أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - أيران..من هندسة الخوف الى ادارة الخسائر














المزيد.....

أيران..من هندسة الخوف الى ادارة الخسائر


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 16:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


---

لم تكن عملية "الأسد الصاعد" مجرد ضربة عسكرية إسرائيلية تقليدية، بل شكلت نقطة انعطاف في ميزان القوى الإقليمي، إذ استهدفت ليس فقط منشآت أو قيادات، بل الفكرة ذاتها التي تأسست حولها العقيدة الردعية الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، بدا أن طهران تتراجع من موقع الدولة الرادعة إلى موقع الفاعل غير النظامي، الذي يقاوم أكثر مما يردع، ويتلقى أكثر مما يمنع. هذا التحول لا يُفهم فقط عسكريًا، بل يستدعي قراءة سياسية–فلسفية لما تعنيه الدولة حين تتنازل عن قدرتها على الردع.

---

قبل عملية الأسد الصاعد، كانت إيران تُصنّف كقوة إقليمية ذات قدرات ردع معتبرة. لم تكن قوتها التقليدية كافية لمواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة مباشرة، لكنها امتلكت شبكة من الوكلاء (حزب الله، حماس، الحوثيون، الحشد الشعبي) تشكل محيطًا من التهديدات غير المتكافئة.

الردع الإيراني كان يتأسس على ثلاثية:

1. القدرة على إلحاق الضرر عبر الصواريخ الباليستية والمسيّرات.

2. التهديد بإشعال الجبهات المحيطة بإسرائيل.

3. الصورة الذهنية لدولة مستعدة لتحمّل كلفة المواجهة الكبرى.

**فلسفيًا**، كان الردع هو التعبير الأعلى لسيادة الدولة في القرن الحادي والعشرين: ألا يُستهدف مركزك، لا لأنك محمي فقط، بل لأن استهدافك يُدخل العالم في فوضى لا يتحملها. إيران كانت تفهم ذلك جيدًا.

---

لم تكن "الأسد الصاعد" الضربة التي فجّرت منظومة الردع الإيرانية من العدم، بل كانت أشبه بـ"الطلق الأخير" في جسد استُنزف تدريجيًا على مدى سنوات. فالقوة الردعية الإيرانية لم تُبنَ على إمكانيات صلبة للدولة فحسب، بل على شبكة من الوكلاء الإقليميين الذين منحوا طهران أذرعًا طويلة وقابلة للتلويح بها عند الحاجة.

لكن منذ انخراط إيران العميق في الحرب السورية، وانكشاف بعض شبكاتها في العراق، وضغط العقوبات الأميركية، وتراجع أداء حزب الله في الداخل اللبناني، بدأ المحور يعاني من **أعراض إنهاك استراتيجي**، تتجلى في:

- تصدع الثقة الشعبية داخل بيئات المقاومة.

- تصاعد الانقسامات الداخلية في الدول الحاضنة للوكلاء.

- تزايد فعالية الاستخبارات الإسرائيلية والغربية في اختراق الخطوط الخلفية.

- تفشي التعب الاقتصادي والإداري داخل المركز الإيراني نفسه.

هذه العوامل مجتمعة جعلت من الردع الإيراني قوة تُستحضر في الخطاب أكثر مما تُمارس في الواقع. وهكذا، حين وقعت ضربة "الأسد الصاعد"، لم تسقط منظومة ردع صلبة، بل سقط ما تبقى من رمزية كانت آيلة للتآكل.

**فلسفيًا**، الردع لا يُقاس فقط بالقدرة على الضرب، بل بالتماسك العضوي بين مركز القرار وأذرعه التنفيذية. حين تفقد الدولة أطرافها، تفقد تدريجيًا قدرتها على جعل خصومها يخشون مركزها.

---

بعد الضربة، عادت إيران إلى مفردات المقاومة: الشهيد، الصبر، الانتقام الزمني، الاستنزاف، الخطاب العاطفي. تم تأطير الفقد العسكري ضمن بنية رمزية أشبه بخطاب حزب الله بعد كل تصعيد. هكذا، تحوّلت إيران من دولة إلى محور، من مركز سيادي إلى فاعل موزع.

معادلة الردع لم تعد قائمة. الموجود الآن هو معادلة "إدارة الخسائر"، أو ما يمكن تسميته بواقعية المقاومة المستمرة.

**فلسفيًا**، إن الانتقال من الردع إلى المقاومة هو انتقال من تعريف الدولة ككائن قادر على فرض النظام، إلى تعريفها ككائن لا يزال يصارع كي يُؤخذ على محمل الجد.

---

1. إسرائيل استعادت زمام المبادرة النفسية والعسكرية.

2. المحور الموالي لإيران بدأ يتساءل عن مصداقية قيادته المركزية.

3. الخليج استعاد هامشًا أكبر للمناورة.

4. واشنطن رأت في الضربة نموذجًا للحد من التوسع الإيراني دون حرب شاملة.

**فلسفيًا**، العالم لا يعترف بالقوة، بل بالفعل القادر على إعادة تعريف ما هو ممكن. إسرائيل أعادت تعريف الممكن. إيران عادت إلى حيز رد الفعل.

---

ما بعد "الأسد الصاعد" ليس كما قبله. إيران، التي أرادت أن تكون دولة تخشاها القوى الكبرى، عادت الآن إلى موقع القوة المحاصَرة التي تسعى لاسترداد رمزيتها المفقودة. والمقاومة، مهما بلغت من الشجاعة، لا تُغني عن الردع في ميزان السياسات الكبرى. لقد فقدت إيران امتياز الخوف منها، وذاك أخطر من فقدان أي منشأة أو جنرال.

لكن الأعمق من هذا كله، هو أن إيران – في هذه اللحظة بالذات – وجدت نفسها تُدفع نحو حسمٍ وجودي طالما أجّلته:

هل الأولوية لـ **سلامة الدولة** و**أمن النظام**، أم لـ **مشروع تصدير الثورة**؟

منذ كانت تغرق في حرب الخليج الأولى، اختارت طهران ألا تختار: استولدت حزب الله، وأسست معادلة جديدة مفادها أن تصدير الثورة لا يتعارض مع أمن الدولة، بل يعززه. لكن تلك المعادلة اليوم لم تعد صالحة؛ لأن الزمن تغيّر، والأعداء لم يعودوا يخشون، والحلفاء لم يعودوا يثقون.

**فلسفيًا**، الدولة التي لا تحسم بين بقائها كسلطة سياسية وبين تمسكها برسالتها الثورية، ستظل تمشي على حافة الانهيار. لا هي قادرة على الانكماش، ولا على التمدد. وفي هذا الفراغ، تنزف سيادتها كما تنزف دماء جنرالاتها.

**لقد بدأت إيران تفقد الشيء الذي طالما اعتبرته مناعتها: قدرتها على أن تبقى كل شيء في آنٍ واحد.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هرمز..بين ارتجال التوظيف وحكمة التلويح
- التوقيت المرحلي للمواجهه الاسرائيليه - الايرانيه..لحظة توافق ...
- الموقف الجماهيري في المواجهة بين اسرائيل وايران..عبء أم رصيد ...
- باتريوت إلى أوكرانيا: إسرائيل تُفكك ظلال موسكو في المشرق
- تداعيات الخيار العسكري لغلق الملف النووي الايراني على كيان ا ...
- المعنى الاخر لاستثناء العراق من فعاليات اسرائيل العسكريه
- العداء الروسي- البريطاني : ترف الوهم
- الحرب الروسيه- الاوكرانيه...قابلة الشرق الاوسط الجديد
- صفقة العار...التضحويون يرقصون على اشلاء الابرياء
- حينما يستولد الموقف من ( كرشة ) ساق واقع غزه
- اللاعقلانيه في خطاب حماس والجهات الاعلاميه الداعمه لها
- مقارنه بين اداء المخابرات الاسرائيليه في ميدانين ..تثير الري ...
- طوفان الاقصى ..جرف اسرائيل ؟..أم اغرق غزه
- ماركس - لينين ..الجوهر الواحد ..والمسار المختلف
- الاربعينيه الحسينيه ..والعقيده الفرعونيه..
- تحلل مفاهيم العقل البشري ..الحمله المثيليه ...أنموذج...ج2
- تحلل مفاهيم العقل البشري ..الحمله المثيليه ...أنموذج
- حقيقة تمرد الحسين ..سهل ممتنع
- دكتاتورية الجماهير الشيعيه ..امتهان وتهميش
- الرصاص والموت للمدنيين الاسرائيليين .. والحجارة بوجه العسكري ...


المزيد.....




- أشار إلى عملية البيجر.. سفير إسرائيلي: هناك -طرق أخرى- للتعا ...
- ‌‏غروسي: أجهزة الطرد المركزي في نطنز ربما تضررت بشدة إن لم ت ...
- OnePlus تعلن عن حاسب ممتاز وسعره منافس
- جيمس ويب يوثق أغرب كوكب خارج نظامنا الشمسي تم رصده على الإطل ...
- الاستحمام بالماء الساخن.. راحة نفسية أم تهديد صحي خفي؟
- وداعا للوهن!.. علاج ثوري قد يكون مفتاح الشباب الدائم للعضلات ...
- الذكاء الاصطناعي -يفكّر- كالبشر دون تدريب!
- وكالة -مهر-: دوي انفجار شمال شرقي العاصمة الإيرانية طهران
- -‌أكسيوس-: اقتراح لعقد اجتماع بين إدارة ترامب وإيران هذا الأ ...
- وزير الدفاع الأمريكي: سياستنا في الشرق الأوسط دفاعية ولا ني ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - أيران..من هندسة الخوف الى ادارة الخسائر