|
|
-الفائض والريع: تحليل اقتصادي سياسي للمقارنة بين الاشتراكية والاقتصاد العراقي الريعي...ج2
ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 22:06
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الاقتصاد الريعي العراقي
أولًا: خصوصية الاقتصاد الريعي يُعرّف الاقتصاد الريعي بأنه الاقتصاد الذي يعتمد على مصدر خارجي ثابت نسبيًا من الإيرادات (كالنفط أو الغاز أو التحويلات) بدلًا من الاعتماد على الإنتاج المحلي وتطوير قوى العمل. في هذا السياق، يُعتبر العراق مثالًا نموذجيًا للاقتصاد الريعي، حيث تشكل صادرات النفط أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية. غياب قاعدة إنتاجية صناعية أو زراعية متينة جعل الاقتصاد العراقي رهينًا للتقلبات العالمية في أسعار النفط. الريع النفطي لا يمر بعملية إنتاج داخلية تُولّد فائض قيمة على أساس عمل بشري، بل يتدفق كدخل جاهز تتنافس عليه النخب السياسية.
ثانيًا: غياب فائض القيمة المنتج محليًا في الاقتصاد الصناعي، فائض القيمة يُستخلص من العمال عبر العملية الإنتاجية. أما في العراق:
العمال لا ينتجون سلعًا صناعية تُصدّر وتولد فائضًا.
النفط الخام يُستخرج ويُباع في السوق العالمية، لتدخل عوائده كإيرادات ريعية.
وبذلك: لا وجود لفائض قيمة بالمعنى الماركسي داخل الاقتصاد العراقي. الموجود هو فائض ريعي، أي قيمة خارجية مُضافة بفعل ملكية الدولة للثروة الطبيعية.
ثالثًا: آليات تبديد الفائض الريعي بدل أن يتحول الفائض النفطي إلى قوة دافعة للتنمية، تم تبديده عبر ثلاث آليات رئيسية:
1. التوزيع الزبائني: عوائد النفط تُوزع كرواتب ضخمة في القطاع العام لتأمين الولاءات السياسية، ما أدى إلى تضخم جهاز الدولة وارتفاع معدلات البطالة المقنعة.
2. الاستيراد والاستهلاك: الريع يُستخدم في تمويل الاستيراد بدل تطوير الإنتاج المحلي، فالسوق العراقية امتلأت بالسلع المستوردة، مما قضى على الصناعة والزراعة الوطنية.
3. الفساد المؤسسي: نسبة كبيرة من العوائد النفطية تُستنزف عبر شبكات فساد سياسي–اقتصادي. عقود النفط والإعمار والمشتريات الحكومية تتحول إلى مصدر ثراء شخصي للنخب، بدل أن تكون أداة لبناء اقتصاد منتج.
رابعًا: تضخيم القيمة بدل إنتاجها غياب الإنتاج المحلي جعل السوق العراقية ساحة لتضخيم الأسعار: التاجر يستورد سلعة بسعر منخفض ثم يبيعها بسعر أعلى دون أي قيمة مضافة. هذا التضخيم يُشبه "القيمة المضخمة" التي تناولناها في الفصل الأول، لكنه هنا مدعوم بريع نفطي يغذي الطلب الاستهلاكي دون أن يقابله إنتاج حقيقي.
خامسًا: النتائج الاجتماعية والسياسية
التبعية: الاقتصاد العراقي أصبح تابعًا لتقلبات أسعار النفط وللأسواق العالمية.
الهشاشة الاجتماعية: غياب الإنتاج جعل المجتمع معتمدًا على الدولة لتوزيع الرواتب والإعانات.
الأزمة السياسية: الريع النفطي تحول إلى غنيمة تتنازع عليها القوى السياسية، بدل أن يكون أساسًا لبناء تنمية وطنية.
سادسًا: مقارنة أولية مع التجارب الاشتراكية في التجارب الاشتراكية (السوفيتية، الصينية، المصرية): فائض القيمة أعيد توزيعه اجتماعيًا عبر السلطة الاشتراكية. في العراق: الريع النفطي تحوّل إلى مصدر فساد وشراء ولاءات، أي تبديد للفائض بدل إعادة توزيعه.
المقارنة التحليلية بين السلطة الاشتراكية والاقتصاد الريعي العراقي
أولًا: موقع فائض القيمة في البنية الاقتصادية
في النمط الاشتراكي: فائض القيمة يُنتَج داخل العملية الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، الخدمات)، ثم يُعاد توزيعه عبر سلطة اشتراكية مركزية تخطط الاقتصاد بما يخدم الحاجات الاجتماعية.
في الاقتصاد الريعي العراقي: لا وجود لفائض قيمة منتَج محليًا؛ الموجود هو ريع نفطي يتدفق من الخارج. لذا فإن آليات التوزيع لا ترتكز على الإنتاج، بل على الاستهلاك وتقاسم الغنائم.
ثانيًا: آلية التوزيع وإعادة التوظيف
النمط الاشتراكي: فائض القيمة يُعاد توظيفه في الاستثمار طويل الأمد: البنية التحتية، التصنيع الثقيل، التعليم، الصحة. الهدف: بناء قاعدة إنتاجية مستقلة وتقليل التبعية للسوق العالمية.
الاقتصاد الريعي العراقي: الريع يُوزع كرواتب ومخصصات أو ينهب عبر شبكات الفساد. الجزء المتبقي يُستخدم للاستيراد والاستهلاك، ما يُعمّق التبعية الخارجية.
ثالثًا: علاقة السلطة بالاقتصاد
السلطة الاشتراكية: تستند إلى تصور نظري يربط بين السيطرة على وسائل الإنتاج وبين تحقيق العدالة الاجتماعية. الاقتصاد يُخضع للسياسة عبر التخطيط.
السلطة في الاقتصاد الريعي: تستند إلى شرعية توزيع الريع؛ بقاء السلطة مرهون بقدرتها على تمويل الرواتب والدعم، لا على تطوير الإنتاج.
رابعًا: النتائج الاجتماعية
في النمط الاشتراكي: توسع الطبقة الوسطى، ارتفاع مستويات التعليم والصحة، تقليص الفوارق الطبقية (رغم بروز بيروقراطيات جديدة).
في العراق الريعي: تضخم البطالة المقنعة، تبعية المجتمع للدولة كموزّع للريع، توسع الفوارق الاجتماعية بين النخب المستفيدة من الريع والفئات الشعبية المهمشة.
خامسًا: الاستقرار السياسي
النمط الاشتراكي: رغم الأزمات البيروقراطية، وفرت إعادة توزيع فائض القيمة قاعدة اجتماعية داعمة للنظام لعدة عقود.
العراق الريعي: غياب قاعدة إنتاجية جعل السلطة هشة، إذ يؤدي أي انخفاض في أسعار النفط إلى أزمة مالية وسياسية فورية.
سادسًا: الدروس المستخلصة
1. الريع لا يبني تنمية: لأنه دخل خارجي غير مرتبط بالإنتاج المحلي.
2. فائض القيمة المنتج محليًا هو الشرط الضروري للاستقلال الاقتصادي: ولا يمكن تحويله إلى قوة اجتماعية إلا عبر سلطة اشتراكية.
3. السلطة الريعية عكس السلطة الاشتراكية: الأولى تستهلك الفائض وتبذر الموارد، والثانية – رغم عيوبها – تعيد توجيه الفائض نحو بناء قاعدة إنتاجية.
خلاصة تُظهر المقارنة أن الاقتصاد الريعي العراقي يقف على النقيض من التجارب الاشتراكية. فإذا كان جوهر الاشتراكية هو توظيف فائض القيمة المنتج محليًا في التنمية الشاملة عبر سلطة مركزية، فإن جوهر الريعية العراقية هو تبديد الريع الخارجي في الاستهلاك والفساد دون أي إنتاج حقيقي.
الخاتمة والتوصيات
أولًا: الخاتمة هذا البحث انطلق من محاولة لفهم العلاقة بين القيمة المضخّمة وفائض القيمة، من خلال مثال نقدي بسيط يتضح فيه أن النقد أداة مخادعة، وأن قيمته لا تُختزل بما يُطبع عليه من أرقام، بل بما يُعاد إنتاجه في السوق. في النظرية الماركسية، فائض القيمة يُمثل جوهر الاستغلال الرأسمالي: العمل البشري ينتج قيمة أكبر من أجره، وهذه الزيادة يستولي عليها الرأسمالي. في التجارب الاشتراكية، تمّت محاولة تحويل فائض القيمة إلى مورد اجتماعي عبر ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، وإعادة توزيعه في مجالات التنمية (الصناعة، التعليم، الصحة). ورغم النجاحات الكبرى، برزت مشكلات البيروقراطية والهدر. في الاقتصاد الريعي العراقي، لا وجود لفائض قيمة بالمعنى الدقيق، بل هناك ريع نفطي خارجي. هذا الريع تحوّل إلى أداة للفساد والزبائنية والاستهلاك، مما أدى إلى تبديد الثروة بدلًا من تراكمها المنتج.
الخلاصة الجوهرية هي: فائض القيمة المنتج محليًا يمكن أن يكون أساسًا لبناء اقتصاد مستقل إذا وُضع تحت سيطرة سلطة اشتراكية مخططة.
الريع الخارجي، بالعكس، يولّد اقتصادًا تابعًا، استهلاكيًا، هشًا سياسيًا واجتماعيًا. ثانيًا: التوصيات
1. ضرورة إعادة النظر في طبيعة ملكية وسائل الإنتاج: لا يمكن للاقتصاد العراقي أن يستمر كاقتصاد ريعي استهلاكي؛ المطلوب هو بناء قاعدة صناعية وزراعية وطنية.
2. تأسيس سلطة اقتصادية اشتراكية: وحدها السلطة الاشتراكية، عبر ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتخطيطها المركزي، قادرة على تحويل الفائض من مجرد ريع مُستهلك إلى قوة تنموية.
3. إعادة تعريف قيمة النقد: النقد لا يجب أن يُختزل في كونه أداة للتبادل، بل ينبغي ربطه بالقدرة الإنتاجية الحقيقية للمجتمع.
4. الانتقال من الريعية إلى الإنتاجية: بناء قطاعات إنتاجية وطنية (صناعة تحويلية، زراعة حديثة) هو الشرط الوحيد لوجود فائض قيمة يُعاد توزيعه اجتماعيًا.
5. إصلاح آليات التوزيع: بدل أن تكون عوائد النفط وسيلة لشراء الولاءات، يجب أن تتحول إلى أداة لتمويل مشاريع إنتاجية وخدمات عامة.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الفائض والريع: تحليل اقتصادي سياسي للمقارنة بين الاشتراكية
...
-
التحول الأنتي-إمبريالي في الدولة الريعية
-
قمة ألاسكا : من فراغ علني إلى صفقة كبرى
-
أمميه النضال الطبقي في الاقتصاد الريعي
-
أعطني شرطياً نزيهاً.. وأضمن لك حصار السلطة الفاسدة
-
(المشاية) إلى كربلاء وحج سانتياغو: رحلة نحو المقدس عبر العصو
...
-
الاقتصاد الرقمي: ذروة تطور الرأسمال وانكشاف عبودية القرن الح
...
-
توسع ميدان الصراع الرأسمالي في عصر الاقتصاد الرقمي: من الموا
...
-
-الاقتصاد الرقمي والإنتاج السلعي: إعادة تأكيد الدور المركزي
...
-
الاقتصاد الرقمي كامتداد لرأس المال: نقد إسقاطات الصراع الطبق
...
-
ممر زنغزور: المشهد، الأطراف، والمصالح
-
اللعبه الكبرى....سيرورة العالم الدولي الجديد
-
التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي : لعبة توازنات أم خرق ست
...
-
التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است
...
-
التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است
...
-
سكونية الاقتصاد الريعي الخليجي وتجميد التناقضات الطبقية
-
هل أفلت النظرية الثورية الماركسية في الاقتصاد الريعي
-
قوة العمل بين الاقتصاد السلعي والاقتصاد الريعي: في تشوّه الد
...
-
حزب الدعوة: المنظمة الغامضة
-
شهقة ما قبل الوجود
المزيد.....
-
العدد 628 من جريدة النهج الديمقراطي
-
العدد 629 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الصحراء الغربية: استعداد جزائري لدعم وساطة بين البوليساريو و
...
-
Reflections on Zohran Mamdani’s Victory from the Global Sout
...
-
Converging Crises: Capitalism, Poverty, and the Failure of G
...
-
تركيا: اللجنة البرلمانية تبحث إمكانية زيارة زعيم حزب العمال
...
-
في قرار مجلس الأمن حول غزة
-
الاشتراكي الديمقراطي مامداني وديمقراطيون آخرون يفوزون في انت
...
-
مجلس الاستعمار.. برعاية ترامب وحلفاؤه العرب
-
ألمانيا... صعود اليمين المتطرف يشعل جرائم الكراهية ضد المثلي
...
المزيد.....
-
الماركسية والمال والتضخم:بقلم آدم بوث.مجلة (دفاعا عن الماركس
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|