أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... تنزفُ في عرض البحر!














المزيد.....

غزّة... تنزفُ في عرض البحر!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 15:36
المحور: القضية الفلسطينية
    


على ظهر سفينةٍ تتقاذفها الأمواجُ في عرض البحر، يروي المناضل الاردني غالب هلسا لحظةً لم يكن فيها الغدرُ من العدو، بل من الأخ. مقاتلون أنهكتهم المعارك، خرجوا من بيروت بعد حصارٍ ثلاثيّ الأنياب: قنابل العدو، وخيانة الأشقاء، وصمت العالم. وحين اشتدّت حاجتهم إلى قطرة ماء، كان البحرُ المحيط بهم أقلَّ ملوحةً من قلوب أولئك الذين أغلقوا الموانئ، وصمّوا آذانهم، ودفنوا نخوتهم تحت رمال النفط.

تلك اللحظة البعيدة التي سردها هلسا قبل عقود، ليست بعيدةً عنّا اليوم، ولم تنتهِ بانتهاء الحصار. لقد امتدّت، وتضخّمت، وتشظّت، حتى غطّت غزة كلّها؛ المدينة التي صارت سفينةً بلا ميناء، تقاوم الغرق في كل لحظة، ويتناوب على طعنها الجوعُ، والخذلان، والخيانة والقصف.

غزة اليوم تعيش تحت حصارٍ لا يُقاس، لا بالميناء ولا بالمطار. لا الماءُ يصلها، ولا الدواء، ولا حتى شريان الإنسانية. وبينما يموت أطفالها عطشى تحت الأنقاض، لا تزال موانئ بعض "الأشقاء" مفتوحةً أمام السفن العابرة، لكنها مغلقةٌ أمام جراح غزة. المساعدات لا تأتي إلا حين تسمحُ بها حسابات السياسة، والشفقة تأتي متأخرةً – إن جاءت.

غزة، مثل تلك السفينة، تلفظ أنفاسها وسط صمت القريب قبل البعيد. وللمفارقة التي لا تقلُّ وجعاً عن زورق العدو على شواطئ جدة، أن العالم كلّه يعلم، ولكن قليلين فقط يتحركون. الأساطيل التي تطوف البحار باسم "حقوق الإنسان" تمرُّ بجوار المجازر ولا تتوقّف. حتى الحليب صار مشروعاً مقاوماً، والماء تهمة، والأنقاض مسكناً دائماً.

لو بُعث غالب هلسا اليوم، ورأى غزة، لأدرك أن ما حدث قرب ميناء جدة لم يكن حالةً شاذّة، بل كان بدايةً لمسلسل طويل من الطعن في الظهر؛ مسلسل تُكتب حلقاته بالدم، وتُبثّ على شاشاتٍ تبكي قليلاً، ثم تنسى.

غزة اليوم ليست بحاجةٍ فقط إلى الطعام والماء، بل إلى ضميرٍ حيّ، إلى صرخة تُسمع خارج الصالات الزجاجية التي تُصاغ فيها بيانات التضامن. غزة لا تطلب معجزة، بل أن تُعامل، على الأقل، كما عومل زورق العدو، لا أكثر.

أيُّ زمنٍ هذا، يُمنح فيه العدوُ الخبز والوقود، بينما يُترك الأخُ يموت على قارعة الطريق؟

وغزة، تلك المدينة التي لم تَعُد تُقصفُ بالقنابل وحدها، بل بالصمت.
غزة التي لم تَعُد تنتظر النصر، بل تنتظر أن يراها أحد.
لم تَعُد تراهنُ على قلوب العالم، بل على ما تبقّى من أنفاس تحت الركام.
في غزة، الأطفال يولدون وفي عيونهم الخوف، وتكبر الأمهات وفي صدورهن مراثٍ لم تُكتب بعد.

في غزة، الموت ليس نهاية، بل بدايةٌ لحياةٍ أخرى من النسيان.
في غزة، لا يأتون بالماء، ولا يُرسِلون الدواء، ولا يسمحون حتى بأن ندفن شهداءنا بكرامة.

فأيُّ عارٍ أكبر من أن تغرق غزة، وأهلها يمدّون أيديهم إلى إخوةٍ أغلقوا أبوابهم وقلوبهم معاً؟
أيُّ موتٍ أشدُّ من أن تعيش على قيد الحياة، فقط لتُذكِّر العالم بخيانته لك؟

غزة لا تموت، لكنها أيضاً لا تعيش. إنها تتأرجح بين نارين: نار الحصار، ونار الخذلان.
وغداً، حين يُكتَب التاريخ، لن يُسجَّل فقط أسماء القتلة، بل أسماء الذين خانوا، وصمتوا، وخذلوا أيضاً.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة تنزف بصمت... وأمريكا تُدير المجزرة!
- غزّة وحدَها... والعُروبةُ في غيبوبةٍ!
- سمعان ميشال حطّاب (أبو إيلي)... من الأشرفيّة إلى مخيم شاتيلا ...
- غزّة تُذبحُ... والأُمّةُ تتوضّأُ للصّلاةِ!
- ناجي العلي رسمها، ونزار بنات نطق بها: سيرةُ وطنٍ يغتالُ أبنا ...
- وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يو ...
- الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!
- خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...


المزيد.....




- السعودية.. وفاة -الأمير النائم- بعد دخوله في غيبوبة دامت 21 ...
- السعودية.. من هو -الأمير النائم- بعد إعلان وفاته إثر تعرضه ل ...
- مباحثات أردنية سورية أمريكية لدعم تنفيذ اتفاق الهدنة في السو ...
- بهدف الوصول إلى السويداء.. استمرار توافد مقاتلي العشائر إلى ...
- الرسوم الجمركية الأمريكية على البرازيل تؤثر سلبًا على المسته ...
- لماذا فضل فيرتز الانتقال لليفربول وليس إلى بايرن ميونيخ؟
- فيتنام: مقتل 34 شخصا وفقدان أخرين إثر انقلاب قارب سياحي فى خ ...
- قراءة في موجة انتحار الجنود الإسرائيليين.. أعراض ما بعد الحر ...
- واشنطن بوست: تخفيضات تمويل البث العام تترك سكان الريف الأمير ...
- 104 شهداء والاحتلال يتمادى باستهداف طالبي المساعدات في غزة


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... تنزفُ في عرض البحر!