|
لحن الوفاء الأخير، محمد عبد الكريم يوسف
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 08:29
المحور:
قضايا ثقافية
لحن الوفاء الأخير محمد عبد الكريم يوسف كانت الشمس تشرق ببطء فوق مياه البحر المتوسط الهادئة في بانياس، تلقي خيوطها الذهبية على المنشآت الصناعية العملاقة لشركة نقل النفط. في فجر كل يوم، قبل أن تبدأ حركة الحياة الصاخبة، كان صوت الأذان يرتفع من المساجد، يتبعه بعد قليل أجراس الكنائس. وفي خضم هذا النسيج الروحي المتنوع، كان شهاب يبدأ يومه. شابٌ في مقتبل العمر، تجاوز العشرين بالكاد، يملأه الشغف والطموح. لم يكن يمتلك الكثير، لكنه كان يمتلك إرادة صلبة وعزمًا لا يلين. في تلك الأوائل من تسعينيات القرن الماضي، التحق شهاب بشركة النفط العالمية، فرع بريتش بتروليوم (BP) في بانياس، كعامل عادي في قسم التشغيل. كانت وظيفته بسيطة، تتطلب جهدًا بدنيًا وتركيزًا، لكنها كانت بالنسبة له بوابة لمستقبل أفضل. لم يكن مجرد عامل، بل كان يرى نفسه جزءًا من منظومة أكبر، يتعلم من كل زاوية، ويطمح للارتقاء. كان يمتلك ذكاءً فطريًا وقدرة على الملاحظة، لم تغب عن نظر رؤسائه. كانت الأيام تمر ببطء في البداية، لكنها كانت مليئة بالاكتشافات. تعرّف على زملائه، مزيج من العمال المحليين والمهندسين الأجانب. تعلم مصطلحات جديدة، فهم آليات العمل المعقدة، وأدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد في هذا الصرح الصناعي الضخم. في أحد أيام الصيف الحارة، أرسله رئيس قسمه لإحضار بعض الأوراق من الإدارة الرئيسية للشركة. كانت الإدارة تقع في مبنى أنيق يختلف تمامًا عن ورشات التشغيل الصاخبة. عند وصوله إلى مكتب المدير، طلب منه الانتظار قليلًا، وقادته خطواته إلى مكتب السكرتيرة. وهناك، تغيرت حياته إلى الأبد. كانت تجلس خلف مكتبها الأنيق، امرأة شابة، ذات شعر أشقر ينسدل على كتفيها، وعينين زرقاوين كزرقة البحر الهادئ. كانت منهمكة في ترتيب بعض الملفات، وشغف العمل يضيء وجهها. كانت هي ليزا. بريطانية الأصل، قدمت إلى سوريا مع والديها اللذين كانا يعملان في الشركة نفسها. كانت تتحدث العربية بطلاقة، مع لكنة خفيفة تزيدها سحرًا. "مرحباً. هل يمكنني مساعدتك؟" سألت ليزا بابتسامة خفيفة، رفعت رأسها لتنظر إلى شهاب الواقف أمام مكتبها. شعر شهاب وكأن الزمن توقف. لم يكن قد رأى جمالًا كهذا من قبل، أو ربما لم يلتفت إليه بهذه الطريقة. كان يرى النساء في حياته كرفيقات، كأمه وأخواته، لكن ليزا كانت مختلفة. كانت تحمل في ملامحها مزيجًا من الجدية والرقة، من القوة والضعف. شعر بارتباك لم يعهده، وتلعثم في كلماته. "أنا... أنا شهاب. أرسلني الأستاذ جميل لأحضر بعض الأوراق من الأستاذ جون المدير." ابتسمت ليزا. "أهلاً بك شهاب. الأستاذ جون في اجتماع الآن. هل يمكنني أن آخذ منك الرسالة، وأخبره أنك تنتظره؟" "بالتأكيد." ناولها شهاب رسالة رئيس قسمه. تبادلا بضع كلمات عابرة أثناء انتظار شهاب. تحدثت ليزا عن حبها لسوريا، لجمال بحرها وجبالها. تحدث شهاب عن قريته، عن طموحاته في الدراسة والارتقاء. كانت محادثة بسيطة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في قلبيهما. منذ ذلك اليوم، بدأت شرارة صغيرة تشتعل بينهما. كلما سنحت الفرصة، كان شهاب يجد حجة لزيارة الإدارة. مرة لإحضار أوراق، ومرة لتسليم رسالة، ومرة لمجرد السؤال عن شيء لا علاقة له بعمله. كانت ليزا تستقبله بابتسامتها المشرقة، وبدأ الحديث يطول بينهما. اكتشف شهاب أنها فتاة طموحة، محبة للقراءة والموسيقى، وتتمتع بحس فكاهي راقٍ. اكتشفت ليزا في شهاب شابًا ذكيًا، ومثابرًا، ومحترمًا، يمتلك كبرياءً هادئًا وعزمًا على تحقيق ذاته. سرعان ما تحولت اللقاءات الرسمية إلى لقاءات خارج العمل. في البداية، كانت مجرد نزهات قصيرة على كورنيش بانياس، أو زيارات لمقاهي المدينة الهادئة. كانت يتحدثان عن أحلامهما، عن طموحاتهما، عن عائلتيهما. كان فارق الثقافة والدين موجودًا، لكنه لم يكن عائقًا. كانت القلوب تتحدث بلغة موحدة، لغة الحب. كانت قصة حبهما غير تقليدية في مجتمع محافظ كالمجتمع الذي يعيشان فيه. فتاة بريطانية وشاب سوري. لكن حبهما كان قويًا، صلبًا، قادرًا على مواجهة أي عوائق. كانا يجدان في بعضهما السند والدعم. أدرك شهاب أن ليزا ليست مجرد حبيبة، بل هي شريك في الحياة، تفهم طموحاته وتشجعه على تحقيقها. وأدركت ليزا أن شهاب هو الرجل الذي تتمناه، الرجل الذي يمنحها الأمان والاحترام والحب الصادق. بعد عامين من الحب العميق، قرر شهاب وليزا أن يتوجا قصتهما بالزواج. كانت خطوة جريئة، لكنهما كانا مستعدين لها. واجهوا بعض التحديات في البداية من بعض أفراد عائلتيهما، خاصةً من جهة ليزا التي كانت تخشى عليها من الاختلافات الثقافية. لكن إصرارهما وحبهما الصادق كان كفيلًا بإزالة كل هذه الحواجز. تمت مراسم الزواج في كنيسة صغيرة في بانياس، بحضور عائلتيهما وبعض الأصدقاء المقربين. كانت ليزا ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا، لكنها كانت تبدو كالملاك. وشهاب، ببدلته الأنيقة، كان يرى فيها كل أحلامه تتحقق. استقرا في منزل صغير وهادئ على أطراف بانياس، يطل على البحر. كان منزلًا بسيطًا، لكنه كان مليئًا بالحب والدفء. مرت السنوات الأولى من زواجهما بسعادة غامرة. كانا يقضيان أوقاتًا طويلة معًا، يستكشفان المدن السورية، يتعرفان على ثقافات بعضهما البعض، ويبنيان مستقبلهما المشترك. كانت رغبتهما المشتركة هي إنجاب الأطفال. كانا يتوقان لرؤية ثمرة حبهما تنمو أمامهما. لكن الأيام مرت، ومرت معها السنوات، ولم يرزقا بطفل. زارا الأطباء، خضعا للعلاجات، لكن مشيئة القدر كانت أقوى. لم يروق الزوجان بأولاد. كان هذا هو الألم الوحيد في حياتهما المثالية. لكنهما لم يسمحا لهذا الألم بأن يفرق بينهما. على العكس، زادهما هذا التحدي قربًا من بعضهما البعض. أصبح حبهما أعمق، مبنيًا على التضحية والتفهم والدعم المتبادل. في خضم هذا التحدي، وجدت ليزا في شهاب دعمًا لا يلين. لاحظت إمكاناته الكبيرة وذكاءه الفطري الذي كان يتجاوز بكثير مجرد عمله كعامل. كانت تشجعه دائمًا على مواصلة تعليمه، على تحقيق طموحاته التي لم يمتلك الفرصة لتحقيقها في صغره. "شهاب، أنت أذكى من أن تظل مجرد عامل. يجب أن تدرس، أن تكمل تعليمك. لديك عقلية هندسية، ولديك القدرة على أن تصبح مهندسًا كبيرًا في هذه الشركة." كانت تقولها له مرارًا وتكرارًا. في البداية، كان شهاب مترددًا. فكرة الدراسة في هذا العمر، بعد سنوات طويلة من الانقطاع، كانت تبدو مستحيلة. لكن ليزا كانت تؤمن به أكثر مما يؤمن هو بنفسه. كانت تبحث له عن الفرص، تشجعه على تقديم طلبات، وتسانده في كل خطوة. "سأكون بجانبك يا حبيبي. سأدعمك بكل ما أستطيع. لا تخف. هذا هو مستقبلنا." وبدعم وتشجيع لا محدود من ليزا، قرر شهاب أن يتفرغ للدراسة. قدم استقالته من عمله كعامل، وبدأ ببرنامج دراسي مكثف يؤهله لدراسة الهندسة في الخارج. كانت ليزا تتولى مسؤولية الدخل الرئيسي للأسرة، وتوفر له كل ما يحتاجه من كتب وموارد. بعد جهد جهيد، تمكن شهاب من الحصول على منحة دراسية في إحدى الجامعات المرموقة في لندن. كانت لحظة فخر لهما. سافر شهاب إلى لندن، وبقيت ليزا في بانياس تعمل في الشركة. كانت فترة صعبة عليهما، مليئة بالشوق والبعد. لكنهما كانا يتواصلان يوميًا، عبر المكالمات الهاتفية الطويلة والرسائل المليئة بالحب والأمل. كان شهاب يدرس بجد واجتهاد، مدفوعًا بحبه لليزا، ورغبته في رد الجميل لها. كان يتفوق في دراسته، ويبرز بين زملائه. وبعد أربع سنوات من العمل الشاق، تخرج شهاب بامتياز في الهندسة البترولية. كان يومًا تاريخيًا في حياته وحياة ليزا. عاد شهاب إلى سوريا، مهندسًا مؤهلًا، مليئًا بالخبرة والمعرفة. وكانت المفاجأة الكبرى أنه عاد ليعمل في الشركة ذاتها، بريتش بتروليوم في بانياس، ولكن هذه المرة كمهندس. كان هذا هو حلم ليزا له، وهذا ما حققه بفضل دعمها. احتفلا بعودته وبنجاحه. كان شعورًا لا يوصف بالانتصار. كانا يعتقدان أن كل الصعوبات قد انتهت، وأن حياتهما ستكون الآن أكثر استقرارًا وسعادة. بدأ شهاب مسيرته المهنية الجديدة كمهندس في الشركة التي بدأ فيها كعامل. كان ملتزمًا، دقيقًا، ومجتهدًا. سرعان ما أثبت كفاءته، وترقى في المناصب بسرعة. كانت ليزا سعيدة بنجاحه، تراه ينمو ويزدهر، وكأنها تزرع بذرة وتراها تكبر لتصبح شجرة باسقة. كانت هي سنده الذي لا يلين، حبيبته وزوجته وصديقته ومرشدته. مرت بضع سنوات أخرى، مليئة بالإنجازات المهنية لشهاب، وبالحب المتبادل بينهما. كانت حياتهما هادئة ومستقرة، رغم عدم إنجابهما للأطفال، إلا أنهما كانا يجدان السعادة في بعضهما البعض، وفي العائلة والأصدقاء. لكن القدر، يا صديقي، غالبًا ما يخفي أقسى الضربات في أكثر اللحظات سعادة. في أحد الأيام، بدأت ليزا تشعر بتعب غير مبرر. إرهاق مستمر، آلام خفيفة، وفقدان للشهية. في البداية، اعتبراها مجرد أعراض إرهاق من العمل، أو ربما نزلة برد. لكن الأعراض تفاقمت، وأصبحت أكثر إيلامًا. أصر شهاب على أن تزور طبيبًا. وبعد سلسلة من الفحوصات الطبية المعقدة، جاء التشخيص كالصاعقة. كلمات الطبيب كانت ثقيلة، تضرب القلب بقسوة: "سرطان. المرحلة المتقدمة." تجمّدت الدنيا في عيني شهاب. ليزا؟ حبيبته؟ زوجته؟ سنده؟ كيف يمكن أن يكون هذا صحيحًا؟ رفض التصديق، طلب فحوصات إضافية، استشار أطباء آخرين، لكن الحقيقة المرة كانت واحدة: ليزا مصابة بالسرطان، والمرض ينتشر في جسدها بسرعة. بدأت رحلة العلاج القاسية. جلسات كيماوي، إشعاع، آلام مبرحة. كانت ليزا، القوية والجميلة، تتحول تدريجيًا إلى ظل لذاتها. شعرها الأشقر تساقط، وجهها شحب، عيناها الزرقاوان فقدتا بريقهما. لكن روحها بقيت قوية. كانت تبتسم لشهاب، تحاول أن تخفف عنه ألمه، رغم ألمها الأشد. شهاب، الذي كان قويًا وصلبًا، انهار في داخله. كانت حياته كلها تدور حول ليزا. كانت هي مركز وجوده. الآن، كان يرى هذا المركز يتهدد بالاختفاء. لم يعد يرى شيئًا سوى ليزا، صحتها، راحتها. أخذ إجازة من عمله، وتفرغ للعناية بها. كان يطهو لها، يقرأ لها، يتحدث معها لساعات، يمسك بيدها ويروي لها القصص والذكريات. كان يحاول أن يمنحها الأمل، حتى عندما كان يعرف في قرارة نفسه أن الأمل يتلاشى. كان يعلم أن الوقت ينفد، وأن لحن حياتهما يقترب من نهايته. الأيام الأخيرة كانت الأقسى. تدهورت صحة ليزا بسرعة. كانت تتنفس بصعوبة، وتتحدث بصوت خافت. لكنها كانت تبتسم له، تضغط على يده، وكأنها تقول له: "أنا أحبك. لا تخف. أنا معك." في ليلة باردة من ليالي الشتاء، وبين ذراعي شهاب، فارقت ليزا الحياة. رحلت بهدوء، كأنها زهرة تذبل ببطء. تركته وحيدًا، في عالم أصبح مظلمًا بدونها. بكاء شهاب كان صامتًا، لكنه كان يمزق الروح. لم يكن مجرد بكاء، بل كان تمزقًا لروحه، لفؤاده، لكل ما بناه في حياته. كانت ليزا ليست مجرد زوجة، بل كانت سنده، روحه الثانية، النور الذي أضاء دربه. تم دفن ليزا في مدفن الكنيسة في بانياس، تلك الكنيسة الصغيرة التي شهدت زواجهما. كانت السماء تمطر قطرات خفيفة، وكأنها تبكي مع شهاب. وقف شهاب بجوار قبرها، عاجزًا عن النطق. كل ما كان يشعر به هو فراغ هائل، وبرد قارس يلف روحه. بعد وفاة ليزا، تغير شهاب. لم يعد الرجل المفعم بالحيوية والطموح. أصبح شخصًا هادئًا، صامتًا، وكأن جزءًا منه قد مات مع ليزا. لكن شيئًا واحدًا لم يتغير فيه: وفائه. كان وفائه لليزا هو اللحن الأخير الذي عزفه قلبه. قرر شهاب أن يجعل من قبرها مكانًا مميزًا، يليق بالحب الذي كان يجمعهما. صرف كل مدخراته، وبدأ في بناء قبر مميز لها. لم يكن مجرد شاهدة قبر، بل كان تحفة فنية من الرخام، محاطة بحديقة صغيرة اعتنى بها شهاب بنفسه. زرع فيها الورود والياسمين، الأشجار الصغيرة التي كانت ليزا تحبها. ومنذ ذلك اليوم، أصبح لشهاب طقسٌ يومي، أو بالأحرى أسبوعي، لا يتخلف عنه أبدًا. كل يوم أحد، مهما كانت الظروف الجوية، ومهما كانت مشاغله، كان شهاب يذهب إلى قبر ليزا. يرتدي أفضل ملابسه، وكأنه ذاهب إلى موعد غرامي. يحمل معه ركوة قهوة صغيرة، وفنجانين. واحد له، والآخر لليزا التي لم تعد موجودة. يجلس شهاب بجوار القبر، يصب القهوة في فنجانه، ثم يصب القهوة في فنجان ليزا الفارغ. يتحدث معها. يروي لها عن أخباره، عن تفاصيل يومه، عن ذكرياتهما المشتركة. كان يقرأ لها بعض الصفحات من كتبها المفضلة، أو يستمع إلى الموسيقى الهادئة التي كانت تحبها. كان يمضي ساعات هناك، يشاركها لحظات الصمت، يستمد منها الراحة، ويشعر بوجودها بقربه. كان هذا الوفاء العجيب يثير فضول من حوله. البعض كان ينظر إليه بعين الشفقة، والبعض الآخر بعين الإعجاب. لكن شهاب لم يكن يبالي. كان وفائه لليزا شيئًا خاصًا به، شيئًا يمنحه القوة ويجعله يشعر بأنها ما زالت حية في قلبه. تغيرت الشركة التي يعمل بها شهاب. أصبحت جزءًا من شركة أخرى، ثم أخرى. تغير الوجوه، وتبدلت الإدارات. لكن شهاب بقي في مكانه، يصعد في المناصب شيئًا فشيئًا، بذكائه ودقته والتزامه. أصبح مهندسًا مرموقًا، يشار إليه بالبنان في مجال تخصصه. كان دقيقًا في كل شيء. في عمله، في مواعيده، في قراراته، وفي حبه ووفائه. في أواخر أيامه، تشرفتُ بالتعرف على شهاب. كنتُ صحفيًا شابًا أعد تقريرًا عن تاريخ شركة النفط في بانياس، وقيل لي إنه من أقدم الموظفين وأكثرهم معرفة. قابلته في مكتبه. كان رجلًا مسنًا، لكن عينيه كانتا ما تزالان تحملان بريقًا خاصًا، بريقًا من الحكمة والحزن في آن واحد. تحدثتُ معه عن تاريخ الشركة، عن التحديات التي واجهها، عن نجاحاته. كان يتحدث بدقة متناهية، يتذكر التواريخ والأحداث بأدق تفاصيلها. ثم، وبشكل عفوي، سألته عن حياته الشخصية. تردد قليلًا، ثم بدأت عيناه تلمعان بدموع خفيفة. روى لي قصة ليزا. روى لي قصة حبهما، قصة زواجهما، قصة معاناتها مع المرض، وقصة وفائها الأبدي لها. "كل يوم أحد، أذهب إليها. أتناول قهوتي معها. أتحدث إليها." قالها بصوت خافت، وكأنه يهمس بسر مقدس. سألته: "هل تشعر بأنها تسمعك؟" ابتسم ابتسامة حزينة. "أشعر بوجودها. أشعر بأنها بجانبي. هذا ما يمنحني القوة." كانت حكاية شهاب ولحن وفائه مؤثرة جدًا. كانت قصة رجل أحب بصدق، ووفى بصدق، حتى بعد أن غاب من يحب. كان وفائه ليزا درسًا لكل من حولي. لم أره بعد ذلك اللقاء كثيرًا. سمعت أنه تقاعد من العمل، لكنه استمر في طقوسه الأسبوعية. بقي مواظبًا على عاداته القديمة: الدقة، الوفاء، زيارة ليزا، وفنجان القهوة. وفي أحد أيام الربيع، وبعد سنوات قليلة من لقائي به، وصلني خبر وفاته. رحل شهاب بهدوء، كما عاش. دفن بجوار ليزا في مدفن الكنيسة ذاتها، في الحديقة الصغيرة التي بناها لها. استراح أخيرًا بجوارها للأبد، بعد سنوات طويلة من الوفاء الصامت، والانتظار الصابر. أصبحت زيارة قبريهما معلمًا في بانياس. أزورهما أحيانًا، أرى القبرين المتجاورين، الحديقة الخضراء، وأتذكر لحن الوفاء الأخير الذي عزفه شهاب. كان لحنًا حزينًا، لكنه كان مليئًا بالحب، والإخلاص، والتفاني. كان تذكيرًا بأن الحب الحقيقي لا يعرف الحدود، ولا يتوقف بانتهاء الحياة. إنه يستمر، كصدى لروحين التقتا، وتوحدتا، وبقيا معًا إلى الأبد.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول حب، آخر حب محمد عبد الكريم يوسف
-
سميحة: عالم بلا قيود
-
ليتني قد مت قبل الذي قد مات من قبلي
-
المحطة قبل الأخيرة
-
كرز في غير أوانه2 ، محمد عبد الكريم يوسف
-
مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (4)
-
مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (3)
-
مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (1)
-
مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (2)
-
النظام العالمي - ارتجال بالتصميم
-
سقوط النازية وتداعيات الحرب
-
عدو ما يجهل: لعنة سوء الفهم
-
الطريق إلى دمشق: ما الشيء الذي كاد نتنياهو أن يكشفه للأسد عا
...
-
رانديفو: حكاية قلبٍ بريء وقطارٍ فات
-
وصايا الضحايا: حكاياتٌ من ركام الكراهية
-
قلب روسي حقيقي: ألكسندر دوغين، فلاديمير بوتن والأيديولوجية ا
...
-
حرب كشمير المنسية تتحول إلى حرب عالمية
-
لورنس العرب يتحدث عن الحرب: كيف يطارد الماضي الحاضر
-
أشباح الشرق الأوسط القديم
-
لماذا يجد الناس أن قرع الطبول أسهل من التفكير؟
المزيد.....
-
أمريكا: هبوط اضطراري لطائرة بملعب غولف.. ومصادرة كوكايين بقي
...
-
سوريا.. عشائر الجنوب تعلق على بيان الرئيس أحمد الشرع
-
سوريا.. أحمد الشرع يعلق على أفعال بعض الدروز في السويداء وال
...
-
سوريا: الرئاسة تعلن وقف إطلاق نار -فوري- في السويداء وتدعو ك
...
-
الشرع: سوريا ليست ميدانا لمشاريع الانفصال
-
فريدريش ميرتس ..لماذا يشكر إسرائيل على قيامها بـ-أعمال قذرة-
...
-
الاحتلال يوسع اقتحاماته بالضفة ويجبر فلسطينيين على هدم منازل
...
-
لماذا لا تُصنّع هواتف -آيفون- في أميركا؟
-
قوات العشائر السورية تدخل عددا من البلدات في محافظة السويداء
...
-
القنبلة التي قد تعيد تفجير الصراع بإقليم تيغراي الإثيوبي
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|