مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 07:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ في العصر الصناعي المتقدم ، باتت الأسواق ساحة صراع للأفكار والقناعات ، حيث تبرز الصناعات الحديثة كنقطة ارتكاز تتجاوز أثرها الاقتصادي إلى ما هو أعمق في البنية الاستراتيجية العالمية ، وعلى الرغم من أن هذه المنافسات تثير النزاعات والشحن الإعلامي ، فإن الإيجابيات الناتجة ، مثل الإبتكار والتوسع الصناعي ، غالباً ما تفوق سلبياتها ، ولم تعد المنافسة بين الولايات المتحدة 🇺🇸 والصين 🇨🇳 مجرد صراع تجاري تقليدي ، بل تحولت إلى تنازع إستراتيجي يُشبَّه في التداول الشعبي بـ”كسر العظم” ، فقد نجحت الصين في إزالة لاعبين كبار مثل سيمنز من أسواق إنتاج الطاقة المتجددة ، ونشطت في توسيع حصتها في قطاعات عدة كالسيارات والطيران والشحن ، مستفيدة من قوتها التصنيعية وانخفاض التكلفة النسبية لمخرجاتها ، وفي قطاع السيارات الكهربائية تحديداً ، ظهرت علامات واضحة على تقدم الصُناعات الصينية من حيث الجودة والتكلفة ، فالسيارة الكهربائية Seagull من شركة BYD تُعد مثالاً صارخاً : حيث تُباع بسعر يبدأ من حوالي 12,000 دولار ضمن السوق الصيني ، مع أداء وجودة تنافس السيارات الأمريكية الأعلى سعراً ، كما أن شركات مثل BYD وغيرها أظهرت قدرة تصنيعية وابتكارية فائقة ، إذ تتميز بتكامل رأسي (Vertical Integration) يُقلل التكاليف ويعزز الكفاءة اللوجستية .
على مستوى الإبتكار ، تفوقت الشركات الصينية في الصحة التصنيعية والبحثية — إذ تساهم المؤسسات الصينية بنسبة تقارب 65% من الأوراق البحثية الأعلى تأثيراً في مجال البطاريات الكهربائية ، مقارنةً بـ11.9% للمؤسسات الأمريكية ، فيما تُعد الشركات الصينية أسرع بنسبة 30% في إطلاق نماذج سيارات جديدة مقارنة بالصناع الأمريكيين والأوروبيين واليابانيين ، ولم تقتصر القوة الصينية على السيارات فحسب ؛ ففي مجال الطاقة المتجددة ، سجلت الصين طفرة هائلة ، فقد أضافت البلاد 212 جيجاواط من الطاقة الشمسية خلال النصف الأول من عام 2025 — وهو أعلى مما حققته الولايات المتحدة في العام بأكمله — مسجلة بذلك انخفاضاً بنسبة 1 % في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالفترة نفسها من 2024 ، وبحسب تقرير حديث لـGlobal Energy Monitor، تشيّد الصين حالياً 74 % من مشاريع الطاقة الشمسية والريحية في العالم ، مما يؤكّد ريادتها المطلقة في التحول الطاقوي العالمي ، حيث تغيرت طبيعة المنافسة : فبات الصراع الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة يشمل الجودة والسعر والقدرة الابتكارية .
إذنً ، التفوق الصيني واضح : في كل من الطاقة المتجددة (شمس ورياح)، والصناعة الكهربائية (EV) ، وهنا 👈 تظهر الصين كقوة تقنية صناعية عالمية ، فالتحدي الأمريكي يتطلب من الشركات الأمريكية ، أي مطالبة بإعادة تقييم استراتيجياتها السعرية والابتكارية لتفادي خسارة الأسواق العالمية ، كما أن السوق الصيني : باعتباره أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية ، يمثل النقطة الأولى التىّ قد يشهد فيها تراجع السلع الأمريكية والأوروبية ، حيث انخفاض انبعاثات الصين 1 % في أول نصف 2025 بفضل السعة الشمسية الضخمة (212 GW) - فالصين فعلياً تنفذ 74 % من مشاريع الطاقة الشمسية والريحية العالمية (510 GW من أصل 689 GW قيد التنفيذ) - ثم أن سيارة Seagull من BYD : تتمتع بجودة عالية وسعر منخفض (~12,000 -$-)، وهذا يهدد السوق الأمريكي ، فسيارات صينية بأسعار تنافسية وجودة متطورة تهدد صناعة السيارات الغربية - فالتفوّق الصيني في الابتكار: هو النماذج الجديدة الذي يُطرح أسرع بـ30 % ، وأبحاث البطاريات تتصدر عالمياً …
تُطرح الإبادة الجارية في غزة اليوم باعتبارها امتداداً لمسار تاريخي مشوَّه يتسم بهيمنة قوى أحادية على النظام الدولي ، فمنذ نهاية الحرب الباردة ، رسخت الولايات المتحدة 🇺🇸 وحلفاؤها نموذجاً يقوم على التفرد بالقرار الدولي ، ما أنعكس في عجز المؤسسات الأممية 🇺🇳 عن أداء وظائفها الجوهرية في حماية السلم والأمن الدوليين ، إذ اكتفت هذه المؤسسات بدور المراقب أو المبرر ، بعيداً عن ممارسة أي مساءلة حقيقية ، وفي هذا السياق ، يظهر التناقض الغربي بوضوح ، ففي حين حظيت الحرب في أوكرانيا 🇺🇦 بإهتمام استثنائيّ من قِبل الولايات المتحدة 🇺🇸 والإتحاد الأوروبي 🇪🇺، تُواجَه المأساة الفلسطينية في غزة بتجاهل شبه كامل ، فاستمرار القصف الإسرائيلي الذي أودى بحياة ما يقارب 20 ألف طفل يُقابل بإنكار دولي ، يعكس إزدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان ، هذه الإزدواجية تسببت في أزمة أخلاقية وسياسية للغرب ، إذ يتناقض خطابه المعلن حول “الدفاع عن القيم الإنسانية” مع ممارساته الفعلية في فلسطين 🇵🇸.
أما العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التىّ تحمل اسم “عربات جدعون”، فهي تكشف عن بعد ديني – أيديولوجي عميق 🧐، فالتسمية ليست جديدة ؛ إذ تعود جذورها إلى حرب عام 1948 عندما أطلقت عصابات “الهاغاناه” الأسم ذاته في إطار عملياتها ضد الفلسطينيين وإحتلال أرضهم ، وهو أسم مأخوذ من شخصية توراتية أرتبطت بحروب الإبادة ضد “أهل مدين”، ومن ثمّ ، فإن إستدعاء هذا الرمز الديني في السياق المعاصر يعكس محاولة لإضفاء شرعية توراتية على العدوان ، وتحويله من صراع سياسي – جغرافي إلى صراع وجودي – ديني ، بناءً على ذلك ، يمكن التمييز بين مستويين متداخلين في الدينامية الإسرائيلية الراهنة : المستوى الداخلي - يعمل اليمين المتطرف على إعادة صياغة العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي ضمن إطار توراتي ، ويهدف ذلك إلى تعبئة المجتمع دينياً لتعزيز الولاء للدولة وتبرير التضحيات البشرية ، وهو ما يشبه الأساليب التىّ استُخدمت سابقاً لحثّ يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين 🇵🇸، وفي المستوى الخارجي : يوظف الخطاب الديني في مخاطبة الحركات الإنجيلية المسيحية في الولايات المتحدة 🇺🇸 والعالم ، بما يضمن دعماً سياسياً ومالياً وعسكرياً واسع النطاق ، وفي هذا السياق ، تتحول إسرائيل 🇮🇱 إلى مركز لتحقيق “النبوءة التوراتية”، الأمر الذي يمنح حربها على غزة أبعاداً أبعد من المصالح الاستراتيجية المباشرة .
وعليه ، فإن الإنتقال من مسميات عمليات عسكرية ذات طابع تقني أو أمني ، مثل “السيوف الحديدية” أو “عرين الأسد”، إلى مسمى “عربات جدعون”، يُعبّر عن مرحلة جديدة يُراد لها أن تمثل “الإبادة الكاملة” للشعب الفلسطيني ، في إطار بناء هوية إسرائيلية قائمة على التفسير الديني للتاريخ بدلاً من الهوية العلمانية التىّ رُوِّج لها في بدايات المشروع الصهيوني ووافق المجتمع الدولي على منحهم جزء من أرض فلسطين كوطن جديد …
منذ نشأة المشروع الصهيوني أواخر القرن19 ، ظلّ البُعد الديني والرمزي للتوراة حاضراً في صياغة السياسات الإسرائيلية ، يتجلى هذا بوضوح في سياسة نتنياهو ، الذي يُعَدّ الإمتداد السياسي والفكري لهرتزل وأبن غوردون (Herzl, 1896 Avineri, 2013) ، حيث يسعى نتنياهو إلى الموازنة بين استدعاء الرمزية التوراتية التاريخية وبين التكيف مع الحداثة الغربية ، ليُقدّم نفسه وريثًا لـ”إسرائيل الكبرى” وفي الوقت ذاته زعيماً براغماتياً في علاقاته الدولية ، تهدف هذه الورقة إلى تحليل ملامح هذه السياسة ، من خلال تتبع جذورها الفكرية ، وارتباطها بالقرارات الأممية والنزاعات مع العرب ، وصولاً إلى موقف إسرائيل من الأونروا والمشهد الفلسطيني الراهن ، لقد أعتمد نتنياهو في خطابه السياسي على مزجٍ بين القومية اليهودية–الصهيونية المتطرفة والعلمانية الصهيونية ، وهو بذلك يعيد إنتاج مشروع هرتزل الذي دعا إلى إقامة دولة يهودية حديثة (Herzl, 1896)، ويستحضر في الوقت ذاته أفكار غوردون الذي شدّد على مركزية الهوية القومية (Avineri, 2013) ، هذا المزيج جعل نتنياهو يُقدَّم بوصفه وريثاً لإرث توراتي–غربي متكامل ، في المقابل ايضاً ، لم تُبدِ إسرائيل منذ تأسيسها قبولاً بالقرارات الأممية المتعلقة بفلسطين ، وعلى رأسها قرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947 (United Nations, 1947) ، فجميع الحروب التىّ خاضتها ضد الدول العربية — بما فيها حرب 1948 وحرب 1967 — إنتهت بفرض الأمر الواقع عبر هدنات دون حلول نهائية (Morris, 2008) ، ويؤكد ذلك ما ذهب إليه والتر لاكوير (Laqueur, 2003) من أن المشروع الصهيوني تأسس على رؤية توسعية تتجاوز حدود التقسيم الأممي ، بل في أكتوبر 2024 أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانوناً يمنع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من العمل داخل إسرائيل بما في ذلك القدس الشرقية 🕌 ، ومع دخول القانون حيّز التنفيذ في 30 يناير ، أثار هذا القرار ردود فعل دولية واسعة ، حيث حذّر مفوض الأونروا ، فيليب لازاريني ، من أنه سيقوّض الجهود الإنسانية والسياسية في غزة (Al Jazeera, 2025 AP News, 2025) ، يعبّر هذا الموقف عن حجم الدعم الشعبي والرسمي داخل إسرائيل لسياسات تقوم على تقويض حقوق الفلسطينيين ، بل ويمتد أحياناً إلى خيارات التهجير والتطهير العرقي (Pappé, 2006).
في المقابل ، لا يحظى الفلسطينيون بدعم شعبي عربي مماثل ، إذ يكتفي الخطاب العربي الرسمي والشعبي غالباً بالمطالبة الرمزية باسترداد القدس والأقصى ، دون استعداد لتحمل التكلفة السياسية أو الاقتصادية أو البشرية لذلك (League of Arab States, Reports) ، وهذا التباين يُظهر هشاشة الموقف الفلسطيني أمام آلة الدعم الداخلي التىّ تحظى بها السياسات الإسرائيلية ، ويُظهر تحليل سياسة نتنياهو أنها ليست مجرد إجتهاد شخصي ، بل إمتداد طبيعي للإرث الصهيوني الذي يجمع بين التوراتية والحداثة ، فإسرائيل ، منذ نشأتها ، رفضت القرارات الأممية ، وخاضت حروبها بهدف فرض الأمر الواقع ، فقرار الكنيست الأخير بحظر الأونروا يُعدّ تتويجاً لهذه السياسة التوسعية ، وهو لا يعكس فقط توجّه الحكومة بل الدعم الشعبي والاجتماعي الواسع داخل إسرائيل .
أما الموقف العربي وتحديداً الشعبي ، فلا يزال يتسم بالضعف والرمزية ، مما يُعطي لإسرائيل اليد الطولى في رسم مستقبل المنطقة وفق تصوراتها الخاصة ، وبناءً على ذلك ، يمكن القول إن مشروع نتنياهو السياسي ما هو إلا إعادة صياغة حديثة لفكرة “إسرائيل الكبرى”، بمزج بين الشرعية التوراتية والديناميكيات الواقعية للسياسة الدولية … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟