أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - لحظة الانهيار الغامضة: حين ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه














المزيد.....

لحظة الانهيار الغامضة: حين ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 12:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من السهل أن يطوي تنظيمٌ مسلّح عقودًا من الكفاح المسلّح ببيانٍ مقتضب أو صفقةٍ غامضة. فحين قرّر حزب العمال الكردستاني أن يُلقي سلاحه، بدا المشهد للوهلة الأولى وكأنه انفتاح على تسوية تاريخية تأخّرت كثيرًا. غير أن المراقب المُدقّق يدرك أن ما يُعرض على السطح ليس سوى قشرة رقيقة تُخفي تحتها منظومة كاملة من التفاهمات السرّية، وربما شبكات الولاء الجديدة التي أُعيد تركيبها بصمت.

الأسئلة التي تُطرح هنا تتجاوز الأسباب المعلنة: هل تحوّلت البيئة الجيوسياسية بحيث لم يعد هناك حيزٌ فعليّ للتمرّد؟ أم أن الحزب خضع لإعادة هيكلة داخلية أفقدت جناحه العسكري استقلاله؟ أم أن ضغوطًا إقليمية ودولية — بعضها من حلفاء الأمس — فُرضت بشكل صفقات أمنية وتجارية مشروطة بنزع السلاح؟

عندها، لا يكون إلقاء السلاح انكسارًا بقدر ما يكون إعادة توزيعٍ للقوة على مساراتٍ أقل وضوحًا، لكنها لا تقل نفوذًا. وهكذا تصبح لحظة الانهيار، في حقيقتها، لحظة تحوّل خفيّ — حيث تُعاد صياغة الأدوار، وتتبدّل التحالفات، ويظل التاريخ يُكتَب من وراء ستار التعمية الفائقة السرية.

ولأننا أمام لغزٍ محكم الصياغة، فإننا سنحاول مطاردته مبتدئين بما هو لا يقبل التشكيك مطلقًا، لنقول إن نوع سلاح حزب العمال إنما هو في عنوانه الجوهري نزع آخر سلاح علماني في هذه المنطقة الملغومة.

ماذا يعني هذا؟ الإجابة تتسع بما لا يمكن لمقال واحد أن يستوعبها، لأنها تسحبنا إلى حيث التفاهمات التركية الأوروبية، التفاهمات التركية الإسرائيلية، وصولًا إلى إعادة ترتيب إيران لأوراق مكانتها الإقليمية. ولهذا فإننا سنطارد هذا اللغز من أوضح زاوية له، سنطارده من حيث بدأ الحدث، من كهف في السليمانية، أي من عقدة عسكرية طالما شخصت أمام القوة العسكرية التركية، وكانت أيضًا مثابة انطلاق لسلاح ظافر لعب دورًا حاسمًا في التصدي لداعش في العراق.

فقد شكّل حزب العمال الكردستاني، رغم كل التعقيدات السياسية والإقليمية، قوة عسكرية منظمة أسهمت بشكل فعال في صد هجمات تنظيم داعش على مناطق استراتيجية، خصوصًا في مثلث كركوك-حمرين-السليمانية. هذا الجناح العسكري الذي انطلق من الكهوف والجبال، لم يكن مجرد قوة تمرد بل كان درعًا صلبًا أمام تمدد داعش، محافظًا على خطوط تماس حاسمة بين شمال العراق والمناطق التي كانت تشهد صراعات محتدمة. وقد ساهم هذا الدور العسكري في رسم خط موت طويل امتد من جنوب كركوك مرورًا بشمال حمرين وصولًا إلى الحدود السورية، حيث التقى بمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، لتشكيل جبهة عسكرية مشتركة أوقفت التمدد الداعشي وربما أعادت رسم خريطة الصراعات المسلحة في المنطقة.

إن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على قسد في سوريا وعلى واقع داعش المتخفي في جبال حمرين بالعراق:
أولاً، حزب العمال هو المرجعية الأيديولوجية والتنظيمية لقسد، ونزع سلاحه يُضعف الدعم والتنسيق بينهما، مما قد يفتح ثغرات في الحدود السورية-العراقية ويزيد هشاشة قسد أمام الضغوط الإقليمية.
ثانيًا، يضعف نزع السلاح الضغط الأمني على خلايا داعش في حمرين، مما يمنحها فرصة لإعادة التنظيم وشن هجمات جديدة، خاصة مع غياب بدائل أمنية قوية تملأ هذا الفراغ.

أليست مفارقة ملفتة للنظر أنه في حين أن حركة حماس، ورغم ما تتلقاه من ضربات إسرائيلية علنية، استطاعت خلال الأشهر الأخيرة إعادة تجنيد نحو 40 ألف مقاتل، فإن حزب العمال الكردستاني يلقي بسلاحه طوعًا دون أن تُوجَّه إليه ولو رصاصة واحدة؟ هذه المفارقة تُلزمنا بفهم أعمق.

في مشهد درامي مغاير، نلاحظ أن حماس، رغم الحصار الإسرائيلي المكثف والضربات المتواصلة، أعادت بناء قوتها البشرية بما يكشف عن شبكة دعم إقليمي وإرادة تنظيمية عالية. على النقيض، يختار حزب العمال الكردستاني الانسحاب بإرادته دون مواجهة عسكرية مباشرة. هذا التناقض يعكس اختلاف البيئات السياسية والداعمين الإقليميين، فضلًا عن حجم القدرة على تعبئة الموارد والكوادر في أحلك الظروف.

تتشابك خيوط نزع السلاح مع تفاهمات تركية أوروبية وإسرائيلية، وحسابات إيرانية دقيقة. تركيا تمارس استراتيجية الضغط الذكي، وإيران تُعيد ترتيب خرائط النفوذ دون أن تخسر ورقة كردية بشكل كامل. أما إسرائيل فتراقب المشهد كساحة لإضعاف خصومها وإعادة تموضع اللاعبين لصالح تحالفات مرنة.

قد يتحول الحزب إلى كيان سياسي تفاوضي، أو يشهد ظهور بدائل عسكرية غير منضبطة تملأ الفراغ في مناطق حرجة مثل حمرين. كما أن قسد ستواجه تحديًا في تثبيت مواقعها دون هذا العمق الخلفي، بينما تتسلل داعش من جديد عبر الثغرات المفتوحة، في انتظار فرصة سانحة للتمدد.

يبيّن مشهد حزب العمال أن معركة السلاح ليست وحدها الفيصل؛ فحسابات التفاهمات والصفقات الهادئة قد تكون أفتك من الرصاص. تحتاج القوى الكردية إلى جبهة موحدة وبرنامج سياسي واضح كي لا تتحول مكاسبها إلى أوراق مساومة. وفي المقابل، يبقى الخطر الأكبر كامناً في التنظيمات التي تتقن فن التخفي والتجدد كلما تشظّى الخصوم وتراجع الحسم.

ليس من المبالغة أن نقول إن ما جرى في جبال قنديل اليوم يُحاكي، بروحيّته العميقة، لحظة سقوط بغداد في 2003؛ فكما كان دخول الدبابات الأمريكية إلى قلب بغداد إعلانًا صارخًا لانطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي روّج له جورج بوش الابن، يبدو أن استسلام حزب العمال الكردستاني وإلقاء سلاحه يعيد إحياء تلك الروح بوجهٍ جديد.

إنه إيذانٌ غير معلن بأننا أمام هندسة ثانية لخريطة هذه المنطقة، بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد هذه المرة؛ المشروع الذي تتبناه إسرائيل عمليًا عبر مسارات التفكيك وإعادة الدمج العابر للهويات، وبما يضمن أمنها وتمددها وسط كيانات تفرّغت من أدوات المقاومة المستقلة، أو صارت تُستعمل بالوكالة وفق تفاهمات القوة الأكثر خفاءً.

إن سقوط قنديل بهذا المعنى لا يعني مجرد زوال نقطة مسلحة في جبلٍ شاهق، بل هو إسقاط رمزيّ لما تبقّى من جيبٍ علمانيّ مقاتل



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد مقولة «لا يمكن التخلي عن اقتصاد السوق والمنافسة»
- اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب ...
- حرب البذور… سلاح دمار مؤجل في ترسانة قوى الرأسمال
- الاطار السياسي لمهام المشروع الاشتراكي
- المجمعات السكنية في عهد السوداني: رفاه للنخبة أم حل لأزمة ال ...
- الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الش ...
- عاشوراء العراقيين ...حسين يقتل حسينا
- تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع


المزيد.....




- مصر.. علاء مبارك يعلق على ما قاله محمد متولي الشعراوي لوالده ...
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- البنتاغون يعلن عودة 2000 جندي من قوات الحرس الوطني المنتشرين ...
- يديعوت أحرونوت: نتنياهو أعطى مرونة أكبر لفريق التفاوض
- خبير إسرائيلي: انتقام خامنئي يقترب ومخاوف من عودة الحرب مع إ ...
- حرب أوكرانيا.. لماذا وضعت -مهلة الـ50 يوما- -صقور روسيا- من ...
- ما هي صواريخ “باتريوت” التي تحتاجها أوكرانيا بشدة لصد الهجما ...
- إسرائيل تعد بوقف الهجمات على الجيش السوري جنوبي البلاد
- مهلة -نهائية- لإيران لإبرام اتفاق نووي.. وتلويح بـ-سناب باك- ...
- إسرائيل تنشئ نقاطا جديدة وتُمهّد لبقاء طويل في غزة


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - لحظة الانهيار الغامضة: حين ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه