ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 22:28
المحور:
الادب والفن
عندما كنتُ بعدُ أتكوّر
في طَمى ضفّةِ جدولٍ... يتخفّى،
كنتُ أبكي بلغةِ الطينِ،
تبلّني رعشةُ الماءِ
حين تمرُّ فراشةٌ عمياءُ فوقي،
ولا تدري أني سأولدُ...
حينها
كانت الأرضُ تنفثُ أنفاسَها
فوقَ شكلٍ يشابهُ ملامحي الآتية،
وكان الحجرُ
يشتهيني جنينًا من الضوءِ،
أو من رمادِ السماوات.
كنتُ أخشى الهواءَ،
وأحلمُ بالدفءِ
في كفّ أمّي التي لم تجئْ بعدُ،
وفي صوتِ أبٍ
لم يُحدّثني بعدُ عن الخوفِ،
عن الحربِ،
عن أسماءِ الإلهِ التي تتكسّرُ.
هل رأيتَ جنينًا
يخافُ من النورِ قبل ولادته؟
ذاك كنتُ أنا،
عندما كنتُ بعدُ أتكوّرُ...
في طمى ضفّةِ جدولٍ... يتخفّى.
---
كانت... وكأنّها تدري
أنّ كتلةَ الطمى هذه... فيها روح،
روحٌ تتذكّر قبل أن تولد،
وتوجِعُ ما حولها بالصمت.
كانت تقرفصُ عندها،
تمدُّ كفَّها المأزومة بالحرارة،
تمسِدها... تمسِدني،
كأنّها تحاولُ
أن تُطفئَ فيَّ احتراقَ البداية.
كنتُ أحسُّ بلوعةِ السرّ،
يتلوّى بعينيها،
كأفعى مقدّسةٍ
توشك أن تهمسَ لي باسمي،
لكنّها تتراجع...
تخشَى أن أولدَ كاملًا.
كانت عيناها تقولان:
"هذا الجنينُ… ليس لي،
هو للضفةِ الأخرى من العالم،
للظلمةِ حين تنشدُ النور،
للماءِ حين يرفض أن يصير نهرًا."
---
ثمّ...
ترفع كلّها عني بهدوء،
فيعجّ المكان بعبق نزق الماء.
تتعرّى،
تنزلق بخجل في الماء،
وتتمدّد
مغمضةً عينيها
في حضن الجدول.
يداعب بتموّجاته خصلَ شعرها،
وينحدر إلى حلمتي نهديها
فتنفران...
كسمكتين فضيّتين من فوق الماء.
---
بعد بُرهةٍ من زمنٍ كوني،
صِرتُ أنا.
صرتُ أريد أن يكون لي حَضنٌ
كحَضن الجدول،
ذات الجدول.
أنامُ مستلقيًا على ظهري،
رافعًا ذراعي نحو اللعبة.
كانت تأتي إليّ،
تجلس القرفصاء...
وبحنوٍّ خائفٍ
تمسِدُ رأسي،
فيتسلّل النعاسُ
ليغشى جفوني...
لم أعد أرى
إلّا جدولًا...
يحتضنُ عُري وردٍ
يتمايل بغنجٍ على ضفّتيه،
حيثُ بعضُ الطمى
تتكوّرُ فيهِ روح.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟