أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - السياسة حين تتفسخ… والأخلاق حين تُخنق














المزيد.....

السياسة حين تتفسخ… والأخلاق حين تُخنق


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 17:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من متعة الندب إلى متعة القيامة…

نكتب الآن، لا لأننا نأمل التغيير، بل لأن الصمت صار فعل خيانة.
نكتب، لأن الكلام اليوم مقاومة، ولأن اللغة لا تزال تملك أنيابًا، ولأن الحقيقة – وإن كانت منفية – ما زالت تتنفس في الظلال.


نحن لا نعيش أزمة سياسة. نحن نعيش نهاية السياسة كما كانت تُفهم.
لا برامج، لا رؤى، لا مشروع اجتماعي، لا عقد أخلاقي. ما تبقى يُشبه السياسة كما يُشبه القناع وجهًا.

السياسي اليوم لا يصوغ قدر أمّته، بل يُسوّق بضاعته في مزاد الخوف.
الدولة لا تُدار بمفهوم السيادة، بل تُدار كفرع من شركة أمنية.
والمجتمع لا يُمثل، بل يُستثمر فيه، يُستنزف، يُراقب، ويُعاد تدويره إعلاميًا كسلعة.

ما يجري في أروقة السلطة في العالم العربي والعالمي ليس شأناً عاماً.
إنه مشهد من أوبرا ميتة، ممثلون يرتدون البدلات الفاخرة، يتحدثون عن التنمية، وهم ينهشون اللحم البشري.
يتحدثون عن الأمن القومي، وهم يحمون كراسيهم لا أوطانهم.
يتحدثون عن الإصلاح، وهم لا يُتقنون سوى إعادة إنتاج الخراب.


أما الأخلاق، فقد تم خنقها ببطء.
لم تُقتل بالرصاص، بل بالتطبيع.
تطبيع الظلم، تطبيع الفساد، تطبيع الأكاذيب، تطبيع الاحتلال، تطبيع الانبطاح.

في هذا الزمن، لم يعد الكذب استثناءً سياسيًا، بل صار اللغة الرسمية للمرحلة.
يُقال للناس: أنتم بخير، رغم أن جلودهم تتساقط من الجوع.
يُقال: هناك انتخابات، بينما الفائز معروف.
يُقال: هناك حرية رأي، بينما الحائط يتنصّت عليك.

السلطة صارت مسرحًا بلا نص، والناس كومبارس يُستدعون عند الحاجة، ويُرمون في الزوايا بعد التصفيق.

لكن المأساة الأكبر ليست في الحاكم، بل في المحكوم الذي كفّ عن الغضب.

حين يتعود الناس على المهانة، على السخرية من المعنى، على بيع كراماتهم من أجل كرتونة غذاء،
حين يُصبح الشرف سُبة، والمقاوم خطرًا، والمثقف مهرجًا،
حين يُجري المواطن حساباته على “أقل الضرر”،
فقد دخلنا مرحلة ما بعد الأخلاق: مرحلة اللاجدوى واللاكرامة واللاشعور الجمعي.

نحن لا نحتاج إلى انتخابات، بل إلى بعث ضمير.
لا نحتاج إلى تغيير الحكومات، بل إلى تغيير العقد الإنساني ذاته.


من نلوم؟
هل نلوم الزعيم الذي صار إلهًا؟
أم نلوم الأمة التي صنعت منه تمثالًا ثم عبدته؟
هل نلوم النظام الذي ينهب؟
أم نلوم الصمت العام الذي يُغذيه كل يوم؟
هل نلوم الإعلام الذي يُزيف؟
أم نلومنا لأننا صدّقنا وشاركنا وكررنا الأكذوبة؟

السياسة بلا أخلاق تُنتج مجازر.
والأخلاق بلا سياسة تُنتج عزلةً مقدسة.
لكننا الآن بلا الاثنين.

نحن في عصر “النظام الشبحي” –
لا تعرف من يُقرر، ولا متى تقرر، ولا أين ذهبت القرارات.
كل شيء يُقال… لكن لا شيء يُفعل.
كل شيء يبدو ديمقراطيًا… حتى الاختناق.
كل شيء مغطى بالشعارات… حتى القمع.

حتى اللغة نفسها فقدت معناها.
“حرية” صارت تعني “إياك أن تتكلم”.
“سيادة” تعني “تنسيق أمني”.
“كرامة” تعني “اصبر حتى تموت”.


ماذا نفعل؟
نُكمل في الدوران؟ نُصالح أنفسنا مع القبح؟
أم نصرخ – ولو وحدنا – في وجه الزيف؟

المرحلة اليوم لا تتطلب مشاريع سياسية، بل فعلًا تأسيسيًا جديدًا.
نحتاج إلى إعلان سقوط كل ما بُني.
نحتاج إلى الاعتراف: أننا شاركنا، صمتنا، صدّقنا، بل زغردنا أحيانًا حين سُحقت الحقيقة.

لكن بعد هذا الاعتراف، يأتي الدور الحقيقي:

أن نُعيد صياغة مفهوم السياسة بوصفها رعاية الخير العام، لا رعاية المصالح.
وأن نُعيد بناء الأخلاق بوصفها موقفًا لا موعظة، وفعلاً لا شِعارًا.
وأن نعيد للإنسان تعريفه: لا كمستهلك، ولا كمواطن، بل ككائن حر، يحيا بالكرامة أو لا يحيا.


هذا المقال ليس دعوة للثورة، بل لليقظة الكبرى.
الثورات قد تُخطَف، أما الوعي فلا يُسرَق.
ولا خلاص قبل أن نواجه أنفسنا:
بلا أقنعة، بلا شعارات، بلا تمنيات كاذبة.

السياسة حين تنفصل عن الأخلاق تُصبح سكينًا.
والأخلاق حين تنفصل عن السياسة تصبح بكاءً فارغًا.

لكن حين يلتقيان في لحظة صدق، تنبثق الشعوب من قبورها، وتكتب التاريخ من جديد.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد التطبيع: سيادة مُفرّغة، ووعيٌ قيد التدوير
- الذي رأى الصوت وهو ينزف (تتمة لقصيدة أغنية)
- أغنية
- قراءة نقدية مقارنة: الزمن في فكر هيرتوغ وفي إطار مشروعنا الع ...
- من رماد النار إلى ولادة الشرق: قراءة في نتائج الحرب واستشراف ...
- ما بين تل أبيب وطهران: حين تُطلق الصواريخ وتسقط العروش
- نتنياهو في قلب الإعصار: حرب إيران وحدود المناورة الصفرية
- نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجي ...
- أشعر…
- لماذا يتراجع ترامب؟ ولماذا بدأت إسرائيل بالانكفاء؟
- أريد…
- معمارية الرد السيادي المتعدد المحاور: تجسيد للرؤية الإيرانية ...
- الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أ ...
- بين جرأة إيلون ماسك وبلادة ترامب
- الوعي واللاوعي بين التحليل النفسي ونظرية تذبذب المعلومات (IO ...
- نظرية التذبذب المعلوماتي: الجمع بين ميكانيكا الكم والنسبية ف ...
- القصيدة التي حلمتُ بها
- عوالم لا حصر لها: رؤية علمية وإنسانية لموقعنا في الكون / مقا ...
- مرآة الرؤى المتكسّرة ( نوفيلا شعريّة رمزيّة )
- تراتيل جوفية


المزيد.....




- لطفي لبيب في المستشفى.. آخر تطورات وضعه الصحي
- الأردن يواجه -سماسرة الحجز الإلكتروني- بإجراءات جديدة على جس ...
- السويداء تشتعل: اشتباكات دامية تودي بحياة 13 شخصاً على الأقل ...
- حصيلة القتل والدمار والتجويع بغزة منذ العدوان الإسرائيلي
- فرضية تعمّد حرائق الساحل السوري.. شهادات ميدانية ونفي حكومي ...
- صحفي فرنسي: أوروبا فقدت توازنها أخلاقياً وسياسياً بموقفها من ...
- إجراءات للحكومة الأردنية لضبط تجاوزات على جسر الملك حسين
- تفاؤل أميركي بالمفاوضات وحماس والجهاد تتمسكان بشرط إنهاء الح ...
- إسرائيل تهاجم 150 هدفا في غزة.. وسقوط مئات القتلى والجرحى
- بين مساعدي الملك تشارلز وهاري.. ماذا وراء -الاجتماع السري-؟ ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - السياسة حين تتفسخ… والأخلاق حين تُخنق