أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..1














المزيد.....

العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..1


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 12:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ها نحن اليوم، في صيف تموز اللاهب، نشهد بلاد الرافدين وهي تُقاد إلى مفترق لم تعرف له مثيلاً منذ أن وُضعت حدودها على خرائط المنتصرين بعد الحرب الكبرى. قبل ثلاث سنوات فقط، انهارت الراية العثمانية العتيقة، وورثت بريطانيا هذا الكيان الهش الذي لم يكن في تاريخه الحديث «دولة» بالمفهوم الجديد، بل فسيفساء من مدنٍ مقدسة وأريافٍ عشائرية وأقاليم جبلية وحدودٍ مبهمة.

إن الحدث الأبرز في أيامنا هذه هو دفع بريطانيا نحو تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكًا على عرش العراق الوليد. هذا التتويج يبدو في ظاهره حلاً لإنهاء الحكم العسكري المباشر وإخماد جذوة التمرد، لكنه في حقيقته إعلان ولادة «مملكة» صُنِعت في رحم الانتداب، لا بيد العراقيين وحدهم.

من ثورة العشرين إلى تاج فيصل

ما زالت رياح ثورة العشرين، التي ألهبت الفرات الأوسط وجنوب العراق، حاضرة في الذاكرة. صحيح أن العشائر أُنهِكت وأن بعض زعمائها قَبِلوا بالتسويات، لكن الروح التي وحدت القبائل ورجال الدين ضد الضرائب الجائرة والحاميات البريطانية لم تنطفئ كليًّا. إن العرش القادم قد ينجح في تهدئة بعض الرؤوس الساخنة إذا شعر هؤلاء بأن الحكومة ستكون عراقية بحق، لكن إن بدا العكس، فستظل البنادق مدفونةً تحت خيام القبائل في انتظار شرارة جديدة.

شمالًا: عقدة الموصل

أما الموصل، فهي عقدة لا يمكن لأي ناظرٍ حصيفٍ أن يغفلها.
لم يُحسم أمر هذه الولاية العثمانية الكبيرة نهائيًا بعد؛ إذ لا يزال الأتراك الكماليون يرفعون دعوى أنها أرضٌ اقتُطعت من جسدهم ظلمًا. وفي المدينة ومحيطها عربٌ وكردٌ وتركمانٌ، كثيرٌ منهم يحتفظون بهوية عثمانية راسخة ويخشون أن يبتلعهم كيانٌ مركزي لم يشاركوا في صنعه.
تحت أراضي الموصل، بدأت عيون الغرب تتحسس ثروات النفط، ما يزيد الأطماع ويُعقّد التفاوض. وفي هذه اللحظة، يتحرك المندوب السامي بحذر: كيف يحافظ على ضم الموصل دون أن يشعل فتيل نزاع مع تركيا أو يُثير حفيظة سكانها الذين قد يميل بعضهم إلى حكم ذاتي أو ولاء بديل؟

الغرب المفتوح: الأنبار ومعابر البادية

وإلى الغرب، تمتد الأنبار من تخوم بغداد حتى بادية الشام، أرض العشائر الرحّل والمعابر المفتوحة. هذه المنطقة ليست مجرّد فراغٍ صحراوي؛ إنها شريان يربط العراق بالحجاز والأردن وسوريا، ومعبرٌ للقبائل التي لعبت أدوارًا في الثورة العربية الكبرى.
تخشى بريطانيا من أن تتحول الأنبار إلى خاصرة رخوة: قد تتسلل عبرها رسائل المتمردين أو تُستغل لإعادة وصل ما انقطع بين الشريف حسين وأبنائه وبين بعض قبائل الفرات. إن قدرة الدولة الجديدة على ضبط هذه الحدود العشائرية ستكون امتحانًا حقيقيًا لحكم فيصل.

الجرح الكردي في الجبال

ولا يكتمل المشهد دون ذكر الأكراد شمالًا. ففي السليمانية وما حولها، يلوّح زعماء مثل الشيخ محمود الحفيد بشعارات الحكم الذاتي، تارةً متفاوضين مع لندن، وتارةً رافعين راية العصيان. هنا أيضًا، ترى بريطانيا أن إبقاء الأكراد ورقة ضغط على المركز يضمن ألا تخرج بغداد عن الطاعة. إن عرش فيصل لن يهنأ له بال ما لم يجد حلاً متزنًا للتطلعات الكردية التي تتقاطع فيها الحدود واللغات والطموحات.

النجف وكربلاء: المرجعية الصامتة اليقظة

أما الجنوب المقدس، فالنجف وكربلاء ما تزالان صامدتين بمرجعياتهما وحوزاتهما التي حرّكت الثورة قبل عامٍ فقط. هنا تُطرح أسئلة حساسة: هل سيحترم الملك الهاشمي استقلال الحوزات والأوقاف؟ كيف سيتعامل مع قوة رجال الدين الذين لا ينازعهم أحد على زعامة القبائل الشيعية؟ إن محاولة تهميش هذه الحواضر لن تمرّ بلا ثمن، وقد تُعيد للجنوب روح العصيان إن أحسّ أن العرش مجرد غطاء للنفوذ البريطاني.

بيروقراطية هشة وأملٌ مضطرب

كل هذا يجري ودولة فيصل المقبلة ما زالت أوراقًا على مكاتب الضباط البريطانيين. فلا جيشٌ موحد اكتمل بعد، ولا جهازٌ إداري قادر على انتزاع الولاء من العشائر والمناطق. الموظفون الأتراك غادروا، والموظفون العراقيون قلة. والضرائب والغرامات باقية تثقل كاهل الريف والمدن.
إن النخب المدنية التي تحلم بدستور وبرلمان ترى أن لا فائدة من العرش وحده ما لم يولد معه شعبٌ جديد يرى نفسه عراقياً لا مجرد تابع لقبيلة أو طائفة أو مرجعية.

العراق: بين الخريطة والواقع

وهكذا يُراد للعراق أن يُولد دولةً موحّدة، بينما شروخه تمتد من بادية الأنبار إلى جبال الموصل والسليمانية، ومن ضفاف الفرات الثائر إلى صمت النجف وكربلاء الحذر.
في الظاهر، سيكون لنا ملكٌ عربيٌ علمٌ ودستورٌ. في الحقيقة، سيبقى الاختبار قائمًا: من يحكم العراق؟ هل يحكمه فيصل برغبة أهله؟ أم بريطانيا بمندوبها السامي؟ أم تظل كل مدينة وقرية تطيع شيخها وعالمها قبل أن تطيع قصور

إن العراق اليوم ليس «دولة» مكتملة، بل مشروعٌ في طور الولادة القسرية، محفوفٌ بحدود رُسمت بأقلام سايكس وبيكو أكثر مما خُطّت بدماء أبنائه.
ولعل العبرة الكبرى أن التاج وحده لا يكفي. فإن لم يجد فيصل في الموصل سندًا وفي الأنبار طاعة وفي كردستان تسوية وفي النجف رضا، فسيبقى عرشه كسرابٍ على دجلة، تحرسه بنادق الغريب أكثر مما تحميه إرادة الناس.

......يتبع



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد مقولة «لا يمكن التخلي عن اقتصاد السوق والمنافسة»..ج2
- لحظة الانهيار الغامضة: حين ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه
- نقد مقولة «لا يمكن التخلي عن اقتصاد السوق والمنافسة»
- اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب ...
- حرب البذور… سلاح دمار مؤجل في ترسانة قوى الرأسمال
- الاطار السياسي لمهام المشروع الاشتراكي
- المجمعات السكنية في عهد السوداني: رفاه للنخبة أم حل لأزمة ال ...
- الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الش ...
- عاشوراء العراقيين ...حسين يقتل حسينا
- تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن


المزيد.....




- البيت الأبيض: إصابة الرئيس الأمريكي ترامب بقصور وريدي يسبب ت ...
- أربعة قتلى في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان وتل أبيب تعلن ا ...
- غارات إسرائيلية تستهدف السويداء والرئاسة السورية تتهم فصائل ...
- الولايات المتحدة: مجلس النواب يقر تشريعات غير مسبوقة لتنظيم ...
- أوروبا تهدد بتفعيل العقوبات الأممية على إيران إذا لم يتحقق ت ...
- إنذار أوروبي لإيران: إبرام اتفاق نووي قبل نهاية الصيف أو عود ...
- ترامب يهدد بمقاضاة صحيفة لنشرها مقالا يتعلق بجيفري إبستين
- هل ترامب لا يزال يدعم أحمد الشرع بعد أحداث السويداء؟.. ما رد ...
- العشائر تعلن النفير العام..وفيديوهات لقوات تتجه إلى السويداء ...
- السويداء.. -اختبار حاسم- لمستقبل الدولة السورية


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..1