مزهر جبر الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 04:09
المحور:
الادب والفن
(دمية جميل)
وقفت صبية يافعة في الصباح الباكر على حافة مكب الازبال الكائن على قارعة الطريق، خارج المدينة. ابوها انشغل في ربط الحمار الذي يجر العربة الى جذع النخلة القريبة من المكب. كانا في كل يوم، في الصباح؛ يجمعان أواني البلاستك والقناني الزجاجية وغيرهما الكثير، الكثير جدا. هذه مهنتهما، مصدر عيشهما. يعودان في المساء، قبل الغروب بقليل. أثار انتباه الصبية اليافعة؛ دمية جميلة، جميلة جدا، وجه أخاذ، شعر ذهبي كخيوط اشعة شمس الغروب، عينان سوداوان كحيلتان. حملقت مليا، في الدمية الجميلة. قلبها بكى بلا دموع، وهي تنظر الى الطريق، والى ابيها الذي بدأ في جمع القناني والاواني. ظلت واقفة على مقربة اشبار من الدمية الجميلة التي تلمع في قلب الازبال. تدفقت من مخازن ذاكرتها، ذكرى بعيدة، قبل عدة سنوات، سنوات كثيرة. تخيلت ان الطفلة الجميلة تحدق فيها هي الأخرى، بحب لا حدود. قالت مع نفسها:- ربما هي ايضا تذكرتني كما أنا الآن تذكرتها. قبل سنوات، حين كان عمرها اكثر قليلا من اربع سنوات؛ كانت هذه الطفلة معروضة للبيع في متجر ببغداد. رأتها على احد الرفوف، كانت تنظرها كما هي تنظرها الآن. اعجبتها. طلبت من ابيها؛ ان تخذها. ابوها رفض، سحبها بقوة من يدها الى خارج المحل. صاح ابوها عليها.
:- فاطمة، ماذا تنتظرين؟
سمعته ولم تسمعه. كانت غارقة في لجة الذاكرة المؤلمة. خرجا الى الشارع، في المساء، قبل الغروب، الهدوء والسكون يخيم على الشارع على الرغم من اكتظاظه بالسيارات والمارة من المتنزهين والمتبضعين. قالت مع نفسها من دون ان تحرك شفتيها؛ إنما، لم يكن وجود لهمرات الامريكان ودباباتهم. صرخ ابوها بغضب فيها.
:- فاطمة يا فاطمة.
لكن صراخه، ابتلعه رتل من دبابات الامريكيين، مر سريعا في لحظة صرخته على الطريق، على مقربة من بيادر الازبال.
#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟