|
من لوثر إلى طه : تبرئة الإسخريوطي وابن سبأ🩸….
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 18:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ تُعدّ المسألة الفلسطينية 🇵🇸 من أكثر القضايا حساسية في التاريخ العربي الحديث ، إذ إرتبطت بالهوية والذاكرة والوعي الجمعي للأمة ، ومع ذلك ، ظهرت منذ بدايات القرن 20 ، وخاصة منذ كتابات طه حسين في مستقبل الثقافة في مصر (طه حسين، 1938)، توجهات فكرية وثقافية حاولت فصل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي ، وهو ما شكّل في نظر 👀الكثير من المفكرين ، مدخلاً لإسرائيل لتثبيت خطابها السياسي والتاريخي في المنطقة ، فمنذ مطلع القرن 20 ، رأت بعض النخب الثقافية العربية أن المهرجانات أو الملاعب الرياضية تمثل شكلاً من أشكال التواصل الحضاري الذي قد يساهم في بناء “سلام شرق أوسطي”، بينما تم تجاهل البعد النضالي المشترك في تحرير الأرض (طه حسين، 1938) ، وقد تحوّل هذا المنطق ، مع مرور الوقت ، إلى آلية تسمح بتنافس عربي على استضافة أحداث رياضية أو سياحية ، في حين أن التنافس العسكري أو التحريري بقي محظوراً بفعل الضغوط السياسية ، وفي هذا السياق ، أصبح الترويج لفكرة أن القضية الفلسطينية شأن داخلي يخص الفلسطينيين وحدهم شائعاً لدى بعض النخب السياسية والثقافية والإعلامية ، وقد حذّر إدوارد سعيد في كتابه قضية فلسطين (1979) من هذا المنطق ، معتبراً إياه جزءاً من خطاب يهدف إلى تفريغ القضية من بعدها العربي والإسلامي ، ما يفتح المجال أمام إسرائيل 🇮🇱 لتعزيز مشروعها الديني في القدس والخليل .
وإذا عدنا إلى النصوص التوراتية نفسها ، نلاحظ أن المدة الزمنية التىّ عاشها اليهود✡ في فلسطين لا تتجاوز نحو قرنين (الكتاب المقدس، العهد القديم: سفر الخروج وسفر يشوع) وعليه ، فإن الإدعاء بملكية تاريخية مطلقة يتناقض مع المعطيات الأثرية التىّ تؤكد وجود حضارات أقدم وأطول عمراً ، مثل الأشوريين والبابليين والفلستيين والكنعانيين (جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1960) ، ومن غير المنطقي إستثناء هذه الحضارات لصالح مجموعة واحدة مرّت مروراً عابراً ، والمقارنة مع مصر 🇪🇬توضح ذلك أكثر : ففي كل فترة يُكتشف أثر جديد للفراعنة يعزز استمرارية الحضارة المصرية (سليم حسن، مصر القديمة، 1940) ، بينما في فلسطين ، يفتقد اليهود إلى آثار تاريخية مادية تؤكد عمق وجودهم ، وهو ما جعل إسرائيل تعتمد على “الحق الإلهي” لتبرير الإستيلاء على الأرض ، لكن فكرة “الوعد الإلهي” ليست حكراً عليهم ، بل يشترك فيها المسيحيون والمسلمون أيضاً ، مما يجعلها غير مقبولة في إطار الدولة الحديثة (رشيد الخالدي، الهوية الفلسطينية، 1997) ، بل إن العرب ، بما فيهم الفلسطينيون؟ ، هم الشعب الذي عاش أطول فترة متصلة على هذه الأرض ، وبالتالي، فإن محاولة الإسرائيليين إستخدام الرواية الدينية لتبرير الاستيطان والتهجير تمثل التفافاً على الحقائق التاريخية والجغرافية ، بل إن الممارسات الاستيطانية ، التىّ تُبرَّر أحياناً بأنها “تنفيذ لإرادة ربانية”، تعكس ـ في جوهرها ـ مشروعاً استعماريّاً يهدف إلى إلغاء الوجود الفلسطيني ، لا مجرد صراع ديني أو حضاري .
إن قراءة التاريخ والآثار والنصوص تكشف أن الإدعاء الإسرائيلي بأحقيّة فلسطين قائم على أسس هشة ، إذ يفتقد إلى الدليل الأثري والعمق الحضاري ، أما العرب ، فقد استمر وجودهم على الأرض قروناً طويلة، وهو ما يمنحهم الشرعية التاريخية ، ومن هنا 👈 ، فإن أي محاولة لفصل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي والإسلامي تمثل تمهيداً للتفريط بالأقصى وبالهوية الفلسطينية نفسها ، لأن المسألة ليست مجرد شأن محلي ، بل هي جوهر الوعي التاريخي للأمة كلها …
يمثل المشروع الصهيوني منذ نشأته تحدياً وجودياً للعرب والمسلمين، ليس فقط لأنه أرتبط بإحتلال أرض فلسطين وتشريد شعبها ، بل لأنه يقوم على رؤية توسعية تتجاوز الحدود الجغرافية المعروفة ، ومن أبرز ما كشف عن هذه الرؤية كتاب بنيامين نتنياهو “مكان بين الأمم” الصادر في تسعينيات القرن الماضي ، والذي أوضح فيه طموحه بتحويل إسرائيل إلى “أمة بين الأمم” عبر التفوق العسكري والسياسي ، وهو ما يتناقض مع مبادئ العدالة الدولية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها (نتنياهو، 1993) ، ويهدف هذا المقال إلى تحليل العوامل التىّ سمحت لإسرائيل بالتمدد في المنطقة ، وتبيان العلاقة بين هشاشة الواقع العربي الداخلي وتنامي المشروع الإسرائيلي التوسعي ، مع التركيز على البعد الأكاديمي والسياسي لهذا الصراع ، وبالفعل ، لقد شهدت الدولة الوطنية العربية منذ نشأتها خلال القرن 20 حالة من التراجع البنيوي ، سواء على مستوى المؤسسات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية ، فلم تظهر لدى الأنظمة العربية نوايا صادقة لبناء قوة دولية حقيقية قادرة على مواجهة التحديات ، وهو ما أنعكس في نتائج الحروب العربية–الإسرائيلية ، مثل حروب 1968 و1978 و1982، فضلاً عن المواجهات الأخيرة في غزة (أبو خليل، 2009) ، بل لم يكن التفوق الإسرائيلي ناتجاً بالأساس عن عوامل داخلية كالإبداع أو المثابرة ، بل كان معتمداً بشكل كبير على استغلال حالة الفساد والضعف في البنية العربية الرسمية ، فهذه الهشاشة أتاحت لإسرائيل أن تتبنى إستراتيجية التمدد ، بل وأن تفكر جدياً في مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي أفصح عنه نتنياهو مراراً في كتاباته وتصريحاته السياسية (نتنياهو، 1993؛ زيدان، 2015) ، في كتابه “مكان بين الأمم”، لقد عبّر نتنياهو عن رؤية استراتيجية تقوم على تحويل الكيان الصغير إلى دولة محورية ذات إمتداد عالمي ، وانتقد الغرب لتراجعه عن منح اليهود كامل أرض فلسطين وإتجاهه لتقسيمها مع العرب ، مؤكداً أن تحقيق “السلام” من وجهة نظره لا يتم إلا عبر التفوق العسكري وتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة (نتنياهو، 1993) ، وهذا الطرح يعني أن أي مبادرات عربية مثل “الأرض مقابل السلام” ستظل متناقضة جوهرياً مع المشروع الصهيوني ، الذي يرى أن إستمرار التفوق والقوة هو الطريق الوحيد لتحقيق أمن إسرائيل .
تُعد مصر مثالاً مهماً على التناقض بين الأوضاع🇪🇬 الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، فعلى الرغم من أزماتها الاقتصادية واعتمادها على القروض الدولية ، إلا أن وضعها العسكري ظل مصدر قلق استراتيجي لإسرائيل ، حيث بلغ الإنفاق العسكري المصري عام 2023 نحو 6 مليارات دولار ، وهو مؤشر واضح على إدراك القاهرة لخطورة المشروع الصهيوني ورغبته في التوسع (معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، 2023) ، ويكشف هذا البعد أن إسرائيل تدرك خطورة أي قوة إقليمية قادرة على إعادة التوازن العسكري والسياسي في المنطقة ، ما يجعلها تتبنى إستراتيجيات مستمرة لإضعاف محيطها العربي .
ثم يتضح من هذا التحليل أن مشروع “إسرائيل الكبرى” ليس مجرد شعار سياسي عابر ، بل رؤية إستراتيجية عبّر عنها قادة صهاينة منذ عقود ، وفي مقدمهم نتنياهو في كتابه “مكان بين الأمم” ، كما أن هذا المشروع ما كان ليستمر لولا هشاشة الواقع العربي الداخلي وتراجع دور الدولة الوطنية في مواجهة التحديات ، وبالتالي ، فإن استعادة التوازن مع المشروع الصهيوني يتطلب إعادة بناء الدولة العربية على أسس قوية ، تعزز أستقلالها السياسي والاقتصادي ، وتؤهلها للقيام بدور فاعل في موازنة القوى الإقليمية والدولية …
يقتضي الوضع الراهن ، وتحديداً في هذه المرحلة التاريخية ، الاستعانة بدلالات المعلوم الإحصائي والبيانات التاريخية لفهم التحولات السياسية والثقافية ، فمن غير الممكن تجاهل الماضي ، لأنه يمثل المدخل الأساس إلى البدايات ، ويتيح تجنّب الإسقاطات التعسفية على النهايات ، ومن هنا 👈 ، يتضح أن الحقيقة ليست ، كما يُروَّج أحياناً لها بلا تاريخ أو جذور (بدوي، 1983) ، وفي هذا السياق ، لم يبدأ التداخل النخبوي العربي مع المشروع الصهيوني مع إعلان الدولة العبرية عام 1948 ، بل له جذور أقدم ، وتُعتبرّ حالة الدكتور طه حسين مثالاً بارزاً ، إذ إرتبط أسمه في بعض الدراسات بعلاقات فكرية وشخصية مع شخصيات صهيونية سهّلت له زيارتين إلى فلسطين في أربعينيات القرن الماضي (عمارة، 1999).
وقد أثارت بعض أطروحاته جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية ، فمثلاً ، أشار في بعض كتاباته إلى ما أعتبره “إسهامات لليهود” في الأدب العربي القديم ، بل وربط هذه الإسهامات بتحضّر الجزيرة العربية ، غير أن عدداً من الباحثين أعتبروا هذه الرؤية متأثرة بخطاب استشراقي يضخّم دور الأقليات اليهودية في تاريخ المنطقة (الدوري، 1986) ، كما ذهب طه حسين إلى طرح آراء مثيرة للجدل حول حضارة مصر القديمة ، حيث نُقل عنه إرجاع بعض جوانبها إلى أصول يهودية ، بل واعتبار مصطلح “القرآن” ذا جذر عبري ، وهو ما اعتُبر خروجاً عن الإجماع العلمي واللغوي (كشك، 1972).
وفي جانب آخر ، حاول طه حسين إعادة قراءة شخصية عبد الله بن سبأ، التىّ عُرفت في التراث الإسلامي بأنها مرتبطة بالفتنة في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه ، وقد ذهب في بعض كتاباته إلى التشكيك في الدور السلبي لهذه الشخصية ، وهو ما فسّره بعض الباحثين كمحاولة لتأسيس قراءة نقدية للتاريخ الإسلامي على غرار ما فعله الإصلاح الديني الأوروبي في تبرئة الإسخريوطي من دم 🩸المسيح ضمن المذهب البروتستانتي (أبو خليل، 1990).
بل من الجدير بالذكر أن عدداً من المؤسسات الأكاديمية العبرية أهتمت بإرث طه حسين الفكري ، إلى حد تخصيص جوائز باسمه ، ما يشير إلى وجود تقاطع بين أطروحاته وبعض الرؤى الغربية البروتستانتية التىّ كان لها تأثير كبير على المشهد السياسي والثقافي في العالم الحديث (Said, 1978) … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب ودايان 🫤 …
-
البيت الأبيض – إدارة الرئيس ترامب
-
يُعَدّ جدَارا التكنولوجيا والتقدّم العلمي الركيزة التىّ تمنح
...
-
الربيع العربي في سوريا يا صديقي شرفاً على صدر كل حرَّ …
-
إدارة البيت الأبيض 🏡 في عهد الرئيس ترمب 🇺
...
-
الجدُّ جدعون الذي أباد أهلَ مِديَن (سفر القضاة - والحفيدُ نت
...
-
الفلسطينيون 🇵🇸 في لبنان 🇱🇧 ب
...
-
عملية المقاومة في خان يونس 🇵🇸 …
-
شو صار بالأمة حتى صار أبو يائير الملهم رمزاً ، وصاروا يحكوا
...
-
المقاومة في حي الزيتون : قراءة أكاديمية في توظيف البساطة لمو
...
-
الشيخ القسّام👳♂حيٌّ في وجدان الإسرائيليين ، ي
...
-
الشريف من قبره 🪦 يقول لنتنياهو ولزاميز : طز فيكم – آ
...
-
إنتعاش الأقليات منذ ظهور الكيان الإسرائيلي – تهديد وجودي للب
...
-
ثوابت ابن تيمية عقيدةٌ لا تهتز وخوار حزب البعث - قراءة في ال
...
-
التضليل كوظيفة من وظائف الدول الديمقراطية🗽🗳
...
-
البشرية بين “نبوءة” ماركس📕و”رسالة” لوثر 📑 :
...
-
أفول الشمس🌞عن البيت الأبيض🇺🇸وعبثية ح
...
-
رحم الله من علّم عقولنا 🧠 كيف نفكر بمنطق جديد – المع
...
-
تعزية بصديق عزيز على الامة وصديق الطفولة …
-
الملكة رانيا 👑 والوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ
...
المزيد.....
-
-ضربته بالحذاء-.. كتاب يكشف كيف تصدت الملكة كاميلا لمتحرش
-
ما رد روسيا بشأن -مزاعم- التشويش على طائرة رئيسة المفوضية ال
...
-
بلجيكا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. وتفرض عقوبات على
...
-
جحيم الملل.. كيف دفع البشر نحو الحرب أحيانا ولازمهم فيها طوي
...
-
ترامب: تضاؤل قوة إسرائيل في الكونغرس -أمر مدهش-.. وحرب غزة ت
...
-
حركة -تحرير السودان-: مصرع أكثر من ألف شخص في انهيار أرضي -د
...
-
عاجل| المقررة الأممية بالأراضي الفلسطينية: إسرائيل قتلت من ا
...
-
الاتحاد الدولي للصحفيين يطالب بدخول المؤسسات الدولية لتوثيق
...
-
توقف مؤقت لأسطول الصمود بسبب الأحوال الجوية
-
إيران تتهم أوروبا بـ-تسليم- ملفها النووي إلى -فيتو ترامب-
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|