الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 08:07
المحور:
قضايا ثقافية
نحن شعب يحبّ الإصلاح كثيرًا، إلى درجة أنه صار وجبتنا اليومية المفضّلة على موائد النقاش، في المقاهي، وعلى الأرصفة، وداخل الحافلات. نطالب بإصلاح التعليم، ونطالب بإصلاح الصحة، ونطالب بإصلاح القضاء، بل نطالب بإصلاح الأخلاق نفسها. ولكننا، في خضم هذا الشغف الجارف بالتغيير، ننسى تفصيلاً صغيرًا: أننا لا نريد لهذا الإصلاح أن يمرّ من عندنا.
نحبُّ أن نلعن المدرسة، ونحن نربّي أبناءنا على الغش.
نحبُّ أن نهاجم الفساد، ونحن لا نجد حرجًا في تقديم "قهيوة" لتسريع خدمة.
نحبُّ أن نرفع شعار النزاهة، ثم نتهكّم على "الساذج" الذي يرفض الرشوة.
نحبُّ أن نُدين الرداءة، ثم نُصفّق لها إن كانت من طرف "ابن الحي" أو "صديق العائلة".
نُطالب بموظف نزيه، ونحن نأتيه بالوساطة.
نُريد قاضيًا عادلًا، ونرجوه أن "يستر علينا".
نغضب من غلاء الأسعار، ونساوم البائع البسيط على قوت يومه.
نستنكر تراجع القيم، ونحن أول من يُربّي أبناءه على أن الكرامة تُؤجل إلى حين "تيسير الأمور".
نحن شعبٌ ماهرٌ في النقد، محترفٌ في اكتشاف العلل، عبقريٌّ في تحميل المسؤوليات للآخرين.
لكننا، حين يتعلق الأمر بأن ننظر في المرآة، نغضّ الطرف، كأننا نجهل أن "المجتمع" الذي نطالب بإصلاحه، هو مجموع الأفراد الذين نكونهم.
الإصلاح لا يأتي في مذكرة وزارية، ولا في خطاب سياسي، ولا في خطبة جمعة.
الإصلاح يبدأ من موقف بسيط: أن تمتنع عن رمي القمامة في الشارع، حتى وإن رماها الجميع.
أن تحترم الصف، حتى وإن تجاوزه الكل.
أن تقول "لا" للعبث، حتى وإن قال "نعم" كل من حولك.
نعم، نريد إصلاح المجتمع، ولكن لا كما نطلب فنجان قهوة: جاهزًا على الطاولة.
نريده سهلًا، سريعًا، مجانيًا، من دون أن يكلّفنا مشقة إعادة النظر في سلوكياتنا الصغيرة.
أيها السادة، كل إصلاح لا يمرّ عبر ضمير الفرد، هو مجرد تجميل مؤقت لمبنى آيل للسقوط.
والتغيير الحقيقي، لا يبدأ من القمم، ولا من الشعارات، بل من ذلك الإنسان العادي... حين يقرر، أخيرًا، أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد معلّق على الخراب.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟