الذهب الأخضر🌲🧑‍🌾كرافعة اقتصاديّة وثقافية - قلعة الشعب المختار …

مروان صباح

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 21:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مروان صباح / لم يكن انحيازي للشعب الفلسطيني طارئاً ولا نزوة عابرة ، بل هو عهدٌ متجذّر في الوجدان ، أكرّره كما يكرّر القلب نبضه بلا كلل ولا سأم ، وليس سرّه أنني أنتمي إليهم نسباً أو أرضاً كما يظن البعض ، وإنما لأن فلسطين 🇵🇸 ، منذ أن أرتفع شهيدها الأول المسيح ، لم تعد تقدّم أبناءها فحسب ، بل تحوّلت هي ذاتها إلى شهيدة ، إلى “أمّ الشهداء” ،وفي غزة يُكتب الخراب بمداد الدم والنار ، غير أن الضفة الغربية والقدس تُسطران فصلاً آخر : هناك 👉 ، حيث تغيب فصائل السلاح ، يزدهر الاستيطان كوحش جشع ، وتُوزَّع البنادق على المستوطنين كما تُوزَّع الهدايا ، وتُضَخّ الأموال في بناء وحدات جديدة على مرأى العالم ، فيما يلوذ العالم بالصمت ، عاجزاً عن فرض عقوبة واحدة على الإحتلال (تقارير الأمم المتحدة، 2023) ، أما الفلسطيني ، فيُطالبونه بنزع سلاحه القليل ، متجاهلين أن هذا السلاح ليس مجرد قطعة حديد ، بل رمز إرادة ، ومفتاح سرّ أبقى هذا الشعب صامداً عقوداً ، حتى بعد جولات القتال الأخيرة (عزمي بشارة ، المقاومة والسياسة، 2021).

إنه واقع يُحاصر الفلسطيني من كل الجهات : مقاومة مسلّحة ممنوعة ، مقاومة دبلوماسية محرّمة ، حتى الحلم نفسه صار جريمة ، وما يُسمح له به لا يتجاوز “جرعات حياة” محسوبة ، كما يُحسب غذاء السجين في زنزانته ، ولعل شرب القهوة بين الأسرى مثال صارخ ؛ فقد غدت عسيرة المنال بعد قرارات الرئيس الأمريكي ترمب برفع التعريفات الجمركية ، وهو ما ضاعف أسعار البن بأكثر من 100% بسبب إرتفاع تكاليف الشحن (البنك الدولي ، تقرير أسعار السلع، 2020) ، ومع ذلك ، لم يخمد شغف الناس بالقهوة ، فهي في أعينهم ليست مجرد مشروب ، بل طقس يومي ، ورفيق ذاكرة ، وسلعة استثنائيّة ارتقت إلى لقب “الذهب الأخضر” في مواطنها : اليمن والبرازيل وفيتنام وكولومبيا وإندونيسيا وإثيوبيا وأوغندا والهند وغواتيمالا وبيرو ، وهي تُضاهي قيمتها بقيمة الذهب والنفط والسيليكون والمعادن الثمينة (منظمة القهوة الدولية، 2022) ، ولعل في البرازيل 🇧🇷 كان هناك درساً للعالم ؛ فهي ، رغم الجفاف والحرائق ، ما زالت تتصدر المشهد ، إذ تصدّر وحدها قرابة 4 ملايين طن سنوياً ، أي ما يقارب 40% من إستهلاك الأرض كلّها ، وعلى الضفة الأخرى من المشهد ، تستورد مصر 🇪🇬 نحو 80 ألف طن سنوياً بتكلفة تقارب 300 مليون دولار (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، 2021).

هنا 👈 يظهر الفارق : فيتنام ، التىّ لا تملك نفطاً ولا غازاً ولا ذهباً ، جعلت من القهوة ثروة قومية تُقارن بالذهب ، بينما ظل العرب ، واليمن خصوصاً ، أسرى الإستيراد ، يستنزفون عملاتهم في شراء السلع الأساسية ، عوضاً عن أن يجعلوا من إرثهم الزراعي مشروعاً قومياً ، ومن قهوتهم ذهباً أخضر يفيض على العالم …

يشير 👈 غياب التوازن البنيوي في السياسات العسكرية والاقتصاديّة الإسرائيلية إلى إشكالية جوهرية في إدارة الصراع داخل قطاع غزة ، فبرغم الإنفاق المتزايد على الأنشطة الأمنية والاستخباراتية خلال العقود الماضية ، لم تتمكّن إسرائيل 🇮🇱 من تحقيق السيطرة الكاملة على القطاع ، وهو ما يعكس محدودية الفعالية الاستراتيجية لهذا الإنفاق (معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ، 2023) ، حيث تجلّت هذه المحدودية في حجم الاستنزاف الذي يعاني منه جيش الإحتلال ، إذ وجد نفسه بعد عامين من العمليات العسكرية المكثفة مضطراً إلى التعاقد مع عناصر مرتزقة من الخارج ، فضلاً عن صعوبات متنامية في إستدعاء قوات الاحتياط ، وتواجه هيئة الأركان الإسرائيلية تحدياً حقيقياً في إقناع ضباط الإحتياط بالإلتحاق بالعمليات الهجومية ، ليس فقط بسبب تآكل القناعة بجدوى إستمرار الحرب أو المخاوف بشأن مصير الأسرى الإسرائيليين ، بل نتيجة حالة الإرهاق الشديد التى يعيشها الجنود (هآرتس، 2024) ، وتبرز هنا 👈 إشكالية إستراتيجية أخرى ، تتمثل في التساؤل حول إمكانية إستمرار الإحتلال الكامل لغزة على مدى سنوات مقبلة ، في ظل الضغوط الواقعة على الجنود والضباط فيما يتعلق بوظائفهم ودراساتهم وأسرهم ، إن إرتفاع الخسائر البشرية المتوقعة ، إلى جانب تحديات البقاء لفترات طويلة بعيداً عن الحياة المدنية ، يفسّر حالة الإرتباك والإنقسام داخل المؤسسة العسكرية ، حيث تشير البيانات إلى أن غالبية قوات الإحتياط تعاني من تراجع في الإلتزام ، بل إن بعضهم يرفض الإستجابة للاستدعاء (مركز بيغن–السادات للدراسات الاستراتيجية، 2024 - 2025 ).

في السياق ذاته ، يعكس الرأي العام الإسرائيلي مؤشرات مشابهة ، فقد أظهرت استطلاعات رأي محلية أن نحو 80% من الإسرائيليين يطالبون بإنهاء العمليات العسكرية وعودة الجيش إلى ثكناته ، وقد تجسّد ذلك في اعتراضات رسمية وصلت إلى مكتب نتنياهو " رئيس الوزراء " وإلى القيادة العسكرية (القناة 13 الإسرائيلية، 2024 - 2025 ، ويكشف هذا التحول عن تآكل الحافز الجماعي الذي ظهر عقب هجوم ال7 من أكتوبر ، حيث تحوّل الإندفاع الأولي إلى حالة من الرفض المتصاعد للعمليات العسكرية ، في ظل الانتقادات الدولية التىّ وصفت إسرائيل 🇮🇱 بأنها طرف ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني (الجارديان، 2025) ، كما أسهمت طبيعة المقاومة الفلسطينية ، القائمة على تكتيكات حرب العصابات ، في تعزيز قدرة الفصائل المسلحة على الصمود والبقاء ، بما يربك الحسابات العسكرية والسياسية الإسرائيلية ، وفي المقابل ، يفرض نظام الخدمة العسكرية في إسرائيل إلتزامات إضافية على فئات عمرية متعددة ، من سن الثامنة عشرة حتى الأربعين وما بعدها ، بينما يستمر إعفاء الحريديم (المتدينين اليهود) من الخدمة رغم حصولهم على مخصصات مالية من الدولة ، الأمر الذي يثير جدلاً داخلياً واسعاً حول العدالة الاجتماعية (يديعوت أحرونوت، 2024).

إلى جانب ذلك ، يواجه الجنود العائدون من ساحات القتال تحديات اقتصاديّة واجتماعية مركبة ، إذ إن كثيرين منهم يفقدون وظائفهم أو يعانون من تفكك أسرهم نتيجة الضغوط النفسية والمالية المرتبطة بالحرب ، وقد وثّقت تقارير حقوقية تزايد حالات الطلاق والانتحار والامتناع عن الإستدعاء ، وهو ما يفاقم الأزمة البنيوية داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي على حد سواء (بتسيلم، 2025) …

تُعّتبر متابعة واستقراء الأحداث أمراً ضرورياً للدول العربية ، خصوصاً إذا كانت هذه الأحداث تجري في بيئات متشابكة ومعقدة ، أو تتسم بصعوبة الفهم والتحليل ، ويستلزم ذلك تقييم جدوى هذه الأحداث ، وأهدافها ، ومدى التشابك أو الإختلاف أو التكافل بينها (النجار، 2022) ، كما يُفترض أن تستفيد الدول العربية من العوامل المناخية التىّ أسهمت في تراجع مستويات الإنتاج للبن ، لا سيما في الدول المنتجة ، وهو ما ينطبق أيضاً على النزاعات الراهنة مثل الحرب في أوكرانيا 🇺🇦 والصراع في غزة (خليل، 2023) ، وبما أنه لا يوجد حسم عسكري واضح في أي من الجبهتين ، فإن هذه الظروف تمثل فرصة للدول لتمهيد الطريق نحو معالجة قضايا الإستهلاك المحلي وتعويض نقاط الضعف العسكرية (السيد ، 2024) ، ولا تقتصر الأهمية على الجانب الدفاعي فحسب ، بل تشمل أيضاً الإنتاجيات الاقتصادية ، سواء في المجال العسكري أو الزراعي ، مثل إنتاج البن ، لما لها من مردود اقتصادي كبير (الموسوي ، 2021) ، بل تؤكد المتغيرات المناخية على ضرورة تطوير محاصيل نباتية مقاومة للظروف البيئية القاسية ، على نحو يشبه ما قامت به المقاومة في غزة عبر تطوير شبكة أنفاق معقدة للتكيف مع الظروف الميدانية ، ومن جهة أخرى ، يشهد الطلب على الموارد الاستراتيجية مثل معدن السيليكون نمواً متزايداً نتيجة استخدامه في صناعات البطاريات والرقائق الإلكترونية ، في حين أصبحت القهوة جزءاً لا يتجزأ من العادات اليومية للشعوب ، حيث يرتبط النشاط اليومي للعديد من الأفراد بشربها ، ما جعلها مشروباً أساسياً في مختلف أنحاء العالم (العامري، 2023) …

يمكن النظر إلى الصراع الإسرائيلي ليس فقط من منظور العرب ، بل من منظور أوسع يشمل الأوروبيين أيضاً ، باعتباره صراعاً تاريخياً طويل الأمد ، إن هذا التحليل يعكس صورة التوترات الإقليمية على أنها ليست محصورة في الشرق الأوسط فحسب ، بل تمتد لتشمل القوى الأوروبية التىّ إرتبطت بالصراع على مر التاريخ (Shapira, 2012) ، وقد تجلى هذا التوجه في إستراتيجيات الحركة الصهيونية الحديثة ، التىّ أتجهت إلى الأسواق الصينية والهندية كبديل عن الأسواق الأمريكية والأوروبية التقليدية ، وهو ما يعكس إدراكاً واقعياً للتحولات الاقتصادية العالمية وتغير أولويات القوى الكبرى (Shapira, 2012) ، ومن الناحية السياسية ، هناك 👉 إدراك أوروبي عميق يستند إلى مخاوف تاريخية مفادها أن نجاح إسرائيل على العرب في تحقيق مشروعها الاستراتيجي الأكبر سيحوّل الصراع لاحقاً إلى مواجهة مباشرة مع الأوروبيين ، وتزداد أهمية هذا الطرح في ظل السياسات الدولية التىّ حاولت إعادة رموز ملكية أوروبية - كنائسية إلى سدة الحكم ، كما ظهر في بعض التحركات المرتبطة بالرئيسين ترمب وبوتين (Morris, 2001).

أما من الناحية الفكرية والدينية ، فإن هذا الصراع يتقاطع مع المفاهيم التوراتية والقرآنية حول التحدي البشري في السعي وراء القوة والمعرفة ، ففي القرآن الكريم ورد : “فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً” (سورة الأعراف: 138)، مما يعكس رغبتهم في تحويل المفاهيم الروحية والمعنوية إلى واقع مادي ملموس ، ويترابط هذا الفكر مع محاولات بعض الجماعات الهيمنة على المنظومات المالية والتكنولوجية الحديثة لإثبات تفوقها وإثبات مكانتها كـ”شعب مختار”، بما يعكس رؤية للعالم تقوم على السيطرة والتفوق العالمي (Diamond, 1997).

إن هذه العقلية الإستراتيجية " الاسرائيلية " ، القائمة على الجمع بين القوة العسكرية والتقدم التكنولوجي ، أسست مجتمعاً محمياً من الداخل وفي ظل محيط يغلي بالمعاداة ، معززاً بجدران قوية تحمي مصالحه وتضمن استمرارية هيمنته ، ويمكن القول إن فهم هذا الإطار الفكري والسياسي ضروري لتفسير التحولات الإجتماعية والشارعية في أوروبا الاستراتيجية والصراعات الحالية في الشرق الأوسط والعالم … والسلام 🙋‍♂ ✍

#مروان_صباح (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل