ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 00:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
───
شهدت المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل تحوّلاً في التوازنات الإقليمية، وجعلت من تقييم موقع تركيا ضرورة لفهم مشهد الشرق الأوسط المقبل. تركيا لم تكن ولن تكون طرفًا في محور المقاومة، إذ إنها تاريخيًا تقف على الضفة المقابلة، ليس من موقع الحياد، بل من موقع القطب الإقليمي المنافس لإيران. علاقتها بطهران تقوم على تنافس استراتيجي صارم يمتد من سوريا والعراق إلى القوقاز وملفات الطاقة. هذا التموضع لم يكن انسحابًا من الساحة بل اختيارًا مدروسًا يتيح لها مراقبة ارتباك خصومها وتعزيز حضورها بهدوء.
في سياق المواجهة، أظهرت أنقرة براغماتية محسوبة جعلتها مقبولة في نظر بعض العواصم الغربية كفاعل يمكن التفاهم معه. فهي ما تزال عضوًا في الناتو، وتحتفظ بحضور عسكري مباشر في الشمال السوري والعراقي، وتوازن بين خطاب داخلي إسلامي وسياسة خارجية نفعية. هذه المزاوجة بين الهوية والمصلحة منحتها قدرة على التحرك في المساحات الرمادية التي تراجعت فيها إيران.
أما في الملف الفلسطيني، فقدمت تركيا نفسها كقطب إسلامي موازن دون أن تكون مقاومة فعلية. دعمت القضية سياسيًا، واحتفظت بعلاقات مع حركات مثل حماس، لكنها في الوقت ذاته حافظت على روابطها الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل. هذا التوازن يعكس سياسة براغماتية حادة: خطاب حماسي دون اشتباك ميداني.
أما عن إمكانية أن تملأ تركيا فراغًا تتركه إيران، فالإجابة جزئية. فتركيا لا تملك الأدوات العقائدية أو الشبكات العسكرية التي تدير بها إيران نفوذها في لبنان أو العراق، لكنها قادرة على التمدد في الجغرافيا التي تنكمش فيها طهران، وتحديدًا في مناطق النفوذ السني، وفي ملفات الاقتصاد والسيطرة الناعمة. بهذا، لا يمكن اعتبار أنقرة بديلاً، بل ندًا منافسًا يتقدم عند كل خطوة تراجع من خصومه.
خلاصة المشهد أن أنقرة ليست فاعلًا صاعدًا على أنقاض إيران، بل منافس إقليمي شرس يراكم أوراقه منذ سنوات، ويستثمر المواجهات لزيادة مساحته على رقعة الشطرنج الإقليمية. المواجهة الأخيرة أضعفت إيران وأربكت محور المقاومة، لكنها منحت تركيا فرصة ذهبية لإعادة التموضع دون أن تطلق رصاصة واحدة. وهكذا، وبينما تنشغل إيران بإعادة ترميم مكانتها، تمضي أنقرة بهدوء في بناء نموذجها الخاص: شرق أوسط متعدّد الأقطاب، تكون فيه تركيا قوة ثابتة ومرنة في آنٍ واحد
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟