نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 08:28
المحور:
الادب والفن
منذ رحيل زوجته، لم يعرف أبو سمير طعم النهار. اعتاد أن يجلس قرب النافذة المغلقة، يتابع من خلالها ما يجري في الشارع دون أن يشارك فيه. تمرّ أمامه وجوه مألوفة: الجيران، الباعة، الأطفال، لكنه ظل يشعر أنه غريب بينهم، كأن حياته توقفت عند تلك اللحظة التي غابت فيها شريكة عمره.
في ذلك اليوم، وبينما كان الحر يثقل الهواء، جلس في مكانه المعتاد يراقب الحركة في الخارج. كان الشارع مزدحمًا كعادته: صياح بائع الخضار، ضحكات صبية يركضون خلف كرة قديمة، نساء يحملن أكياس المشتريات. بدا كل شيء عاديًا حتى لمح فجأة هيئة امرأة تشبهها.
تجمّد في مكانه. قلبه أخذ يخفق بقوة. دفع النافذة بارتباك، فتحها لأول مرة منذ شهور، وأطلّ برأسه إلى الخارج. ارتجفت شفتاه وهو يصيح بكل ما تبقّى في صدره:
– "حجية…! أم سمير!"
التفت بعض المارة بدهشة، لكن المرأة مضت بين الزحام حتى اختفت. تراجع خطوة إلى الوراء، شعر بدوار كأن الأرض تميد تحته. تشبّث بحافة النافذة لئلا يسقط، وعيناه ما زالتا تبحثان في الفراغ. ثم قال لنفسه بصوت مبحوح:
– "لا يهمّ أني رأيتها… حتى لو كان وهمًا."
سكت لحظة، ثم همس كمن يبرّر لنفسه:
– "الوهم أرحم من هذا الصمت… على الأقل يعيدها لي ولو لحظة."
عاد وجلس ببطء على كرسيه، ويده ما زالت ترتجف. أغلق النافذة قليلًا، لكنه تركها نصف مفتوحة هذه المرة. عندها تسللت نسمة هواء خفيفة إلى الغرفة، حرّكت ستارة قديمة، وجاء معها خيط من الضوء سقط على صورتهما المعلّقة على الجدار. ابتسم ابتسامة مترددة، وأغمض عينيه للحظة.
لقد فهم أن الغياب لا يعني نهاية كل شيء، فحتى من قلب الوحدة يمكن أن يدخل الضوء… شرط أن يجرؤ المرء على فتح نافذته.
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟