتها النووية: بين الردع المنهار وسيناريو ...
- أنقره تتموضع مبكرا في شرقا اوسطيا جديد
- ساعة الصفر..ممكن ان توجه ايران ضربه نوويه لأسرائيل
- 48 ساعه فرصه محور (المقاومه)..لتكتيك ميداني محوري
- عمال التصاريح..ورغيف الحزن المخبوز بوجع الكرامه


المزيد.....




- مسيحيو فلسطين يشتكون إلى بابا الفاتيكان عنف المستوطنين الإسر ...
- ماذا بعد سحب الصلاحيات الفلسطينية من المسجد الإبراهيمي؟
- فرحي أبنك مش هيعيط ولا يزن خالص .. تردد قناة طيور الجنة الجد ...
- تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025.. ثبتها لعيالك الأن
- أحمد العبادي يساءل السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حول ...
- قائد الثورة الاسلامية: شعبنا سيحقق النصر بالتأكيد
- لماذا يستهدف تنظيم -الدولة الإسلامية- الأقليات؟
- دروز إسرائيل يدعون أبناء الطائفة لعبور الحدود مع سوريا
- فرحي أبنك مش هيعيط ولا يزن خالص .. تردد قناة طيور الجنة الجد ...
- تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025.. ثبتها لعيالك الأن


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي