أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - سميحة: عالم بلا قيود















المزيد.....

سميحة: عالم بلا قيود


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 23:11
المحور: قضايا ثقافية
    



‏في مدينة "زهرة"، حيث تتراقص أشعة الشمس الذهبية على أسطح المنازل الملونة، وتنتشر رائحة الياسمين في كل زاوية، لم يكن الأمر مجرد حلم. هنا، حكمت النساء العالم، ليس بقوة السيف، بل بقوة العقل والحكمة، وسميحة كانت تجسيدًا حيًا لهذه الفلسفة. منذ نعومة أظفارها، تربت سميحة على مبادئ الانضباط الصارم الذي زرعته فيها والدتها، وهي إحدى القائدات اللاتي صاغن دستور "زهرة". لم يكن الانضباط مجرد قواعد تُفرض، بل كان أسلوب حياة، يبدأ من تنظيم غرفتها الصغيرة وصولاً إلى الالتزام بمواعيدها بدقة متناهية. كانت تدرك أن النظام هو أساس البناء، وأن الفوضى تهدم حتى أقوى الأمم.

‏كانت سميحة تبلغ الثلاثين من عمرها عندما تقلدت منصب "حاكمة المدينة"، بعد أن أثبتت جدارتها في العديد من المناصب القيادية. كانت تمتلك عينين ثاقبتين تحملان نظرة ثاقبة للمستقبل، وابتسامة دافئة تخفي وراءها عقلًا استراتيجيًا لا ينام. فور استلامها زمام الأمور، كان أول ما لفت انتباهها هو قوة الجيش والشرطة. لم يكن جيش "زهرة" مبنيًا على العضلات، بل على الذكاء والتكتيك. كانت وحدات الجيش تتكون من نساء مدربات تدريبًا عاليًا على فنون القتال والدفاع عن النفس، مع التركيز على الاستراتيجية والتخطيط بدلاً من القوة المفرطة. كانت الشرطة، التي تتألف غالبيتها من النساء أيضًا، تعمل على حفظ الأمن والنظام، ليس بالقمع، بل بالوقاية والتوعية. كانت برامج إعادة التأهيل للمجرمين تركز على فهم الأسباب الجذرية للجريمة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. كان شعارهن: "نحن نحمي، لا نُخضع".

‏اهتمت سميحة بملف التعليم اهتمامًا غير مسبوق. كانت تؤمن بأن التعليم هو حجر الزاوية في بناء مجتمع قوي ومزدهر. ألغت نظام التعليم التقليدي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين، واستبدلته بنظام يعتمد على التفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات. كانت المدارس مفتوحة للجميع، بغض النظر عن الجنس أو الطبقة الاجتماعية، وكان التركيز على تطوير المهارات العملية والعلمية. أُنشئت معاهد متخصصة في العلوم، والتكنولوجيا، والفنون، والتصميم. شجعت سميحة الفتيات على دراسة الهندسة والفيزياء والكيمياء، ومارست بنفسها دورًا رياديًا في دعم الاختراعات الجديدة. كانت مدينة "زهرة" تشتهر بكونها مركزًا للابتكار، حيث تُقام مسابقات سنوية لاكتشاف المواهب الشابة، وتُقدم الدعم المادي والمعنوي للمخترعين. بفضل جهودها، شهدت "زهرة" طفرة في مجال الطاقة المتجددة، وتطوير أنظمة زراعة ذكية، واختراعات طبية ثورية أطالت أمد الحياة ورفعت من جودتها.

‏لم يكن لسميحة أي تسامح مع الفساد، وخاصة فيما يتعلق بـ المحاسبة. وضعت نظامًا ماليًا صارمًا وشفافًا، لا يسمح بأي تلاعب أو اختلاس. كانت جميع المعاملات المالية تُسجل وتُراجع بدقة، وكان هناك فريق من المراجعات الماليّات المستقلات يضمنن النزاهة. كانت العقوبات صارمة على المخالفين، ولكنها كانت عادلة، وتهدف إلى ردع الفساد قبل حدوثه.

‏وفي عالم حكمته النساء، كان عالم الرجال مختلفًا تمامًا. لم يكن الرجال مضطهدين، بل كانوا محترمين ومقدرين. كان دورهم مكملًا لدور النساء. كان الرجال يتولون مسؤوليات معينة في المجتمع، مثل رعاية الأطفال، ودعم الأسر، والعمل في مجالات تتطلب قوة بدنية أو مهارات معينة. كانت هناك مدارس خاصة لتعليم الرجال مهارات الأبوة والأمومة، وفنون الطبخ، والحرف اليدوية. لم يكن هناك تنافس بين الجنسين، بل كان هناك تعاون وتكامل، مما أدى إلى مجتمع متوازن ومزدهر. كانت سميحة تؤمن بأن قوة المجتمع تكمن في توازن الأدوار واحترام الفروق الفردية.

‏أولت سميحة اهتمامًا كبيرًا بـ الخدمة العامة. كانت تعتقد أن كل مواطن مسؤول عن خدمة المجتمع بطريقته الخاصة. أطلقت برامج تطوعية واسعة النطاق، تشجع الجميع، نساءً ورجالًا وأطفالًا، على المشاركة في تنظيف الشوارع، وزراعة الأشجار، ومساعدة كبار السن. كانت الفرق التطوعية تعمل على مدار الساعة، مما جعل "زهرة" مدينة نظيفة وجميلة.

‏كانت سميحة صارمة جدًا فيما يتعلق بـ الرشاوي. كانت تعتبرها جريمة لا تغتفر، لأنها تقوض ثقة الناس في النظام. وضعت نظامًا صارمًا لمكافحة الرشوة، يتضمن مراقبة دقيقة للمعاملات المالية، وإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن أي شبهات فساد. كانت العقوبات على الرشوة قاسية، وتصل إلى السجن، مصحوبة بتجريد المرتشي من جميع حقوقه المدنية.

‏كانت العناية بالأسرة هي الركيزة الأساسية في مجتمع "زهرة". كانت سميحة تؤمن بأن الأسرة القوية هي أساس المجتمع القوي. قدمت الحكومة دعمًا كبيرًا للأسر، بما في ذلك إجازات أمومة وأبوة مدفوعة الأجر، ودور حضانة عالية الجودة، وبرامج دعم للأسر التي تواجه صعوبات. كان هناك تركيز على تعزيز الروابط الأسرية، وتشجيع التواصل بين الأجيال. لم يكن هناك تهميش لكبار السن، بل كانوا يحظون بالاحترام والرعاية، وكانت خبرتهم تُقدر وتُستفاد منها في بناء المجتمع.

‏كانت النظافة هي شعار مدينة "زهرة". لم تكن النظافة مجرد مسؤولية فردية، بل كانت مسؤولية جماعية. كانت الشوارع تُنظف يوميًا، وكانت الحدائق العامة تُعتنى بها بعناية فائقة. أطلقت سميحة حملات توعية مستمرة حول أهمية النظافة، وأشرفت بنفسها على فرق التفتيش للتأكد من التزام الجميع. كانت النتيجة مدينة تشع نظافة وجمالًا، مما انعكس إيجابًا على صحة السكان ورفاهيتهم.

‏وفيما يتعلق بـ القانون والمحاكم، قامت سميحة بإصلاحات جذرية. كان القانون في "زهرة" يعتمد على العدالة والإنصاف، وليس على الثغرات القانونية. كانت المحاكم تعمل بشفافية تامة، وكان القضاة، ومعظمهن من النساء، يتمتعن بسمعة طيبة في النزاهة والحياد. كانت الدعاوى تُنظر بسرعة، وكان التركيز على تحقيق العدالة لجميع الأطراف. أُنشئت محاكم خاصة بالنزاعات الأسرية، تركز على حل المشكلات وديًا، والحفاظ على كيان الأسرة قدر الإمكان.

‏كانت مسألة نسب الأولاد حساسة للغاية، لكن سميحة تعاملت معها بحكمة. لم يكن نسب الأولاد يعتمد على الزكاة أو النسب بالدم فقط، بل كانت هناك قوانين صارمة لضمان حقوق الأطفال، بغض النظر عن ظروف ولادتهم. كانت هناك برامج لدعم الأمهات العازبات، وضمان حصول الأطفال على الرعاية والتعليم اللازمين. كان القانون يضمن حقوق الأطفال المهجورين، وكانت هناك دور رعاية مجهزة تجهيزًا كاملاً لتقديم أفضل رعاية لهم، ودمجهم في المجتمع.

‏أولت سميحة اهتمامًا خاصًا بـ الحدائق والآثار والغابات. كانت تؤمن بأن الجمال الطبيعي والتراث الثقافي جزء لا يتجزأ من هوية المدينة. أُنشئت حدائق جديدة في كل حي، وزُرعت آلاف الأشجار، مما جعل "زهرة" مدينة خضراء يانعة. كانت هناك فرق متخصصة في صيانة الآثار القديمة، والحفاظ عليها للأجيال القادمة. تم حماية الغابات المحيطة بالمدينة، ومنع أي قطع جائر للأشجار، مما ساعد على الحفاظ على التنوع البيولوجي.

‏أما الشوارع في "زهرة"، فكانت قصة أخرى. لم تكن مجرد طرق للمركبات، بل كانت شرايين الحياة في المدينة. صُممت الشوارع لتكون آمنة للمشاة، ومزودة بمسارات خاصة للدراجات. كانت هناك إنارة جيدة، وعلامات واضحة، مما جعل التنقل سهلاً وآمنًا. كان هناك نظام فعال لإدارة حركة المرور، مما قلل من الاكداسات المرورية والتلوث.

‏وكانت الاتصالات هي شريان الحياة في "زهرة". استثمرت سميحة بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للاتصالات، مما جعل الوصول إلى الإنترنت فائق السرعة متاحًا للجميع. كانت هناك شبكة اتصالات قوية وموثوقة تربط جميع أنحاء المدينة، وتسهل التواصل بين السكان والمؤسسات الحكومية. أُطلقت منصات رقمية لتسهيل الحصول على الخدمات الحكومية، مما وفر الوقت والجهد على المواطنين.

‏في هذا العالم الذي حكمته النساء، لم يكن هناك صراع دائم، بل كان هناك سعي مستمر للتعاون والوئام. لم يكن هناك فساد مستشرٍ، بل كان هناك نظام صارم يضمن النزاهة. لم يكن هناك تهميش لأي فئة، بل كان هناك احترام وتقدير للجميع. كانت سميحة هي رمز هذا التحول، المرأة التي قادت "زهرة" نحو مستقبل مشرق، حيث القوة الحقيقية تكمن في الحكمة، والرحمة، والتوازن.

‏لم تكن "زهرة" مجرد مدينة، بل كانت نموذجًا للعالم الذي يمكن أن يكون لو حكمت النساء. عالم حيث تُقدر الحياة، وتُحترم الكرامة، ويُسعى إلى العدالة. عالم يزدهر فيه الإبداع، وتُحمى فيه البيئة، وتُعتنى فيه بالأسرة. عالم حيث السلام ليس مجرد حلم، بل حقيقة تعيشها الأجيال القادمة. وسميحة، بابتسامتها الهادئة وعينيها الثاقبتين، كانت دليلًا حيًا على أن هذا العالم ممكن، بل وواقعي.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليتني قد مت قبل الذي قد مات من قبلي
- ‏المحطة قبل الأخيرة ‏
- كرز في غير أوانه2 ، محمد عبد الكريم يوسف
- مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (4)
- مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (3)
- مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (1)
- مدرسة شملان ، كتاب في حلقات (2)
- النظام العالمي - ارتجال بالتصميم
- سقوط النازية وتداعيات الحرب
- عدو ما يجهل: لعنة سوء الفهم
- الطريق إلى دمشق: ما الشيء الذي كاد نتنياهو أن يكشفه للأسد عا ...
- رانديفو: حكاية قلبٍ بريء وقطارٍ فات
- وصايا الضحايا: حكاياتٌ من ركام الكراهية
- قلب روسي حقيقي: ألكسندر دوغين، فلاديمير بوتن والأيديولوجية ا ...
- حرب كشمير المنسية تتحول إلى حرب عالمية
- لورنس العرب يتحدث عن الحرب: كيف يطارد الماضي الحاضر
- أشباح الشرق الأوسط القديم
- لماذا يجد الناس أن قرع الطبول أسهل من التفكير؟
- تواصلني حين لا ينفع الوصل: قصة لم تكتمل
- كرز في غير أوانه: حكاية حب في زمن الحرب


المزيد.....




- هل نحتاج إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات أقوى وجسم سليم؟
- ألمانيا ـ نسبة تلاميذ المدارس بخلفيات مهاجرة تثير زوبعة سياس ...
- إسرائيل وسوريا يتفقان على وقف إطلاق النار والاشتباكات مستمرة ...
- -كهانا حي-.. من جماعة محظورة إلى نفوذ في الأجهزة الأمنية الإ ...
- قاضية أميركية توقف تنفيذ أمر ترامب بشأن -الجنائية الدولية-
- قصة -الصندوق الأسود- لعصر حسني مبارك
- قواعد أميركية جديدة تدفع سائقي الشاحنات المكسيكيين لتعلم الإ ...
- عاجل | مصادر في مستشفى ناصر: 5 شهداء وعشرات المصابين بنيران ...
- طالب بـ10 مليارات دولار..ترامب يقاضي وول ستريت جورنال ومردوخ ...
- إعلام سوري.. تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - سميحة: عالم بلا قيود