ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 21:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوراق مراقب وطني مستقل
---
الوثيقة الأولى
تحليل سياسي–اجتماعي: العراق بين 8 شباط 1963 و 23 تشرين الأول 1968
حرّر في بغداد، 23 تشرين الأول 1968
تمرّ اليوم خمسة أعوام ونصف تقريبًا على اليوم الذي اهتزّت فيه بغداد تحت دويّ الدبابات والمدافع فجر الثامن من شباط 1963، حين أسقط البعثيون وحلفاؤهم نظام عبد الكريم قاسم في انقلاب دموي لم يعرف العراق مثله منذ إعلان الجمهورية.
ما بين شباط 63 وتموز 68، تنقّل العراقيون بين وعود الثورة وارتباك الثوار، بين شعارات الوحدة العربية والحرية والاشتراكية، وبين انقلابات تصحّح انقلاباتٍ ثمّ لا يكتمل تصحيحها.
---
الفترة الأولى: شباط الأسود 1963
ما زال الناس يسمّون تلك الأيام بـ «الشباط الأسود» لما رافقها من ممارسات عنفٍ وصدامٍ دموي ضد الشيوعيين والوطنيين وأنصار قاسم. استُبيحت المدن العراقية بقطّاعات الحرس القومي، وفاحت رائحة السجون والتصفيات.
صحيح أنّ حكم قاسم فقد تماسكه في أيامه الأخيرة، لكن الذي جاء بعده كان أشدّ قسوةً وأقلّ حكمةً. لم يستطع البعثيون بناء دولة مؤسسات، فانقلبوا على بعضهم في تشرين الثاني 63 حين أقصاهم عبد السلام عارف في «التصحيح» بدعم من الجيش.
---
الفترة الثانية: عهد العارفين
منذ تشرين الثاني 63 وحتى سقوط عبد الرحمن عارف في تموز 68، عاش العراق في ظل الإخوة العارفَين: عبد السلام ثم أخوه عبد الرحمن.
في عهد عبد السلام عارف (حتى وفاته بحادث الطائرة عام 66)، حاول الرجل أن يقيم توازنًا صعبًا: استرضاء الضباط القوميين والبعثيين السابقين، احتواء بقايا التيارات، والانفتاح النسبي على الناصريين في مصر أملاً في الوحدة. لكنه بقي زعيمًا عسكريًا أكثر منه مشروعًا مدنيًا ناضجًا.
بعده جاء عبد الرحمن عارف: رجل طيّب لكنه ضعيف. خفتَ نبرة القمع، لكن ضعف الدولة بلغ أقصاه، وزادت الاضطرابات في الشمال بين الحكومة والحركة الكردية، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية بسبب غياب رؤية شاملة.
---
الحالة الاجتماعية
أما الناس فما فتئوا يرزحون بين الانقلابات والشعارات والتجنيد الإجباري، لا يرون استقرارًا ولا ازدهارًا حقيقيًا.
الموظف يخاف من التقارير الحزبية، والفلاح يترقب دعمًا زراعيًا لا يأتي إلا في الخطب، والعمال ينتظرون مصانع حقيقية بدل مشاريع متعثّرة.
استفاد بعض الأعيان من صفقات الدولة، بينما بقيت الفجوة بين بغداد والمدن والأرياف واسعة، والفقر والتشرّد يزدادان في مدن الجنوب والوسط.
---
ثم جاء تموز 1968
ها قد عاد البعثيون مجددًا في انقلاب أبيض تقريبًا. يقولون إنهم «قوّة التصحيح الثوري» بعد أن أضعفت العارفية روحَ الثورة.
اليوم، في 23 تشرين الأول 1968، يروّج قادة الحزب لعهد جديد: «نفطنا للعراقيين»، «اشتراكية عربية»، «وحدة قومية»، و«سلطة الشعب».
لكن في المقاهي والدوائر والمدارس، الناس يتساءلون:
هل سيكون البعث هذه المرة أكثر عقلانيةً من شباط 63؟ هل يُمكنهم حقًا بناء دولة مؤسسات لا سجون وأقبية تعذيب؟ هل يفكّرون بالفلاح والعامل والموظف، أم سيبقون غارقين في صراعات الكراسي والولاءات الفئوية؟
---
نظرة إلى الأمام
لقد تعلّم العراقيون درسًا قاسيًا: الثورات إذا لم تتحوّل إلى مؤسسات وقوانين وعدالة اجتماعية، تتحوّل إلى حبرٍ على ورق وسياطٍ على ظهور الناس.
إن كانت شعارات الوحدة والاشتراكية ستُستخدم ذريعةً للبطش، فلن يختلف تموز 68 كثيرًا عن شباط 63.
لكن إن صلحت النوايا وصُفّيت الحسابات الضيقة، وأُعيد توزيع الثروة بإنصاف، فقد يكون في هذه المرحلة فرصة — مهما كانت ضئيلة — لأن نبني دولة يحترمها شعبها ويهابها جيرانها.
وإلا، فإن العراق سيظل يدور في طاحونة الانقلابات والحرس القومي تارةً والحرس الجمهوري تارةً أخرى... بينما الناس هم وحدهم من يدفع الثمن.
حرّر في بغداد، 23 تشرين الأول 1968
بقلم: كاتب وطني مستقل
---
الوثيقة الثانية
بعد تسع سنوات: مراجعة منصفة
حرّر في بغداد، شتاء 1978
بقلم: مراقب وطني
---
مقتطف مما كتبتُه في خريف 1968
يوم كتبتُ تأملاتي في تشرين 1968، قلت إن العراق إذا لم يتحوّل فيه شعار الثورة إلى مؤسساتٍ حقيقيةٍ، فستظل الدولة تدار بالشعارات فقط. وحذّرتُ من أن النفط إذا صار سيدًا بلا عدالة اجتماعية حقيقية، فإن الثروة قد تنقلب إلى نقمة.
---
ما تحقق فعلاً
أولاً: التعليم
أصبح التعليم أوسع وأعمق وأكثر عدالةً للفقراء. مجانية التعليم أصبحت حقيقة: من الابتدائية حتى الجامعة.
خُصّصت ملابس مدرسية ووجبات صحية، ووفرت أقسام داخلية مؤثثة ومجانية بالكامل.
ثانيًا: الرعاية الصحية
توسّعت شبكات المراكز الصحية والمدارس الفاحصة للأطفال. حملات التطعيم أكثر انتظامًا.
ثالثًا: الخدمات والمشاريع
تأميم النفط حوّل موارد الدولة إلى مشاريع بنى تحتية: طرق، جسور، سدود، إسكان، كهرباء، ومصانع.
دخل الفلاح إلى المشاريع الزراعية الحديثة. تحسّنت أحوال الموظفين والعمال.
رابعًا: الجبهة الوطنية
في بداية السبعينيات، كان تحالف البعث مع الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب محاولة جادة — حتى لو لم تُترجم إلى تقاسم فعلي للسلطة.
---
ما الذي بقي من هواجس الأمس؟
رغم هذه المنجزات، ظل الخوف من تغوّل الأجهزة الأمنية قائمًا. حرية الفكر محدودة، والقضية الكردية بقيت معلقة بعد فشل اتفاقية آذار.
---
الميزان
لإنصاف هذا العقد: نعم، تحسّنت حياة المواطن اليومية، لكن التطلعات لحياة سياسية أكثر حيوية ظلت مؤجلة.
---
النظرة إلى الأمام
إن من أهم الدروس أن أي دولة، حتى لو أطعمت الناس وعلّمتهم وكسَتهم، تحتاج أن تجعل من الحرية شريكًا للخبز، ومن الكرامة شريكةً للأمن.
---
وجهات نظر متباينة
كاتب بعثي
العراق 1978: بناء الدولة الاشتراكية بقيادة حزب البعث
تأميم النفط أعاد الثروة للشعب. التنمية اشتراكية، التعليم للجميع، الجبهة الوطنية خطوة لتوحيد القوى.
المستقبل مرهون بترسيخ المكاسب وتصحيح الأخطاء.
---
كاتب شيوعي
العراق 1978: تأملات من موقع الشيوعيين
دعمنا تأميم النفط والجبهة الوطنية. نتحفظ على غياب الرقابة الشعبية وضعف الحريات. الاشتراكية لا تُبنى إلا على العدل والحرية معًا.
---
متدين شيعي
العراق 1978: عين المتدين الشيعي
نقدّر الخدمات، لكن نريد حرية شعائرنا وإنصاف مناطقنا المحرومة.
---
متدين سني
العراق 1978: عين المتدين السني
هموم الناس واحدة: رزق حلال، قانون عادل، حياة آمنة. الدين لا يجب أن يُستعمل أداة للفرقة.
---
المناضل الكردي
العراق 1978: عين المناضل الكردي
اتفاقية آذار أعطتنا أملًا لكن فشلت. نريد إدارة ذاتية حقيقية ضمن العراق الموحد.
---
قومي عربي
العراق 1978: عين القومي العربي
الوحدة العربية أكبر من حزب واحد. نريد تعاونًا حقيقيًا وحريات سياسية أوسع.
---
الليبرالي العراقي
العراق 1978: عين الليبرالي
نطالب بدولة قانون وحريات حقيقية. لا يهم الشعار إن غابت حرية الصحافة والتعددية.
---
التاجر
العراق 1978: عين التاجر
توسّع المشاريع أنعش الأعمال، لكن احتكار الدولة حدّ من التجارة الحرة. نريد قوانين عادلة واستقرار السوق.
---
الموظف الحكومي
العراق 1978: عين الموظف
رواتبنا تحسنت لكن الخوف من التقارير باقٍ. نريد إدارة بلا فساد وترقية بالكفاءة.
---
الكادح
العراق 1978: عين الكادح
نريد عملاً ثابتًا وعيشًا كريمًا. نأمل أن يصل خير النفط للجميع.
---
العامل المنظم
العراق 1978: عين العامل
أجورنا تحسنت لكن النقابات تحتاج حرية حقيقية. نريد بيئة عمل عادلة.
---
العسكري
العراق 1978: عين العسكري
الجيش أصبح أقوى تجهيزًا، لكن السياسة داخل الثكنة تُربك. نريد مؤسسة وطنية مهنية فقط
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟