أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات














المزيد.....

الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 17:14
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


“إذا لم تكن تعرف كيف تبتسم، فلا تفتح دكاناً.”
— حكمة صينية

فلسفة الصين في إدارة الأعمال بين الحكمة والعزلة
تبدأ حين تبتسم التجارة وتغرد الحداثة.

ليست الصين مجرّد اقتصاد ناشئ أو قوة عظمى صاعدة، بل هي عالمٌ موازٍ له قوانينه الخاصة، يتقدّم ببطء ثابت، ويحمل داخله فلسفة عمرها آلاف السنين.
في قلب نيويورك، أمستردام، أو كوالالمبور، لا تُخطئ العين تلك المربعات الصغيرة التي تنمو بصمت: سوق صيني، مطعم صيني، بنك صيني، وشبكة عمل لا توظف إلا أبناءها.

إنها ليست عنصرية، بل فلسفة بقاء: حين يغترب الصيني، لا يذوب… بل يعيد تكوين منظومته بالكامل.



جذور فلسفة العمل: من الحكمة إلى الميكانيكا اليومية

“منزل صغير مقابل عمل كبير” – ليست مجرد استعارة، بل مبدأ اقتصادي واجتماعي يؤمن بأن الراحة الفردية تُضحّى من أجل دوام المشروع.

فلسفة العمل الصينية تُبنى على أعمدة واضحة:
1. الأسرة كوحدة إنتاجية:
المشاريع العائلية هي القاعدة لا الاستثناء. الأب يشتري، الأم تدير، الابن يُحاسب، والابنة تبتسم. كل فرد له دور.
2. الترتيب الهرمي كمنهج إداري:
• يُقدَّم المدير أولاً، يتحدث أولاً، يُناقَش بلغة حذرة.
• في الاجتماعات: من يُقاطع رئيسه يُعد خارج السياق.
• من يُعارض علناً يُفسَّر سلوكه على أنه تمرد أخلاقي.
3. الابتسامة كسلاح ناعم:
ليست فرحاً، بل “علامة استعداد”. كما قال جاك تشين، المحامي الصيني في بروكسل:
“في الصين، العمل لا يتوقف حتى في العطل… بينما الأوروبيون يرون العائلة أولوية”.
4. العمل كواجب جماعي لا فردي:
النجاح ليس امتيازًا شخصيًا بل مسؤولية تجاه الجماعة، تجاه اسم العائلة، تجاه الوطن.



الميكانيكا اليومية للإدارة: من السوق إلى النظام

في السوق الصيني، كل تفصيلة محسوبة:
• بطاقات العمل تُقدّم بكلتا اليدين، مطبوعة بالإنجليزية والصينية، ومكانة المدير تُحدد مكان جلوسه وحديثه.
• الزيّ رسمي، الألوان داكنة، والعروض التجارية تُقدم بالأبيض والأسود — لا زخرفة ولا مبالغة.
• القرارات تُتخذ ببطء، لأنهم لا يكرهون المخاطرة فقط، بل يخشونها. التفاوض قد يمتد لأشهر، والعرض قد يُرفض إن كان “صاخباً”.

مثال: رجل أعمال ألماني قدّم عرضًا مبتكرًا بتصميم ملون، فقاطعه الصيني قائلاً:
“الأبيض والأسود يكفي… الألوان للزينة لا للجدية.”



المدن والأسواق الصينية: دول داخل دول

حين تنتقل الجالية الصينية إلى بلد جديد، لا تندمج، بل تُعيد التكوين:
1. الحي الصيني (China Town) ليس حيًا سكنيًا، بل منظومة اقتصادية اجتماعية قائمة بذاتها:
• بنك داخلي، مدارس داخلية، شبكة إمداد خاصة.
• 80% من الأرباح تُرسل للصين أو تُستثمر داخل الجالية.
2. العمالة داخلية بالدرجة الأولى:
• توظيف غير الصينيين يتم فقط في الوظائف الهامشية.
• الثقة لا تُمنح بالكفاءة بل بالقرابة والثقافة.
3. نظام إدارة منغلق متعاون:
• كل مشروع صيني في الخارج يتبع نمط: العائلة أولاً، ثم أصدقاء العائلة، ثم شبكة العرق الواحد.
• الاجتماعات تتم بلغة موحدة، والمخاطر تُوزع داخل الحلقة المغلقة.

كما تقول شانشان تشو من كونمينغ:
“الثقة تُبنى على الدم لا السير الذاتية. المشاريع تُدار بالأمان أولاً، ثم بالكفاءة.”



الثقافة كحائط حماية: لماذا لا يذوب الصيني؟

الصيني لا يذوب في الثقافة المضيفة، لأنه:
• يحافظ على لغته، طعامه، نمط عمله.
• لا يفتح منظومته الإدارية للغرباء.
• يعود إلى الوطن عند أول فرصة.

تقول شارون جين، مطورة برمجيات في شيكاغو:
“جيلنا كان يريد الإقامة الدائمة… الجيل الجديد يعمل عشر سنوات ثم يعود ليبني في شنغهاي.”

وزارة التعليم الصينية تؤكد:
70–80% من الطلاب الصينيين في الخارج عادوا للوطن خلال السنوات الأخيرة.
الحنين للهوية، والعائلة، و”راحة النمط” تفوق جاذبية الغرب.



الصدام الصامت مع الغرب: حين يتحدث أحدهم بصوت عالٍ

الغربي يطرح فكرته بحرية، يضحك مع المدير، يناقش علنًا.
الصيني يصمت، ينتظر، يزن الكلمة.

كما تقول سيندي ين من غوانزو:
“في الصين، الطاعة كانت هي القاعدة… هنا تعلمت أن أكون صوتاً، لا مجرد صدى.”

لكن هذا لا يعني ضعفًا. فالصيني يدير مكاتب ضخمة، ويشتري شركات غربية، ويسيّر أعماله الدولية دون أن يغير أسلوبه.



لماذا لا يستطيع الغرب “تغيير” النموذج الصيني؟
1. فلسفة الاحتواء الداخلي:
لا قرار يُتخذ خارج الدائرة القريبة.
2. اقتصاد الصمت:
لا استعراض، لا ديون، لا تضخم في المكاتب أو الماركات.
3. الهوية كحصن لا كسجن:
الثقافة الصينية تقاوم الذوبان، لا تقاطع… بل تبني جسرها الخاص.
4. الصبر كاستراتيجية:
المفاوضات تُدار كشطرنج، لا كسباق.



لا يوجد خاتمة لمقالي هذا أفضل من الإشارة إلى أن الخيزران لا ينكسر.

فلسفة الصين في إدارة الأعمال لا تُقرأ من كتب الاقتصاد، بل من التأمل في سلوكياتها اليومية، من حي صيني صغير في بروكسل، إلى ناطحة سحاب في بكين.

إنها تشبه نهر اليانغتسي:
هادئ على السطح… جارف في الأعماق.

الصيني لا يبني شركات، بل إمبراطوريات صامتة، محكومة بأعراف غير مكتوبة، تحافظ على الابتسامة، وتُدير الداخل… قبل الخارج.

لهذا ولكي تفهم ثقافة العمل الصينيه:
• لا تدخل السوق الصينية كمُبشّر، بل كمُستمع.
• لا تُفسّر تحفظهم كبرود، بل كاحترام.
• لا تتسرّع في الصفقات… الزرع يحتاج جذورًا.
• لا تسأل عن الموظف “الغريب” بينهم… فهم أبناء عائلة واحدة...

"في السوق الصيني، لا مكان للاندفاع أو الحداثة الجوفاء.. فقط لمن يملك: ابتسامة محسوبة، صبراً لا ينضب، وإيماناً بأن العمل واجب مقدس"



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...
- لوران ديكريك… عندما تصبح الأسئلة التاريخية جريمة أخلاقية
- أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش
- صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...
- العالم على مائدة واحدة: حين تتحوّل الشهية إلى مرآة للهوية
- أحبّهم… لكنهم يُطفئونني: الشخصيات السامّة بعيون الوعي
- الثقة الحذرة: فن بناء الجسور مع الآخر دون الوقوع في فخ المظا ...
- حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصف ...
- الديمقراطية المعلّبة: أمريكا تُصدّر الحروب… وترامب يدخل المع ...
- الفوضى: هندسة الوجود بين العلم والسياسة والفن
- ومضات في حياة البروفيسور شريف الصفتي: ما بين الحقيقة والتهوي ...
- “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية


المزيد.....




- قبيل استقالته بساعات.. وزير إسرائيلي يأمر بإخلاء عقارات قرب ...
- خبيرة: الهيمنة الأميركية على الطاقة ضرورة استراتيجية
- الذهب يتجه لهبوط أسبوعي مع ارتفاع الدولار
- مسؤول بالفيدرالي يدعو لخفض الفائدة في الاجتماع المقبل
- أسعار الأرز في اليابان تقفز بـ 99.2% في يونيو على أساس سنوي ...
- الإمارات والمجر توقّعان اتفاقيات ومذكرات تفاهم جديدة
- الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات جديدة على روسيا
- أكبر 10 بلدان منتجة ومُصدرة للكرز بالعالم.. ماذا عن الدول ال ...
- 208 مليون درهم أرباح -العربي المتحد- في 6 أشهر.. نمو بـ50%
- 3.1 مليار دولار أرباح -نتفليكس- في الربع الثاني


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات