أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - -بين خطابين: حين تتحاور الحداثة والهوية-














المزيد.....

-بين خطابين: حين تتحاور الحداثة والهوية-


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 22:15
المحور: قضايا ثقافية
    


تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لمناظرة جمعت بين أحمد عصيد وطلال لحلو على قناة ميدي 1 تيفي، مرفقةً بردود فعل متباينة، بين من رآها صفعة فكرية لخطاب الحداثة المعلّب، ومن عدّها استعراضًا متكلفًا للبلاغة الدينية الجديدة. الفضول جرّني لأتابع هذه المناظرة لا كمشاهد محايد، بل كمن يضع على الطاولة سؤالًا مؤرقًا: هل يمكن للعقل المغربي أن يحتمل التناقض دون أن ينفجر؟ وهل نحن أمام سجال حقيقي بين رؤيتين للعالم، أم أمام صدام تمثيلي بين خطابين فقدا ثقة الناس، لكنهما يواصلان الرقص على خشبة الإعلام؟

في زمن يُستسهل فيه تبادل الاتهامات بدل تبادل الحجج، شكّلت المناظرة التي جمعت بين المفكر أحمد عصيد والدكتور محمد طلال لحلو حدثًا استثنائيًا في المشهد الثقافي المغربي، ليس لأنها كانت سجالًا عالي النبرة، بل لأنها وضعت جمهورًا عريضًا أمام مرآتين: واحدة تعكس تطلعات الحداثة وتفكيك البنيات التقليدية، وأخرى تطرح سؤال الهوية من داخل مرجعياتها لا من خارجها.

ولعل أول ما يمكن ملاحظته في هذا اللقاء التلفزيوني، هو اختلاف منطق الحجاج لدى الطرفين؛ إذ بدا طلال لحلو متشبثًا بما يسميه "المنهج العلمي المجرّد"، حيث يُؤسّس مواقفه انطلاقًا من معطيات أكاديمية، ومراجع غربية وإسلامية على السواء، موظفًا لغة رزينة ومتوازنة. في المقابل، اختار أحمد عصيد النبرة المباشرة، ذات الطابع الخطابي الإيديولوجي، وهي نبرة لطالما ميّزت حضوره الإعلامي منذ سنوات، لكنها اصطدمت هذه المرة بخصم لا يرد بالغضب بل بالورقة والقلم.

الاختلاف لم يكن فقط في الأسلوب، بل في المرجعية الكونية التي يتحدث منها كل طرف. لحلو يصر على أن العلمانية، كما تُمارس اليوم، ليست حيادية كما تدّعي، بل تنطوي على تصوّرات فلسفية حول الإنسان والمجتمع والمعنى، وهي تصوّرات لا تتناسب دومًا مع الخصوصية الحضارية للمجتمعات الإسلامية. من وجهة نظره، لا مفر من تأصيل حداثة من داخل المرجعية الإسلامية، لا استيرادها كما هي، لئلا نقع في التبعية الثقافية.

أحمد عصيد من جهته، يدافع عن ضرورة الفصل بين الدين والدولة، معتبرًا أن استحضار الدين في الفضاء العام يكرّس السلطوية ويحدّ من الحريات الفردية، خصوصًا تلك المتعلقة بالمرأة والمعتقد. في هذا الطرح، يبدو أن عصيد يحتكم إلى النموذج الأوروبي باعتباره التجربة الوحيدة التي أثمرت تقدمًا علميًا ومؤسساتيًا، وهو ما يراه لحلو اختزالًا للتاريخ الحديث وإقصاءً لتجارب موازية لم تكتب لها فرصة الاكتمال.

ربما أكثر ما أضفى على المناظرة قيمتها هو أنها أخرجت الخطاب الإسلامي الجديد، المتمثّل في طلال لحلو، من قوقعة الدفاع ورد الفعل، إلى مجال المبادرة والهجوم الناعم. لم يكتف لحلو بدحض المقولات المتداولة عن العلمانية، بل طرح رؤية شاملة تُحاول التوفيق بين الأصالة والمعاصرة دون الشعارات المكرورة. وهو ما وضع عصيد، الذي لطالما كانت له الكلمة الأخيرة في سجالات مشابهة، في موقف دفاعي لأول مرة منذ سنوات.

غير أن الإنصاف يقتضي القول إن النقاش لم يكن متكافئًا من حيث التخصص؛ فأحمد عصيد ليس باحثًا في الفلسفة السياسية أو الأنثروبولوجيا الدينية، بل كاتب وناشط حقوقي تكونت لديه مواقف نابعة من تجربة ميدانية طويلة، لا من خلفية أكاديمية صارمة. وهو ما قد يفسّر اعتماده على بلاغة عامة دون الدخول في تعقيدات فلسفية أو نظرية.

في النهاية، أبانت المناظرة عن وجود تيارين متباينين داخل النخبة المغربية: تيار يرى أن خلاصنا في القطيعة مع الموروث، وآخر يرى أن القطيعة أخطر من الموروث نفسه. ومن المؤكد أن المغاربة، وهم يشاهدون هذا السجال، لم يخرجوا بإجابات نهائية، لكنهم حتمًا بدأوا في طرح الأسئلة الحقيقية: هل نُريد حداثة بلا جذور؟ أم جذورًا تعوق الحداثة؟ أم أنه ما يزال ممكنًا أن نزرع شجرة تُثمر من الاثنين معًا؟

هذا هو التحدي الحقيقي.
وما هذه المناظرة إلا خطوة أولى نحوه.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحافي الحرباء… حين يكتب اللون لا الحقيقة
- شدولارين: عندما يكتب القلب نفسه ويتطهر بالحبر والحنين
- شدولارين: قراءة نقدية وتحليلية في رواية د. فتحية الفرارجي – ...
- عن البغال التي اعتلت التلال
- ركلة حمار
- مثالب الولادة: صرخة سيوران في وجه العبث
- وصمةُ عارٍ لا تُمحى: فلسطين بين الجوع والخذلان
- حين رفعت المرأة سيفها على الرجل… فمزّقت قلبها
- اذا أردنا إصلاح المجتمع ...من أين سنبدأ؟
- محمد عبد السميع نوح في رواية حركة تنقلات: هجاء السلطة وفضح ا ...
- بوحمارة... حين امتطى المغربَ رجلٌ فوق حمارة
- ثورة الكوميرة: حين صرخ الفقراء فدوّى الرصاص
- إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟
- بوجلود بين الذاكرة والتشويه
- مديونية المغرب: حين يتحوّل الدين إلى أسلوب حياة
- بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغ ...
- مقبرة الصمت: لماذا تخشى الأمم المريضة أصوات المهرطقين؟
- من سيقود المغرب؟ سباق الأحزاب نحو حكومة ما بعد الإحباط
- ابن كيران: سياسة -الزواق- بخطاب -بلا نفاق-
- سبعة دراهم لفنجان قهوة... والقدرة الشرائية في غرفة الإنعاش


المزيد.....




- ترامب يقول إن على بوتين الموافقة على وقف إطلاق النار في أوكر ...
- فرنسا: النيابة العامة تطلب مذكرة توقيف دولية جديدة ضد بشار ا ...
- بروكسل تقترح تعليق تمويل شركات إسرائيلية ناشئة بسبب أزمة غزة ...
- محادثات أمريكية صينية مطولة في ستوكهولم لاحتواء الحرب التجار ...
- نيويورك: خمسة قتلى بينهم ضابط شرطة في إطلاق نار بوسط مانهاتن ...
- ميدفيديف مخاطبا ترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطو ...
- مقتل مسلح نفذ هجوما في حي مانهاتن بنيويورك
- ألمانيا وإسبانيا تعتزمان نقل مساعدات إنسانية جوًا إلى غزة
- ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟
- بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع -حنظلة ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - -بين خطابين: حين تتحاور الحداثة والهوية-