أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟














المزيد.....

تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 00:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين نتابع غزة في نشرات الأخبار، لا نكاد نرى إلا الدمار: قصف متواصل، بنايات مهدمة، صرخات تحت الركام، وجثث ملفوفة بالأكفان البيضاء. تكاد الصورة الإعلامية، بمختلف توجهاتها، ترسم غزة بوصفها مساحة موت مطلق، تبتلع الحياة ولا تُعيدها. هذه صورة حقيقية من زاوية، لكنها مجتزأة جدًا من حقيقة أعقد: في غزة لا تموت الحياة بالكامل، بل تعيد اختراع نفسها كل ساعة تحت الخطر.

بعيدًا عن كاميرات الفضائيات، هناك حياة يومية عنيدة تتشكل ببطء. ملايين التفاصيل الصغيرة: سوق شعبي يفتح أبوابه عند الفجر، أطفال يبيعون النعناع أمام البيوت، مولد كهرباء يئن ليضيء لمبة ليلية فوق رأس طالبة تذاكر دروسها، مقاول يحاول إعادة ترميم حائط مهدّم، امرأة تقايض حصة أرز بزجاجة زيت. تلك هي غزة الحقيقية: حياة مجروحة لكنها لم تتوقف.

كيف يبدو السوق؟

السوق في غزة أشبه بجسم مريض مزمن: شريان الغذاء فيه مخنوق بحصار طويل الأمد وإغلاق المعابر؛ الحركة التجارية خاضعة لظروف الحرب والقصف وتبدل القرارات الإدارية في أي لحظة.
* الأسواق الشعبية ما تزال تنبض — لكن بعجز في العرض وغلاء مستمر في الأسعار.
*السلع الأساسية (الطحين، الأرز، الخضار) تعتمد على المساعدات أو التهريب.
* المواد النادرة مثل الإسمنت والوقود والسجائر صارت تجارة شبه حصرية في أيدي عدد محدود من كبار التجار الذين يتقنون لعبة الحصار.

كيف تُدار عمليات التوريد والشراء؟

التوريد ليس مسألة خط إمداد واضح من معبر إلى سوق — بل خليط من:
- مساعدات إغاثية تدخل عبر الأمم المتحدة أو الهلال الأحمر وتوزع على الأسر الفقيرة.
- شاحنات تجارية محدودة تمر عبر المعابر عندما تُفتح.
- سوق سوداء تحفر مساراتها من خلف كل حاجز: وسطاء، أنفاق، تسهيلات خاصة، إتاوات، شبكات نفوذ.

الشراء يتم بالدين في كثير من الأحيان. الدكاكين الشعبية تحتفظ بدفاتر ضخمة يسجل فيها البقال ديون عائلات لا تجد ما تدفعه الآن. البعض يدفع بالشيكل، أو الدولار أحيانًا، أو حتى بالدينار الأردني إن كان يملك حوالة خارجية. في أبسط الأسواق، ترى ربطات خضار تباع بالتجزئة المفرطة: نصف كيلو، ربع كيلو، ربطة صغيرة لا أكثر.

من أين تأتي دخول الغزيين؟

مصادر الدخل في غزة اليوم خليط معقد من:
* الرواتب الحكومية: قطاع واسع ما يزال مسجلًا موظفًا لدى السلطة الفلسطينية أو لدى حكومة غزة، لكن الرواتب تصل متأخرة أو منقوصة أو مقطوعة أحيانًا.
* العمل مع المنظمات الإغاثية والدولية: كثيرون يجدون فرصًا قصيرة الأمد في مشاريع الإغاثة (توزيع الطعام، بناء خيام، أعمال الطوارئ).
* مشاريع صغيرة: بسطات خضار، أكشاك شاي، بيع مواد تنظيف أو بضائع رخيصة.
* التحويلات الخارجية: أسر كثيرة تعيش من حوالة من ابن أو أخ في الخليج أو الأردن أو أوروبا. حتى 100 دولار صارت تكفي لإعالة أسرة أسبوعًا كاملًا.
* أرباح السوق السوداء: لبعض العائلات موردهم الوحيد هو وساطة التهريب أو إعادة بيع بضائع نادرة.
* المقايضة: تزايدت حالات مقايضة المواد — سيدة تعطي جارتها خبزًا مقابل حليب، أو خضارًا مقابل أسطوانة غاز.

الأعمال اليومية: ماذا يفعل الغزيون؟

الناس يمارسون أعمالًا تتسم كلها بمرونة قاسية:
- خياط يفتح ورشته إذا وجد كهرباء ومادة خام.
- ميكانيكي سيارات يعمل على إصلاح المولدات أكثر من السيارات.
- فلاح يزرع حديقة منزله لتوفير خضار لأسرته ويبيع الفائض.
- بائع صغير ينقل بضائع عبر الأحياء على دراجة.
- تجار كبار يملكون مخازن ومستودعات لسلع حيوية مثل الإسمنت أو الوقود، ويحركون شاحنات صغيرة متى لاحت فرصة معبر.

السوق السوداء: ضرورة أم لعنة؟

السوق السوداء في غزة ليست شذوذًا بل أضحت شريان حياة ثانويًا:
- هي التي توفر الوقود حين تتوقف الإمدادات.
- وهي التي تتيح لبعض العائلات الحصول على أدوية غير متاحة رسميًا.
- لكنها أيضًا مساحة احتكار. بعض التجار يضاعفون أسعار السلع إلى حد مهلك للفقير.

مفارقة غزة أن من يتهم التاجر بأنه جشع هو نفسه يذهب إليه لشراء لتر بنزين لتشغيل مولد بيته أو دواء مفقود لطفله.

واقع الطبقات: هوّة تتسع

بين كل هذا الخراب، يبقى لغزة طبقات اجتماعية:
- الغالبية الساحقة عائلات فقيرة أو معدمة تعتمد على مساعدات ومنح موسمية.
- شريحة صغيرة «متوسطة» تعيش على بقايا دخل مستقر أو تحويلات.
- طبقة غنية محدودة، من تجار كبار أو متنفذين، تملك القدرة على تحريك البضائع عبر السوق السوداء وتحصين حياتها نسبيا: منازل بمولدات كهرباء ضخمة، وقود متوفر، آبار خاصة، أدوية مستوردة، وأحيانا حتى امتيازات السفر للعلاج أو الترفيه خارج القطاع.

يظل هؤلاء «الأغنياء» مادة جدل أخلاقي: البعض يراهم ضرورة، والبعض يتهمهم بالتربح من معاناة الجوعى. لكن الحقيقة أنهم جزء من البنية الاقتصادية التي ولّدها الحصار نفسه.

كلمة أخيرة

بين الصورة التلفزيونية للموت المستمر، والصورة الحقيقية للحياة التي تلتف كجذر شجرة تحت ركام الأسمنت، تتجلّى مفارقة غزة: ناس يمارسون البقاء كل يوم كأنه مهنة مستقلة. تكيّف قاسٍ لا يراه المراسلون كاملًا. إنه اقتصاد هشّ، طبقيته فادحة، لكنه يشتغل بذكاء شعبي غريب: دين صغير من دكان، كيلو وقود من تاجر سوق سوداء، تحويلة دولار من أخ بعيد… لتبقى البيوت صامدة تحت سماء ملبدة. الحياة في غزة لا تموت؛ هي فقط تختفي عن الكاميرات أحيانًا



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع
- إيران كقوة كولونيالية ناعمة: الاقتصاد المقاوم بوصفه أداة إخض ...
- حول نضج شروط الانتفاضه الشعبيه الايرانيه..
- كفة ميزان الحرب..بين الاسد الصاعد وبين الوعد الصادق 3
- رقصة على حافة الانفجار: صراع أميركا وإسرائيل في كبح إيران
- الهلال الخصيب المأزوم..بممكنات التأزيم
- رهينة اليورانيوم المخصب..هدنه تكتيكيه وملامح تموضع جديد
- انبعاث مركزية الهلال الخصيب على انقاض الهلال الشيعي
- النانو..قبضة اسرائيل القاتله..لماذا تتم تعمية رصدها


المزيد.....




- قصة -الصندوق الأسود- لعصر حسني مبارك
- قواعد أميركية جديدة تدفع سائقي الشاحنات المكسيكيين لتعلم الإ ...
- عاجل | مصادر في مستشفى ناصر: 5 شهداء وعشرات المصابين بنيران ...
- طالب بـ10 مليارات دولار..ترامب يقاضي وول ستريت جورنال ومردوخ ...
- إعلام سوري.. تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء
- -فاجعة الكوت-.. العراق يعلن نتائج التحقيق الأولية بالحريق
- قاض أمريكي يرفض دعوى ترامب ضد الصحفي بوب ودورد مفجر فضيحة -و ...
- المبعوث الأمريكي يعلن -اتفاق سوريا وإسرائيل على وقف إطلاق ال ...
- السويداء.. بين المطرقة الإسرائيلية والدعم الأميركي للشرع
- إيران تعيد ترتيب أوراقها.. مؤشرات العودة إلى المواجهة


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟