مصطفى الهود
الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 14:50
المحور:
المجتمع المدني
في مجتمعاتنا العربية، لا تزال "الحرية" مفهوماً إشكالياً، محاطاً بكثير من الالتباس والخوف. وعلى الرغم من أن هذه الكلمة تتردد كثيراً في الخطاب السياسي والإعلامي، إلا أن حضورها الواقعي يكاد يكون غائباً، أو مقيداً بسياقات أمنية ودينية واجتماعية صارمة.
في العراق، كما في غيره من بلدان المنطقة، تبدو الحرية فكرة طاردة، لا تستقر طويلاً في الوعي الجمعي، وغالباً ما تُربط بالخروج عن القيم والتقاليد. يُنظر إلى من يطالب بالحرية باعتباره متمرداً، وربما "خارجاً عن الطاعة"، لا لأنه تجاوز القانون، بل لأنه تجاوز سقف الصمت.
هذا التوجس من الحرية يعود بجذوره إلى موروث بدوي محافظ، أكثر من كونه مستنداً إلى نصوص دينية. إذ ينشأ الفرد منذ طفولته محاطاً بالقيود: الاجتماعية، الأسرية، والوظيفية. ويُلقّن أن الطاعة فضيلة، وأن التساؤل ضعف في الإيمان، وأن الاختلاف تهديد.
في هذا السياق، تصبح الحرية عبئاً على من يمتلكها، لا ميزة له. يُحرم "الحر" من الامتيازات، يُقصى من المؤسسات، ويُتهم بمعاداة الدولة والدين والمجتمع. بل إن المطالبة بحرية الفكر، أو حتى التعبير عن احترام رموز تاريخية، قد تجر على صاحبها مشكلات معقدة تتجاوز حدود النقاش إلى دائرة الاتهام.
الأخطر من ذلك، أن المجتمعات ذاتها تساهم في تقييد الحريات، حين تتبنى ثقافة الخوف والإقصاء، وتعتبر المختلف عدواً. وهكذا يتحول الإنسان الحر إلى "منبوذ" وسط محيط لا يقبل بغير الانصياع.
إن طرح سؤال: "ماذا يعني أن تكون حراً؟"، يفتح الباب لمراجعة شاملة للعلاقة بين الفرد والدولة، وبين الإنسان ومجتمعه. فالحرية ليست فقط شعاراً سياسياً، بل حاجة إنسانية أساسية، لا تستقيم الحياة من دونها.
ربما آن الأوان أن نعترف بأن المجتمعات التي تخاف من الحرية، إنما تخاف من نفسها، ومن مواجهة مرآتها.
#مصطفى_الهود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟