أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المهاجران من المسرح إلى السينما















المزيد.....

المهاجران من المسرح إلى السينما


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


1
" عربة اسمها الرغبة "؛ لعلها من أشهر المسرحيات العالمية، التي تحولت إلى فيلم بنفس العنوان، عام 1951، من إخراج إيليا قازان. هذا الأخير، كان قد أخرجَ ذات المسرحية وقدمها على مسرح برودواي مع نفس الممثلين، الذين قاموا ببطولة الفيلم، كمارلون براندو وفيفيان لي. الفيلم، حاز على ثلاث جوائز أوسكار. المسرحية، هيَ من تأليف الكاتب الأمريكي تينسي وليامز.
فيلم " المهاجران "، إنتاج عام 1915، يذكّرنا بالواقعة آنفة الذكر. فإنه مستوحى من مسرحية بنفس الاسم، للكاتب البولوني سلافومير مروجيك، نشرها عام 1974. المسرحية، قدّمت في دمشق من إخراج سامر رضوان، الذي تعهّد أيضاً بطولتها مع الفنان محمد آله رشي. ليجمعهما مجدداً المخرج محمد عبد العزيز، وذلك في فيلم " المهاجران "، ومدته 105 دقائق. الفيلم، الفائز بالجائزة الأولى بمهرجان روتردام في هولندا، كانَ من إنتاج شركة الشرق، التي تعاونت مع المخرج في فيلميه " دمشق مع حبي " و" نصف ملغ نيكوتين ".
سلافومير مروجيك ( 1930 ـ 2013 )، يعد أهم كاتب مسرحي بولوني في النصف الثاني من القرن العشرين. حينما كان في مستهل العقد الثالث من عمره، هاجر من بلده واستقر في باريس. معظم أعماله المسرحية، تناقش فكرة محاولة الإنسان البولوني نيل الحرية في ظل النظام الشيوعي المدعوم من السوفييت. مسرحيته، " المهاجران "، كانت حبكتها من ذات الفكرة، ولو أنها تحيل إلى تجربة شخصية في الغربة. النقاد، يصنفون أعمال مروجيك ضمن مسرح العبث ( أو اللامعقول )؛ إلا أنه لا يقر بذلك. ومن وجهة نظري، فإن " المهاجران " يبدو تأثرها الشديد بمسرحية " في إنتظار غودو " لصموئيل بيكيت، رائد مسرح العبث. هذا التأثير، نلاحظه بوضوح في أكثر من موقف: فمسرحية بيكيت، أيضاً تمحورت حول شخصين؛ أحدهما فلاديمير يعتبر نفسه فيلسوفاً، فيما الآخر ستراغون شخص بسيط ومرهق الأعصاب. في " المهاجران "، أحدهما مناضل سياسي والآخر شخص ساذج. ستراغون، يعاني من مشكلة في قدمه بسبب الحذاء. بينما في " المهاجران "، مشكلة الرجل الساذج في جوربه. الحوار في كلا المسرحيتين، يظهر التناقض بين اهتمامات شخص مثقف وصديقه غير المهتم سوى بأموره الشخصية. مشهدا التبول ومحاولة الإنتحار شنقاً، تقريبأً على نفس طريقة العرض في المسرحيتين.
فيما رحّب النقاد بمسرحية " المهاجران "، لدى عرضها في دمشق، إلا أنهم لم يبدوا الحماس نفسه إزاء إنتاجها سينمائياً. وكانت حجتهم، عموماً، هيَ صعوبة قبول المتلقي لفيلم روائي طويل من بطولة شخصين لا غير. ولكن السينما السورية، سبقَ أن قدمت فيلماً إعتمد بشكل رئيسي على بطلين، وهوَ " الكومبارس "، المنتج عام 1993 ومن إخراج نبيل المالح. ففي هذا الأخير، إستغرق الحوار بين الأرملة ندى وحبيبها سالم، ما يقارب ثلثي مدة الفيلم.
أما عن الرؤية الإبداعية للمخرج محمد عبد العزيز، فإنه عرضها في أحد حواراته الصحفية: " هذا يستند على الفيلم وما يقوله والظروف التي أنجز بها، ليصبح طُعماً مغرياً يثير شهية المتلقي وبغض الطرف عن تصنيفه نخبوي وعادي. وهو شرط قد يعلمه المخرج، لكن يصعب العمل به نتيجة الظرف والمناخ، المحيطين به. إن وضع الفيلم حيث موضع إلتقاء السيفين، فيه مقتل الفيلم والعملية الإبداعية. لكن تسليم دفته إلى جمهور ذي ذائقة محدودة، سيكون مصيره الهاوية بلا شك. صناع الفيلم هم من عليهم إقتياد الجمهور إلى مكمن الفخ، وتوريطه في البحث عما يودون إيصاله له. وهنا تتحول العملية الإبداعية من مادة ومتلق إلى لغز ولعبة، يكون الرابح فيها من يحسن إعادة صياغة مخزونه المعرفي والجمالي حول الأشياء والوجود بكل تجلياته ".

2
في أحد مقالاته، بشأن علاقته مع الفن السابع، قال غابرييل غارسيا ماركيز أن الروائي يخطئ لو كان متطلباً بحيث يصرّ على مخرج نصّه الإلتزام حرفياً به دونَ فهم حقيقة الإختلاف بين العمل الروائي والعمل السينمائي. لقد أنتج من الأعمال الأدبية لماركيز، ثلاثة عشر فيلماً، كان أشهرها " قصة موت معلن " للمخرج فرانشيسكو روزي، و" الحب في زمن الكوليرا " للمخرج مايكل نيويل. كما أن إحدى قصص ماركيز قد حولت إلى عمل سينمائي، " عن الحب وشياطين أخرى " للمخرجة الكوستاريكية هيلدا هيدالغو، والذي فاز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي. الناقد المصري عصام زكريا، مؤلف كتاب " ماركيز والسينما "، بيّنَ أن ذلك الإقبال على أعمال الكولومبي حامل جائزة نوبل: " سببه لغته البصرية في الوصف، التي هي أقرب إلى المشاهدة والرؤية الحسية منها إلى الرؤية المجردة؛ وهوَ ما جعل نصوص هذا الكاتب، مؤهلة بشكل تلقائي لتتحول وتصير أفلاماً ".
ولكن كما هوَ معروف، فإن النص المسرحي يعتمد على الحوار وليسَ السرد والوصف. من هنا كان صعوبة نقله إلى السينما، بالمقارنة مع النص الروائي أو القصصي. مع ذلك، وكمثال، شهدنا فيلماً سوفييتياً رائعاً عن إحدى أشهر مسرحيات شكسبير، وهوَ " الملك لير "، إنتاج عام 1971، للمخرج غريغوري غوزينتسيف. فالمخرج، أدخل عنصرَ المعارك إلى الفيلم كي يزيد من التشويق، فيما أن النص المسرحي الأصل أكتفى بوصفها على لسان الشخصيات.
تلك المقدمة، أعتقد أنها كانت ضرورية للدخول إلى فيلم " المهاجران "، الذي إلتزم فيه المخرجُ حرفياً بالنص الأصل، فبدا كأنه مسرحية منقولة للتلفزيون. وعلى سبيل المثال، حينما يأخذ الرجلُ الساذج باسترجاع ذكرياته في الوطن مع عائلته، كان المفترض أن تنتقل الكاميرا إلى مشهد آخر لترجمة تلك الذكريات بالصوت والصورة. فيما أن كل مدة عرض الفيلم، المستغرق تسعين دقيقة، لم تبارح فيه الكاميرا ذلك القبو، أينَ مسرح الأحداث الوحيد. بل إنه عملياً نفس القبو، الذي جرى فيه العرض المسرحي للمخرج سامر رضوان في منطقة القزازين بدمشق!
على ذلك، ينتابُ متلقي فيلم " المهاجران " الملل والسأم طوال العرض تقريباً، بالرغم من أن الحبكة تتطوّر كل مرة من حالة الهدوء والوفاق بين البطلين إلى حالة الصدام والصراع. فيما أن العرض المسرحي حقق نجاحاً باهراً، كون الجمهور لا يمكن أن ينتظر منه سوى آلية الحوار وما يصحبها من إنفعالات ومشاعر البطلين. ذلك أن الجمهورَ المسرحي، حتى الأكثر كلاسيكية، معتادٌ على أن يحظى الحوار بين الأبطال الرئيسيين على معظم وقت العرض.
وإذاً، فإن بقاء المَشاهد في مكان واحد لا تبرحه، وهوَ القبو، كان مشروعاً لو أن المخرجَ انتقل بالكاميرا إلى خارجه بين حين وآخر؛ كأن يصوّر جانباً من حفلة رأس السنة عند الجيران أو قدوم سيارة البوليس إلى المنطقة أو لحظة إطلاق الألعاب النارية. كذلك، ما سبقَ وأشرنا إليه بخصوص ذكريات الرجل الساذج في الوطن. غير أن المخرجَ لم يفعل ذلك، ما جعل المتلقي يشعر أنه يتابعُ عرضاً مسرحياً وليسَ فيلماً سينمائياَ.
الفيلم، من ناحية أخرى، كان بارعاً في وضع المتلقي بأدق تفاصيل القبو، أين أقام المهاجران، وبكل ما فيه من أثاث رث وبنية متهالكة. ويجوز نفس التوصيف، لو أردنا الإشارة إلى لحظات التوتر في الحوار بين البطلين، التي أساسها يكمن في إختلاف ثقافتيهما وعقليتيهما. إن الرجلَ الساذج ( قام بالدَور الفنان محمد آله رشي )، قد هاجر إلى أوربا متأملاً أن يعود بعد سنوات إلى قريته في الوطن وهوَ يمتلك مالاً يجعله من الأغنياء. فيما أنه في الحقيقة، يقتّر على نفسه وشريكه في السكن من أجل أن يوفر مجموعة زهيدة من الأوراق المالية، أخفاها في جوف دمية على شكل الأرنب. أما الشريك المثقف ( قام بالدَور سامر رضوان )، فإننا نفهم من كلامه أنه لاجئ سياسي، وقد سبق إعتقاله في الوطن بتهمة إنتمائه للمعارضة. إنه رجل دوغمائي، علاوة على أنه رضي بالسكنى مع شخص ساذج ومتخلف الفكر، ربما ليشعر نفسياً بالتفوق كي يداري حالته المعيشية البائسة. بل يصل به الأمر، تهديده لشريكه بكتابة تقرير فيه عن سكناه مع رجل معارض للنظام. إلا أنه يعود ويستدرك، معللاً تهديده بكونه مجرد مزاح لمحاولة إثارة أعصاب الآخر. كان ذلك بعدما دُهشَ من ردة فعل شريكه، غير المتوقعة، حينما قام بتمزيق الأوراق المالية ومن ثم حاول شنق نفسه.
الأداء المؤثر للبطلين، فضلاً عما ذكرناه آنفاً عن براعة نقل تفاصيل موجودات القبو، كان من الممكن أن ينقذ الفيلم لو أن الكاميرا قد انتقلت إلى خارج ذلك المكان بين مشهد وآخر كيلا يتسلل الملل للمتلقي. يبقى القول، أن محمد عبد العزيز هوَ بلا شك من أفضل المخرجين الشباب في سورية ( كما أنه كاتب سيناريو أيضاً )، وقد حقق النجاح منذ باكورة أعماله السينمائية كما ونال العديد من الجوائز العربية والدولية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم الطفولة الكردية، المغتالة
- فيلم اليهودي والضياع الأخير
- فيلم الكردي وحروب الآخرين
- مصير أسرة في فيلم سوري
- تراب الغرباء والتلاعب بالتاريخ
- الترحال؛ منحوتة للطفولة والمدينة
- الطحين الأسود ولعنة المكان
- اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً
- حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة
- شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
- الطحالب؛ حكاية جرح سوري
- باب المقام، المفتوح على الشغف
- سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
- الليل؛ الفنتاسيا والواقع
- أحلام المدينة أم كوابيسها
- وقائع العام المقبل واختلال الوعي
- ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
- نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
- المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
- الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل


المزيد.....




- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...
- نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة ...
- تضارب الروايات حول استهداف معسكر للحشد في التاجي.. هجوم مُسي ...
- ديالا الوادي.. مقتل الفنانة العراقية السورية في جريمة بشعة ه ...
- مقتل الفنانة ديالا صلحي خنقا داخل منزلها بدمشق والتحقيقات تك ...
- القنبلة الذرية طبعت الثقافة اليابانية بإبداع مستوحى من الإشع ...
- بوليود بين السينما والدعاية.. انتقادات لـ-سباق- إنتاج أفلام ...
- الغيتار تحوّل إلى حقيبة: ليندسي لوهان تعيد إحياء إطلالتها ال ...
- سكان وسط أثينا التاريخية منزعجون من السياحة المفرطة


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المهاجران من المسرح إلى السينما