أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية














المزيد.....

بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 08:31
المحور: الادب والفن
    


مات أملي في لحظة لم يُعلن فيها العالم الحداد، ولم تنكس فيها الأرواح أعلامها، لكنني وحدي كنت أرتجف تحت سقف الصمت، أدفن حلمي بأصابع باردة، وأتمتم بتراتيل الوداع. لم يكن الأمل مجرد فكرة، كان شريكًا لصيقًا بأنفاسي، دمي، صوتي، وجهتي. وعندما انسحب بصمت، تهاويت... لا في البكاء، بل في انطفاء داخلي لا يرى بالعين المجردة.

اعتزلتُ العالم. لا بمعناه الدرامي، بل بمعناه الأكثر فتكًا: أن تكون بين الناس جسدًا، وروحك تقيم في منفى لا مرئي. تخلّيت عن كل محاولات التكيّف، عن المجاملات، عن التصالح القسري مع واقعٍ لا يُشبهني. كان الانسحاب فعل مقاومة، لا هزيمة. مقاومة لصخب لا يترك مجالاً للتنفس، لعلاقات تستهلكك حتى النخاع، لأملٍ لم يعرف كيف ينجو.

في قلب هذه العزلة، ووسط هذا الفقد البطيء، مددت يدي إلى القلم. لا لأنني أردت أن أكتب، بل لأن الكتابة هي من التقطتني. كنتُ كمن يغرق ويمسك بعودٍ هش، لكنه العود الوحيد القادر على الطفو بي خارج ظلامي. لم يكن القلم أداة، بل خلاصًا، طقسًا يوميًا أتطهّر فيه من آثار العالم.

أكتب لأنني لم أعد أحتمل الكتمان. أكتب لأن في الحروف فسحة للنجاة، لأنني كلما كتبت، شعرت أنني أجمع شظايا نفسي المبعثرة، وأعيد لصقها بخيوط المعنى. الكتابة لا تشفيني تمامًا، لكنها تفتح نافذةً صغيرةً في جدار روحي، يدخل منها شيء من الضوء.

صرت أتعمّد الغوص في كتابات الآخرين... أولئك الذين ينزفون دون مواربة. لم أعد أنجذب للنصوص المصقولة، المحشوة بالحكم الجاهزة. أصبحت أبحث عن الألم العاري، عن الجُمل التي تُرتكب بدم القلب لا بحبر القلم. إنني أنحني احترامًا أمام كاتبٍ يجرؤ أن يقول: "أنا ضعيف، خائف، موجوع" دون أن يختبئ خلف الأقنعة. هذا الصدق المؤلم هو وحده الذي يُحدث أثرًا حقيقيًا.

أدركت أن أعظم الكتابات ليست تلك التي تشرح العالم، بل تلك التي تشرّحه. التي تسير بأقدامٍ حافية فوق جرحك، ثم تربّت على كتفك دون أن تنبس بكلمة. الكلمات التي تصدر من وجعٍ حقيقي، لا تحتاج إلى تزيين، لأنها تصيبك كالسهم: مؤلم، لكنه يوقظك.

اليوم، أكتب لا لأكون كاتبة، بل لأستمر بالعيش. أكتب كي لا يُغتال ما تبقى مني على يد النسيان. في كل نص أكتبه، أضع قلبي عاريًا أمام القارئ، لا أنتظر تصفيقًا، بل تواطؤًا صامتًا: أن يشعر أحدهم بما شعرت، أن يقول لنفسه "أنا أيضًا، حدث لي هذا".

العزلة لم تعد سجني، بل صارت حريتي الخاصة. مكانًا آوي إليه من فوضى لا تتركني أسمع دقات قلبي. والكتابة ليست مجرد فعل، بل فعل وجود. فيها أنجو من الضجيج، من الأسئلة، من الذكريات التي تنهش الذاكرة ليلًا. فيها أخلق عالمًا أستطيع احتماله، عالمًا يمكنني فيه أن أكون بكل ما فيَّ من هشاشة وحنين وخراب.

ربما لم يعد الأمل كما كان. وربما لم يعد لي مكان في العالم الذي كنت أعرفه. لكنني صرت أملك قلمي، وأملك صوتي، وأملك قدرة خارقة على تحويل الألم إلى كلمات تمشي على الورق، كما تمشي الأرواح في برزخها: ببطء، بأملٍ مشوبٍ بالحذر، وبشوقٍ أبدي للانتماء.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**


المزيد.....




- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية