أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - الدخان الأسود














المزيد.....

الدخان الأسود


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 03:22
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

لم أعد أذكر متى بدأتُ أنظر إلى الأفق البعيد،لكني أذكر أني لم أره يومًا كما ينبغي.كان هناك،لكنّه لم يكن موجودًا.أُلقي باللوم على عينيّ،أعاتبهما أحيانًا،وأحيانًا أظن أنهما تعرفان شيئًا لا أعرفه،وكأنهما تتعمدان حمايتي من رؤية شيء لا يُحتمل.ربما كنت أنا من لا يريد أن يكون هناك،في الجهة الأخرى من الامتداد،حيث يقال إن الأمنيات تنتظرمن يتجرأ على النظر طويلًا.الظنون لا تتركني،تتسلل إلى رأسي كما يتسلل الغبار إلى بيتٍ مهجور.وحين يشتد طنينها،أعاتبها همسًا،فتردّ عليّ بخشوعٍ غريب،كأنها تعرفني أكثر من نفسي:ــ “أنا عيناك…وأنت، مطواعٌ لما لا يُرى.لكن، لا ذنب لك…هناك دخان أسود يسدّ الطريق،يحجب ما تشتهي،ويشوّه ملامح ما تتمنى.”لم يكن الدخان عادياً.لم يكن من نار لم ينبعث من حريق،ولا من مصنعٍ أو محرقة. كان دخانًا من نوع آخر دخان اللامرئي.دخانُ ذاكرةٍ جماعية لا تخصّ أحدًا.مزيجٌ من الأسئلة التي لم تُطرح،والإجابات التي لم تقبل أن تُقال.أراه في المنام أحيانًا.يتسلل من بين صفحات الكتب التي لم أقرأها بعد،ويخرج من مرآة الحمام فجأة،يلتفّ حولي حين أكووحيدًا،
ولا يختفي…بل يسكن في تفاصيل الأشياء.في قريتي القديمة،كانوا يقولون إن الدخان الأسودهو ظلّ مَن ضيّع طريقه ولم يعُد.ظلّ الغائب،حين يكتشف أنه لن يُذكر،فيتجسّد دخانًا يتيه في الدروبويُضلّ السائرين.

وأنا،أمشي،كل يوم،إلى ذاك الأفق الذي لا يُرى،أحمل حقيبة فارغة،وأملًا مثقوبًا،وأسير وسط الدخان…وأعلم في سري،أنني لست وحدي الدخان الأسود

في صباحٍ بدا مألوفًا حتى الرتابة،استيقظتُ لأجد الأفق أقرب مما كان عليه بالأمس.لم أكن قد اقتربتُ منه،بل هو الذي اقترب مني.كأن الزمن قرر أن يلغي المسافة.لكن الدخان كان هناك…أكثر كثافة،أكثر سوادًا،كأنه تعلّم كيف يصير جدارًا.غير أن شيئًا ما تغيّر.في منتصف العتمة،كنت أراه…وجهًا.نعم، وجهٌ يتشكّل في مجرى الدخان،
بملامح لا تثبت،كأن الزمن يعيد رسمه في كل رمشة.عيناه لا تنظران إليّ،لكنني كنتُ أراهما.كأنني أتذكّره.ثم جاء الصوت.لم يخرج من فمه،بل من خلفي،من داخل عظامي:ــ “إما أن تعبر، أو تبقى هناك إلى الأبد.”لم أسأل: “أين؟”ولا: “إلى أين؟”لأنني أدركتُ فجأة أنني أقف بين شيئينلا يمكن تسميتهما.لم يكن الطريق طريقًا،ولا الدخان دخانًا،ولا الجهة الأخرى جهة.إنه اختبار… أو لعنة.تقدّمتُ.خطوة واحدة.تغيّر كل شيء.الأرض تحت قدمي اختفت.لم أسقط، لكنني لم أعد واقفًا.الزمن انكمش في لحظة،أصبحتَ فيها كلّ ما كنت أخشاه:
الولد الذي لم يُولد،الشيخ الذي لم يمتالغائب الذي لم يرحل،والقادم الذي لن يصل.ثم ظهرت هي.من وسط الدخان،تمشي بثوب أبيض،وجهها لا يشبه أحدًا،لكنه مألوف كما الحلم الذي ننساه كل ليلة ونراه من جديد.
اقتربت.لم تتكلّم،لكن يديها رفعتا شيئًا صغيرًا.مرآة.“انظر.”لم أرَ وجهي.بل رأيتُ الأفق،بلا دخانك

حين نظرتُ في المرآة،لم أرَ وجهي.رأيت الأفق…نقيًّا، خاليًا من الدخان،كما لو أنني عبرتُ أخيرًا…لكنني ما زلتُ واقفًا.التفتُّ إلى المرأة،كانت لا تزال صامتة.صمتها له جاذبية الخطر،كأنها تعرفني من الداخلأكثر مما أعرفُ نفسي.قالت أخيرًا، دون أن تحرّك شفتيها:
ــ “الدخان لم يكن أمامك…كان فيك.”ارتجّ كل شيء.كأن جدرانًا داخل رأسي تهشّمت.الدخان…لم يكن سدًّا يفصلني عن الطريق،
بل صورةً متكثفةً من كل ما راكمتُه:خوف،تردّد،ذنب مؤجّل،أسئلة لم أجرؤ أن أسألها بصوتٍ عالٍ.الدخان هو كلّ مرةٍكذبتُ فيها على قلبي،
وكلُّ يومٍ أجّلتُ فيه نفسيإلى “غدٍ” لم يأتِ أبدًا.هو وجوه الآخرين حين نظرتُ إليهم بعين الغريب،ووجهي حين لم أُحبّه،وصوتي حين صمتُّ عن حقيقتي.
قالت:ــ “أنت هو الدخان…لكنّك أيضًا من يصنع النقاء.”أردتُ أن أبكي،لكن دموعي تأخرت.ربما هي الأخرى تحتاج وقتًالتنظّف الطريق.

ثم أضافت:ــ “كلّ من يخاف عبور الدخان،يبقى هناك…في خارج نفسه.”

في تلك اللحظة،لم يتبدّد الدخان،لكنني مررتُ خلاله.لم أعد أراه جدارًا،بل غلالة خفيفةكُشفَ لي وجهها الحقيقي.وللمرّة الأولى،كنتُ في الطريق،وكان الطريقفي داخلي

عبرتُ الدخان…لم أعد أذكر كيف.هل مشت قدماي؟هل حملني الضوء؟هل تفتتّ وانبعثتُ من جديد في هيئةٍ أخرى؟كل ذلك ممكن. كل ذلك حدث.حين خرجتُ لم يكن العالم كما تركته.ولا كنتُ أنا كما عرفتني.السماء لم تكن أكثر زرقة،ولا الأرض أكثر خصوبة،لكنني كنتُ أناأقدر على الرؤية.كنتُ ممتلئًا بشيء لا يمكن تسميته.
طمأنينة؟ لا.انبعاث؟ ربّما.صدقٌ مطلَق؟ أقرب إلى الوصف.لم أعد أبحث عن الأفق،لأنني صرتُ الأفق.لم أعد أنتظر القافلة،لأني لم أعد مسافرًا…ولا منتظرًا.كل الطرق المؤجّلة كل الكلمات المكتومة،كل الأحلام المؤجلة،ذابت داخل هذا العبور.لم أعد بحاجة إلى المرآة،ولا للمرأة ذات الثوب الأبيض.لم أعد أحتاج تفسيرًا.لقد حدث.أنا الدخانحين كان ظلالًا،وأنا الضوء حين انقشع.وحين عدتُ إلى القرية القديمة،لم يعرفني أحد.ولا أنا أردتُ أن أُعرّف نفسي.لكنّ الأطفال الذين كانوا يلعبون قرب البئر،توقفوا لحظة،نظروا إليّ،ثم قال أحدهم للآخر:
ــ “هل رأيت؟ مرّ من هنا…من جاء من الأفق.”
التحوّل لم يكن في العالم،بل في الإدراك.حين تعبر نفسك،وتواجه دخانك،تخرج من الغربة…ولا تعود



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لون الماء
- تراتيلُ الحُزْنِ
- وجه اخرمن غبار
- **مدن الضياع: سفر الأساطير المنسية في زمن الوجع**
- **-عزاء أولاد آدم-**
- هلوسة الفجر**
- كتاب اللاوجود
- صرّة السوداء
- مذكرات من زمن الحلم
- أرجوحةُ الغياب
- احاسيس مراهق
- صندوق امي السيسبي
- ارهاصات مراهقٍ ثمل
- من “سيرة حب في الأسواق”)
- **سُوقُ العَشَّارِ: مُنَاجَاةٌ فِي عَصْرِ البقاء**
- **اغتيال القمح**
- بين نُورَين
- سَرَاجُ الجَفَافِ
- هزيمةرجل نقي
- باب الشيطان المغلق


المزيد.....




- هرر.. مجَلِّد الكتب الإثيوبي الذي يربط أهل مدينة المخطوطات ب ...
- نفي اتهامات بالتستر عليه.. مسؤول إسرائيلي متهم بالتحرش بفتاة ...
- قصر الكيلاني يتحول إلى مركز عالمي للخط العربي والفنون الإسلا ...
- مطالب بوقف عرض -سفاح التجمع-.. والمخرج: لا نوثق الجرائم الحق ...
- الاكتئاب.. مرض خطير جعلته بعض الأفلام حلما للمراهقات
- اُستبعدت مرشحة لبطولته بسبب غزة.. كريستوفر لاندون يتحدث عن ر ...
- معلمو اليمن بين قسوة الفقر ووجع الإهمال المزمن
- باب الفرج في دمشق.. نافذة المدينة على الرجاء ومعلم ناطق بهند ...
- ربما ما تتوقعونه ليس من بينها.. كوينتن تارانتينو يكشف عن -أف ...
- كلية الفنون الجميلة في دمشق تمنع الموديل العاري.. فهل سيؤثر ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - الدخان الأسود