أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - ثمن اغتصاب السلطة وثمن الخضوع لها: قراءة تاريخية في إرث الدولة الأموية بين الدم والبطش والانقسام















المزيد.....

ثمن اغتصاب السلطة وثمن الخضوع لها: قراءة تاريخية في إرث الدولة الأموية بين الدم والبطش والانقسام


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 10:23
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة:
لم تكن الدولة الأموية مجرّد مرحلة انتقالية في التاريخ الإسلامي، بل كانت نقطة انعطاف مفصلية قلبت ميزان القيم السياسية والروحية التي بُني عليها الإسلام في عهد النبوة والخلافة الراشدة... ؛ فمنذ أن تم اغتصاب السلطة عام 41هـ (661 م)، والمعروف بـ"عام الجماعة"، عقب اتفاق "الصلح" بين الامام الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، دخلت الأمة الإسلامية في نفقٍ مظلم من سفك الدماء والفتن الداخلية والانقسامات المذهبية والسياسية التي لم تتعافَ منها حتى اليوم... ؛ وقد دفع المسلمون، شيعةً وسنة، عرباً وعجماً، أثماناً باهظة من دمائهم وحقوقهم وكرامتهم جرّاء ذلك التحول الجوهري في طبيعة الحكم، من "خلافة شوروية" إلى "ملك عضوض وراثي"... ؛ اذ لم يكن هذا التحول مجرد تغيير في النموذج السياسي، بل كان بداية لحقبة طويلة دفع خلالها المجتمع الإسلامي ثمناً باهظاً من دماء أبنائه وثرواته ووحدته واستقراره كما اسلفنا... ؛ ولقد كشف الصراع على السلطة وثمن الخضوع لها عن تناقضات عميقة في بنية الدولة الناشئة، وأسس لنمط من الحكم اتسم بالعنف والقمع في مواجهة أي معارضة، مما خلف تركة ثقيلة من المآسي والانقسامات.
أولاً: الانقلاب الأموي وبداية النزيف
بدأ الانقلاب الحقيقي في معركة صفين سنة 37هـ، عندما تمرد والي الشام معاوية بن أبي سفيان على الخليفة الشرعي الامام علي بن أبي طالب ... ؛ و افضى هذا التمرد الاموي ضد السلطة الشرعية الى مواجهة دامية يُقدر المؤرخون، مثل الطبري في "تاريخ الرسل والملوك"، أنها أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الطرفين- (تشير بعض التقديرات إلى حوالي 70 ألفًا) -، دون أن تحسم النتيجة عسكرياً ... ؛ وان كانت الكفة تميل الى صالح جيش الامام علي ؛ لولا قصة ومؤامرة التحكيم ؛ الذي استخدم كغطاء لشرعنة الانقلاب السياسي ... ؛ وقد أدت فتنة التحكيم التي تلت المعركة إلى انقسام حاد في صفوف جيش الامام علي، مهدت الطريق لاندلاع معركة النهروان ... ؛ ودخلت الأمة بعدها في دوامة من الفتن ... .
وقد عمد معاوية بعد ذلك إلى إرسال الغارات المسلحة على المدن العراقية والحجازية واليمنية، في سابقة خطيرة تمثلت باستخدام العنف ضد "أمصار المسلمين"، لا ضد الكفار أو الخارجين على الدولة، مما رسّخ منطق الاستبداد الدموي المبكر...
ومن أبشع تلك الغارات : غارة بسر بن أرطاة، التي ذهب ضحيتها ما يقارب 30 ألف مسلم في المدينة ومكة واليمن، بينهم أطفال ونساء، في حملة تطهير سياسي هدفها قمع أي ولاء لآل علي أو لبقية رموز المعارضة.
ثانياً: الاغتيالات السياسية وتصفية المعارضين
من أجل تثبيت الحكم الوراثي، لجأ معاوية إلى سلسلة من الاغتيالات السياسية طالت أبرز المعارضين لطموحه الملكي... ؛ فقد قام بدسّ السم إلى الإمام الحسن بن علي عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث، بعد أن أغراه بالمال والزواج من يزيد، حسبما تذكر روايات معتبرة عند الشيعة وبعض مصادر أهل السنة... ؛ كما اغتال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، أحد أبرز قادة الشام، لأنه كان يحظى بشعبية كبيرة قد تهدد توريث الحكم ليزيد... ؛ ويُقال إنه دسّ له السم عبر طبيبه النصراني ابن أثال... ؛ واغتال أيضاً سعيد بن عثمان بن عفان، أحد أحفاد الخليفة الثالث، وكان يطمح إلى الخلافة بحكم النسب والوجاهة... ؛ كذلك يتّهمه بعض المؤرخين بقتل السيدة عائشة وأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، لمعارضتهما البيعة ليزيد... الخ .
ثالثاً: ثلاث سنوات دموية في عهد يزيد بن معاوية
ارتكب يزيد بن معاوية، خلال ثلاث سنوات فقط من حكمه، ثلاث مجازر هزّت الوجدان الإسلامي :
*** مجزرة كربلاء (61هـ): التي راح ضحيتها الإمام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه، في فاجعة كربلاء الشهيرة، التي شكلت جرحاً مفتوحاً في الضمير الإسلامي...؛ فقد هزت ضمير الأمة وأصبحت رمزاً أبدياً للظلم والمقاومة، كما يروي تفاصيلها المؤرخون كالطبري وابن الأثير في "الكامل".
***واقعة الحرة (63هـ): استباح فيها جيش يزيد المدينة المنورة لثلاثة أيام، قُتل خلالها آلاف من الأنصار والمهاجرين، وانتهكت أعراض النساء، حتى قيل إن ألف امرأة حملن سفاحاً...!!
***حصار مكة وهدم الكعبة (64 هـ): لجأ عبد الله بن الزبير، المعارض ليزيد، إلى مكة... ؛ ثم حاصرها جيش أموي بقيادة الحصين بن نمير وقصف الكعبة بالمنجنيق مما أدى إلى احتراقها وتدمير أجزاء منها، في مشهد لم يسبق له مثيل في الإسلام.
رابعاً: النزاع الأموي الداخلي وانفجار الفتن
بعد وفاة يزيد، تنازل ابنه معاوية الثاني عن الحكم , ولم تنته المآسي بوفاة يزيد ؛ فبدأ الصراع الداخلي بين فروع البيت الأموي (المروانيون والسفيانيون)، ما أدى إلى اندلاع الحروب بين القيسية واليمانية... ؛ وبعد مقتل مروان بن الحكم على يد زوجته، تولى عبد الملك بن مروان السلطة، وأطلق حملة توطيد دموية سحق فيها معارضيه... ؛ وشهدت هذه المرحلة أحداثاً كبرى مثل :
*** ثورة التوابين (65هـ): بقيادة الشيعي سليمان بن صرد.
*** ثورة المختار الثقفي الشيعي (66هـ): الذي حكم الكوفة وانتقم من قتلة الحسين.
*** مجزرة السفاح مصعب بن الزبير ضد أتباع المختار العراقيين .
خامساً: الثورات ضد الأمويين من المحيط إلى الخليج
توالت الثورات والانتفاضات ضد الحكم الأموي في كل أرجاء الدولة، منها:
*ثورة ابن الأشعث (82هـ).
*ثورة يزيد بن المهلب.
*ثورة زيد بن علي (122هـ).
*ثورات الخوارج المتكررة.
*ثورات البربر في المغرب والأندلس.
*ثورات الزنوج والموالي.
كلها أدّت إلى مقتل الآلاف وفضحت هشاشة الحكم الأموي رغم جبروته الظاهري وارهابه الاجرامي ...
سادساً: بطش الأمويين حتى بحلفائهم
لم يسلم حتى كبار أعوان بني أمية من التنكيل، ومن أبرزهم :
*آل الحجاج الثقفي : اذ طُردوا وسُجن بعضهم بعد موت الحجاج رغم ولائهم الشديد.
*آل المهلب: قُتل المئات منهم بعد ثورة يزيد بن المهلب.
*موسى بن نصير وطارق بن زياد: عُزلوا وأُهينوا، رغم فتحهم الأندلس وشمال إفريقيا.
اما الخلفاء المقتولون داخل الأسرة فهم :
*مروان بن الحكم (مقتولاً على يد زوجته).
*عمر بن عبد العزيز (مسموماً).
*الوليد بن يزيد (مقطوع الرأس ومصلوباً).
*عمرو بن سعيد الأشدق (مقتولاً غدراً).
الخاتمة : من الدم إلى الانهيار
لم يكن سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين عام 132هـ مجرّد انقلاب عسكري، بل كان نتيجة طبيعية لعقود من القمع والدموية والتصفية والانقسام والتشرذم والظلم والجور والانحراف... ؛ لقد دفعت الأمة الإسلامية، وما تزال، ثمناً باهظاً لصعود أول تجربة "ملكية سلطانية غاشمة " في التاريخ الإسلامي، وهي تجربة شكّلت انقطاعاً حاداً عن قيم الإسلام الأولى.
ولعل دروس التاريخ الأموية، من اغتصاب السلطة إلى الخضوع لها، تؤكد أن استقرار الحكم لا يمكن أن يتحقق بالقوة وحدها، بل بالمشروعية والعدل ورضا الناس.
..................................................
المصادر والمراجع:
المصدر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، وأبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين.
المصدر: ابن كثير، البداية والنهاية، وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج3.
المصدر: البلاذري، أنساب الأشراف، والذهبي، سير أعلام النبلاء
المصدر: المسعودي، مروج الذهب، والكامل في التاريخ لابن الأثير.
المصدر: خليفة بن خياط، تاريخ الخلفاء، ومحمد عمارة، الإسلام والسياسة.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمة العراقية : من متاهة الانتماءات المضللة إلى فضاء المواط ...
- الدوافع السياسية والأمنية وراء إصرار الولايات المتحدة وحلفائ ...
- الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العرا ...
- السلطات الحكومية والشخصيات السياسية العراقية بين الاقنعة وال ...
- الساكن في الغرفة السابعة و الاخيرة
- من يطارد الفقراء؟ دولة بلا بدائل و-شفل- بلا رحمة
- عقدة اللااتفاق العراقي: بين شتات الهوية العراقية وبوصلة الوط ...
- عقدة الدونية في الوعي الجمعي الشيعي العراقي: تحليل نفسي- اجت ...
- الإزاحة بدل الإعانة: قراءة نقدية في سياسة الهدم الحكومية دون ...
- مرآة الله المكسورة : ياسر بين الشهوة المتفجرة والتوبة المتكر ...
- الولاء الوطني: بين الانتماء الجوهري والانسلاخ المشبوه
- الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار ال ...
- الاحتلال البريطاني وتأسيس منظومة النفوذ
- سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن
- إزالة التجاوزات... حين تتقن الدولة قهر شعبها !
- فلول الطائفية والدونية والبعث: خيانةٌ متجددة ومواجهةٌ لا بدّ ...
- الضفاف لا تُغوي... لكن السفن لا تُقاوم
- النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة ...
- مقولة وتعليق / 60 / علة الحب و نبض القلب
- أطياف اللقاء في مملكة الظل


المزيد.....




- الإمارات.. فيديو حركة لبوتين مع شخص بوفد محمد بن زايد بمراسم ...
- من يدعم خطة نتنياهو في غزة وماذا تعني للفلسطينيين؟
- ناغازاكي تُحيي الذكرى الثمانين للقصف النووي وتنادي بعالم خال ...
- -الغزال الأسود- ضحية التجويع في غزة
- آبل تدخل عالم الروبوتات.. فهل ستقود ثورة التفاعل بين البشر و ...
- دورية إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة جنوبي سوريا
- عاجل | أ.ب: إصابة 3 أشخاص في إطلاق نار بساحة تايمز سكوير في ...
- الصومال يعلن استعادة السيطرة على مدينة إستراتيجية من حركة ال ...
- -تحول كبير-.. ترامب يدرس قرارا بشأن الماريغوانا
- انقسام وسط القيادات الأمنية الإسرائيلية بشأن احتلال غزة


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - ثمن اغتصاب السلطة وثمن الخضوع لها: قراءة تاريخية في إرث الدولة الأموية بين الدم والبطش والانقسام