أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - اللاشكل في العرض المسرحي















المزيد.....

اللاشكل في العرض المسرحي


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 02:02
المحور: الادب والفن
    


فالسّادِرُ في رَأْيي لَيْسَ مُلزَمًا بِتَقْديمِ تَأْويلاتٍ لِعَمَلِهِ، وَإِلّا لَما كانَتْ هُناكَ حاجَةٌ إِلى كِتابَةِ الرّوايَةِ، فَالرّواياتُ هِيَ بِالأساسِ آلاتٌ مُوَلِّدَةٌ لِلتّأْويلاتِ. وَمَعَ ذٰلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ الْكَلِماتِ الْمُعَسَّولَةِ تَنْتَهي بِنا إِلى حاجِزٍ لا يُمْكِنُ تَخَطِّيهِ :يَجِبُ أَنْ يَكونَ لِلرّوايَةِ عُنوانٌ ما.
حاشِيَةٌ عَلى "اِسْمِ الْوَرْدَةِ"
أُمبرْطو إيكو
تَرْجَمَةُ سَعيد بَنْگَراد
مَجَلَّةُ الْعَلاماتِ
الْعَدَدُ ١٥ لِسَنَةِ ٢٠٠١.

I
اللاشكل، في تحركه على الخشبة، لا يستعيد شكله بل يرمي بنفسه في الفضاء دون أن يضمن وجود خشبةٍ أصلاً.
المسرح لا يُفهم كمكان، بل كفضاء انزلاقي يتشكل ضمن قوس روحي يتداعى.
لا حركة ظاهرة في العرض، إنما اهتزازات تتدفق من أعماق الذكرى لتسقط على زجاج الفرجة.
ما يسمى "التمدد والتكثف" هو في حقيقته تبادل للشتائم بين الجسد وصورته الانعكاسية.
المتفرج يتواجد في حيز التوتر بين النسيان والانتباه، إنه الممثل المبعثر.
كل مبدأ يصبح خيانة للمبدأ السابق عليه، وكل رمز يحاول أن يخفي عريه بلا جسد ملموس.
كل تمثيل ينطوي على فعل إجرامي ضد العدم.
العارض لا يُنظر إليه كبشر، بل كظل ينفصل عن كائن لم يكتمل، كائن لا يُدرك إلا من خلال زفيره.


---

II
اللاين والليانغ، في العرض، لا يختلطان بانسجام، بل يتصارعان في فم لا صوت فيه.
المنصة تمثل نقطة التقاء بين ترددين متنافرين: صرخة لحم وضوء عظم مكسور.
الرمز في العرض الحديث يمثل خيانة إضافية للرؤية.
لا شيء يدل، ولا شيء يشير، بل تتجمد كل الأشياء داخل شبكات طيفية يفقد فيها الخطاب سلطته ما لم ننسَ اللغة.
المركز ليس سوى فتحة في الجدار.
أما الدائرة، فهي ظل حجر تدحرج من قمة لم تكن موجودة.


---

III
اللاشكل ليس غياب الشكل، بل هو فائض هائج من الشكل، انفجار يتمرد على تمثيله.
حين يتمرد الشكل على تمثيله، يبدأ العرض، ويبدأ المسرح معه.
أنتِ، المنتصرة على مخاوفنا المشتركة، وصراخي الانفرادي،
أرغب أن يبقى رمادي لا يرتاح في عاصمة ترفض الأنانية.
أرغب بفم ملوث بالنجوم الأخيرة، مكسور بصراخ رعب البقاء مستيقظًا في ليلتك.
أرغب بحضور ملتقط في شعلة البرد، أكتشفك هناك دائمًا ميتًا.


---

IV
عيناكِ كالرمال في الصيف، بحر داخلي يضيئه النسور الدائرية،
عيناك أرانب تكبر كثيرًا على مراعي دمي، وضحك خفيف ينبع من داخلك.
مقصات داخلية تمزق القصيدة، الدم يولد من جديد وينمو.
الحطام يمثل بشرية السفينة التي تسبق البرق وتلي البرق، السباق المرتجف والهائج.
لا نرى فيه إلا آثار شفاه على صحف ضائعة على حافة الأرصفة.


---

V
في الضوء المنسي، أقاتل الطيور.
أحفر بئرًا في قلب المذبح لأكشف الأعماق المجهولة للمكان.
أحتكر الركود، المعرض لضربة شمس.
يدك السرية تخفي حقيقتنا الأكثر خصوصية وفضيحة.
جلد الحمار يكتب إلى امرأة شابة مقتولة.
الصخور تعانق القشعريرة السعيدة.
القيمة الشيطانية للمظهر تعكس هشاشتنا الطبيعية.


---

VI
يا مجدنا، هل بوسعك اختراق حائط الموتى؟
هل وجدت في متحف قبرًا بدائيًا من الخارج، لكنه منحوت داخليًا بمشاهد منزلية تتابع حياة الرجل الميت؟
شبح برأس خريطة للعالم يتحرك مع حركاتي في السرير.
جريح مشتت في الأوراق، لكنه مأخوذ بدماء المسارات المفقودة، لا يزال شريكًا في الحياة.
صرخة ترتفع في الحجارة، وهج يلمع في سمك اللاشكل والمراوغ.


---

VII
اضطراب في الضوء، نقطة تلاشي منظورات اجتماعية مسدودة،
اختفاء البحر الخائف من سوء حظه.
خطوة محملة بالأرض الميتة السوداء، دوائر حجرية كبيرة.
الحجر الممزق يُقدم بحميمية انحداره.
أعشاش أو انهيارات الحجر، هشاشة تعبر هشاشة اللحظة التي تتحد متناقضة مع ثبات كتلتها الميتة.
الحجارة مفتوحة على جمود آخر، تنسل شيئًا فشيئًا إلى اللامعنى، وتشير إلى نفسها بحركة تريد التهرب منها.



VIII
النقص في القمة، إضاءة خافتة، زخرفة باطلة للمفهوم.
اللاشكل في المسرح هو تحدٍ متداخل للمفاهيم الثابتة للشكل.
في العرض الطولي، يتحرر العرض من تسلسل تقليدي، ينكسر الزمن ويتوزع في نقاط متعددة، ما يخلق حركة غير متوقعة ومتقطعة تكسر النمط.

IX
في المسرح الدادائي ، يتبدى اللاشكل بتلاشي العلاقة الثابتة بين الشكل والمحتوى.
العرض يصبح حقلًا مفتوحًا من انفصالات بصرية تتجاوز المعاني المحددة،
تفاعل مستمر مع التجربة الحسية للمشاهد.


---

X
في المرحلة التالية، يظهر اللاشكل من خلال انزياحات تفكك البنى الشكلية المعتادة،
التحول المستمر يجعل العرض في حالة تغيّر دائم.
اللاشكل ليس غياب الشكل، بل انفتاح دائم على التغير والتفكيك، يعيد تشكيل العرض ويكشف تناقضاته.


---

XI
اللاشكل ليس نفي الشكل فقط، بل إنتاج نشط لمناطق معنى،
تتقوض الحدود وتتداخل الطبقات الإدراكية.
إنها استراتيجية جمالية معرفية تخلخل النماذج الثابتة، تزاحم المركزيات البنيوية،
خاصة في المسرح الذي يُبنى على ترتيب مؤقت للحواس، ليس نسقًا خطيًا، بل فسيفساء من علامات تقاوم الامتلاء.


---

XII
في العرض الطولي، اللاشكل يتجلّى كتفكك زمني،
ليس انقطاعًا عشوائيًا، بل إعادة توزيع متشظية تؤدي إلى تعددية تجربة المشاهد الزمنية.
خطية الأحداث، أحد ثوابت السرد الكلاسيكي، تُعاد كتابتها كشبكة من التداخلات والانحرافات،
الزمن يصبح مسرحًا بحد ذاته، يفقد العرض مرجعيته السببية لصالح حضور جديد،
حضور غير منتظم يدعو للمشاركة التأويلية.


---

XIII
في المسرح الظاهراتي، اللاشكل عند نقطة انكسار العلاقة بين الشكل والمحتوى.
الصورة لا تعود دالة على معنى، بل تتحول إلى بنية طيفية مشروطة بتعدد نظرات التلقي،
انحلال مقصود في الإشارات البصرية، الخشبة فضاء مفتوح يتذبذب بين التشكّل والتلاشي.
ليس غياب النظام، بل حضور نظام آخر،
نظام تجربة العابرة، اللايقينية، المفتوحة على التأويل غير النهائي.


---

XIV
اللاشكل حركة تفكيكية مستمرة تقوض الشكل من الداخل.
كل بنية تُبنى لتُهدم، كل تركيب يُعاد تفكيكه.
العرض ليس منتجًا مكتملًا، بل عملية ديناميكية تعيد صياغة نفسها عبر الفعل المسرحي.
اللاشكل نقد ضمني لمفهوم الشكل كسلطة تنظيمية تحاول فرض استقرار وهمي على تجربة سيولة مطلقة،
تحاكي اللايقين المعرفي، تستدعي فعل القراءة كفعل إبداعي.


---

XV
اللاشكل هو اللاقرار، تعددية الإشارات، انفتاح العرض على ذاته ونقيضه.
مجال يتقاطع فيه المرئي بما هو لا مثبت بصريًا، والمدرك بالمؤجل والمبني بالهادم.
نص مفتوح يُؤوّل بلا نهاية، مرآة لصراع مستمر بين رغبة الشكل وخيانة المعنى.
العرض يُتقصى كما تُفحص المخطوطات الغامضة في مكتبة بورخيس،
كل قراءة تبدأ من نقطة تأويلية مختلفة، تمضي نحو معنى يُخان حين يُعتقد أنه أُمسك به.
صوت الحجر ينذر باليقين الأخرس، وصوت الدم في ممرات الظل صدى لتاريخ لم يُكتب بعد.
من غبار السرداب يرتفع تمثال الصمت، لا ليُرى بل ليُجهل.
الأبجدية على الجدران لم تكن للقراءة، بل تأكيد استعصاء، كختم المعنى الأخير على ورقة احترقت قبل أن تُطوى.

الرؤى لا تُصنع من الأحلام، بل من ترسّب الأشياء في العتمة،
حين يتحول الظل إلى أرشيف لمشاعر لم تكتمل.
المكان ليس ذاكرة، بل برهان الغياب الذي يسمّيه العقل حضورًا مجازيًا.
كل أثر في الحجر توقيع ليد مفقودة، يد لم تعد موجودة إلا كاحتمال في هندسة الحنين.

في عمق المتحف المتخيّل، حيث تُخزن الرؤوس المؤجلة في توابيت شفافة،
تنغلق الزوايا لتعلن أن الخطوط المستقيمة خدعة بصرية لحكمة ملتوية.
المدخل لا يقود إلى الداخل، بل إلى الداخل المنسي فينا،
حيث ينحفر المعنى في التراب لا ليزهر، بل ليُبعثر.
الريح التي ليست ريحًا تكتب صمتها في كتب لا تُقرأ،
والنوافذ البيضاء التي لطخها دمك تدرس في جامعات بائدة معنى أن تكون مرئيًا دون أن تُشاهد.

وهكذا، في مسكن الكلمات، تتداخل المفاهيم كمرايا مضادة،
تسكن الرموز الفراغات لا لتملأها، بل لتقيم طقوس غياب دائم.
لعلنا حين ننظر في الحفرة نرى الظل يكتبنا من جديد،
لا لنفهم، بل لنؤمن أن الفهم هو الطقس الأخير للضياع.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُطام المجد الأول
- (الرياضي/الميتافيزيقي) الكتابة إلى جاك ديريدا
- معبد لغوي
- في سوسيولوجيا الدولة والهويات القاتلة
- هل ماتت الفلسفة؟
- في مدح قابيل
- فصلٌ مفقود من -اسم الوردة-
- السفنُ تفكّ رموزنا
- أقنعةٌ لم تُجرّبْها القصيدة
- في أنساق التغريب البريشتي
- السلفية المعولمة حين يتخذ التنوير شكل فتوى / نقد الحداثة
- الطائر الأسود لا يظهر إلا حين يكون البياض خانقًا
- الحداثة كصليب جديد /نقد الحداثة
- الحاشية السفليّة
- التطبيع مسرحيا مع إسرائيل
- ملحوظات هامشية :الجملة ككائن ميتافيزيقي
- كتاب الحجر الرابع: تعاويذ المادة الأولى
- أنا تمثالٌ بزيٍّ غريب
- تأملات في البنية الكلية
- سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائ ...


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - اللاشكل في العرض المسرحي