طوفان الأقصى 633 - كلفة الحرب الإسرائيلية على إيران: دراسة تحليلية في البُعد الإقتصادي والتمويل الجيوسياسي

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 00:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

30 يونيو 2025

شهدت منطقة الشرق الأوسط في عام 2025 مواجهة عسكرية واسعة بين إسرائيل وإيران، وصلت ذروتها الشهر المنصرم، وكان لها أثر بالغ على ميزانيات الدولتين، خصوصًا إسرائيل، التي تحملت عبئًا ماليًا غير مسبوق. تثير هذه الحرب تساؤلات عميقة حول مصادر التمويل، وقدرة الإقتصاد الإسرائيلي على تحمّل التكاليف، والدور الأمريكي – والغربي عمومًا – في تمكين تل أبيب من مواصلة سياستها العسكرية التوسعية.
تهدف هذه الدراسة التي نشرتها مؤسسة الثقافة الإستراتيجية بقلم الكاتب والمحلل السياسي والمراسل الصحفي الروسي فلاديمير ماليشيف في 28 يونيو 2025 إلى تحليل كلفة الحرب الإسرائيلية على إيران، وإستكشاف مصادر التمويل، مع الإستناد إلى تصريحات مسؤولين ومصادر إقتصادية موثوقة.
---

أولًا: التكلفة اليومية للحرب – أرقام مذهلة

بحسب جنرال الاحتياط في الجيش الإسرائيلي رئيم أمينوآخ، وهو مستشار مالي سابق لرئيس الأركان ورئيس قسم الميزانية في وزارة الدفاع، فإن تكلفة الحرب مع إيران بلغت 725 مليون دولار يوميًا، أي ما يعادل 2.75 مليار شيكل (المصدر: News18). ويشير أمينوآخ إلى أن "الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى على إيران وحدها كلفت 593 مليون دولار، بما يشمل الذخائر والطيران وغيرها من التكاليف المباشرة".

ويضيف: "فقط خلال اليومين الأولين من الحرب بلغت تكلفة العمليات 1.45 مليار دولار. وقد توزعت النفقات بالتساوي بين الهجوم والدفاع، بينما لم يُحسب بعد الضرر الإقتصادي غير المباشر أو الخسائر في الممتلكات المدنية."
وتتفق مجلة The Economist مع حجم الإنفاق، وإن كانت تقديراتها اليومية أقل، إذ قدّرت التكلفة اليومية بـ300 مليون دولار، وهي تشمل بالأساس تكلفة الوقود والذخائر الجوية.
---
ثانيًا: ضعف الموارد الذاتية – إقتصاد صغير بإمكانات محدودة

يتناول الباحث والمؤرخ الإيطالي أليساندرو فولبي، في تحليل نُشر في موقع Antidiplomatico، هشاشة الإقتصاد الإسرائيلي أمام حرب بهذا الحجم، ويورد التالي: "الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل يبلغ نحو 500 مليار دولار، أي ما يزيد قليلًا عن منطقة لومبارديا الإيطالية. لكن إسرائيل أنفقت على عملياتها العسكرية في عام 2024 نحو 70 مليار دولار، بينما لا تتجاوز عائداتها الضريبية 200 مليار. نسبة العجز تخطت 8%، والدين العام قفز بأكثر من 15 نقطة خلال عامين فقط."

ويخلص فولبي إلى أن إسرائيل "لا تستطيع خوض الحروب إعتمادًا على مواردها الذاتية"، بل تعتمد إعتمادًا شبه كلي على الدعم الخارجي، خصوصًا الأمريكي، إضافة إلى ديون من مصارف وصناديق إستثمار أوروبية وأمريكية.
---
ثالثًا: الدور الأمريكي – التمويل بلا شروط

وفقًا لموقع Axios الأمريكي، بلغت قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل 130 مليار دولار منذ تأسيسها، وتتلقى إسرائيل سنويًا 3.8 مليار دولار بموجب إتفاق أُبرم في عهد أوباما. تمثل هذه المساعدات حوالي 15% من الميزانية الدفاعية الإسرائيلية، وهي تُقدَّم على شكل منح لشراء الأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية، بما في ذلك مقاتلات F-35. "بفضل هذه المساعدات، أصبحت إسرائيل تمتلك أحد أقوى وأحدث الجيوش في الشرق الأوسط. كما أن حجم التجارة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بلغ قرابة 50 مليار دولار سنويًا."
وتُعدّ إسرائيل الشريك العسكري الأول للولايات المتحدة في المنطقة، وإمتدادًا إستراتيجيًا مباشرًا لنفوذها.
---
رابعًا: أوروبا والخليج – التمويل غير المرغوب

من اللافت أن إسرائيل حاولت توسيع قاعدة تمويل الحرب عبر طلب غير مباشر من دول الخليج وأوروبا. وقد قوبل هذا المسعى برفض صارم من الإمارات، حيث إنتقد المستشار الإماراتي أنور قرقاش ما نسب لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من مطالبة دول الخليج بتمويل الحرب، وكتب: "مثل هذا الإقتراح ليس إلا إعلان إفلاس أخلاقي من متطرف لا يدرك عواقب التصعيد."
ورغم حذف قرقاش للتغريدة لاحقًا ونفيه أن التصريح جاء فعلًا من سموتريتش، إلا أن الحادثة تعكس عمق العزلة السياسية لإسرائيل خارج الدائرة الأمريكية.
---
خامسًا: النتائج الإستراتيجية – حروب بدعم أجنبي

يرى الباحث الروسي فلاديمير ماليشيف أن الحرب مع إيران لا تُفهم فقط ضمن منطق التكلفة المالية، بل بإعتبارها إنعكاسًا للبنية الجيوسياسية التي تسمح لإسرائيل بإرتكاب "الفظائع" بغطاء تمويلي غربي: "بأخذ قلة الموارد الذاتية لإسرائيل في الحسبان، فإن المسؤولية عن ما يجري في الشرق الأوسط تقع إلى حد كبير على عاتق الغرب الذي ينتحل صفة "الحر". إن الحرب الأخيرة فاقمت من أزمة الدولار والدين الأمريكي، بل أطلقت بداية نهاية البترودولار."

ويدعم هذا الطرح البروفيسور الروسي فالنتين كاتاسونوف، الذي يرى أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تشبه علاقة "الكلب وذيله"، متسائلًا: "من هو السيد الحقيقي؟".
---
وفي النهاية لا بد من التساؤل: هل تستطيع إسرائيل تحمّل الحرب بمفردها؟

من خلال تحليل الأرقام والمعطيات، يتضح أن:
-إسرائيل لا تستطيع تمويل الحروب الكبرى إعتمادًا على ميزانيتها الوطنية.
-الدعم الأمريكي، المعلن والخفي، هو المصدر الأساسي لقدرة إسرائيل على شن الحروب.
-العبء الإقتصادي للحرب يتحمله في نهاية المطاف دافعو الضرائب الأمريكيون والأوروبيون، ما يجعل المجتمعات الغربية شريكة في النتائج الكارثية للحروب الإسرائيلية، سواء في غزة أو إيران.
المفارقة الأخلاقية والسياسية تكمن في أن إسرائيل تطالب بالدعم بينما ترتكب جرائم إبادة بحق شعوب المنطقة.
---
🔻 النتائج الجيوسياسية لحرب إسرائيل مع إيران (2025)
1. زعزعة الاستقرار الإقليمي وتوسيع نطاق المواجهة
الحرب بين إسرائيل وإيران لم تبقَ في إطار مواجهة تقليدية، بل مثّلت تهديدًا مباشرًا لنظام الردع الإقليمي برمّته. إذ قامت تل أبيب بغارات مكثفة على إيران، وردت الأخيرة بإطلاق صواريخ باليستية على العمق الإسرائيلي، ما فتح الباب أمام إحتمال تحوّل المواجهة إلى نزاع إقليمي أوسع يشمل حزب الله وسوريا وربما اليمن والعراق.
2. إنكشاف الفجوة الإستراتيجية الأمريكية – الأوروبية
رغم أن الولايات المتحدة كانت حليفًا مطلقًا لإسرائيل، فإن كثيرًا من العواصم الأوروبية – خصوصًا في ألمانيا وفرنسا – أبدت تحفظًا شديدًا تجاه التصعيد، ما كشف عن فجوة إستراتيجية آخذة في الإتساع داخل معسكر "الغرب الجماعي". وقد وصف أليساندرو فولبي هذا الوضع بـ: "تحالف هش قائم على الإبتزاز الأخلاقي والتاريخي أكثر من كونه قائمًا على المصالح المشتركة."
3. تسارع تراجع "البترودولار"
يرى فلاديمير ماليشيف وفولبي أن الهجوم الإسرائيلي على إيران أدّى إلى إهتزاز الثقة في الدولار، خصوصًا أن إيران حاولت تصفية بعض معاملات الطاقة خارج النظام المالي الغربي. وبحسب النص: "الهجوم الإسرائيلي على إيران فاقم من مصير الدولار والدين الأمريكي، وأعلن عمليًا عن إختفاء البترودولار."
4. تعزيز محور المقاومة وإعادة تموضع الصين وروسيا
رغم أن موسكو وبكين إلتزمتا الحذر الظاهري، فإن الحرب الأخيرة كشفت لهما حدود قدرة الغرب على التحكم بمفاتيح الأمن الإقليمي، ودفعت بهما نحو توسيع دعم البنى الدفاعية لإيران وحلفائها. وبذلك إزدادت الهوة بين النظام العالمي الأحادي القطبية والنظام المتعدد الناشئ.
---
🔻 التأثير الداخلي للحرب داخل إسرائيل
1. إنكشاف الهشاشة الإقتصادية
رغم الصورة النمطية عن إسرائيل كقوة تكنولوجية وإقتصادية، فإن الحرب مع إيران كشفت هشاشتها المالية. كما أوضح أليساندرو فولبي: "إقتصاد صغير بإمكانات محدودة... إسرائيل لا يمكنها تمويل الحرب ذاتيًا دون الدعم الأمريكي والدين الخارجي."
وبلغة الأرقام:
-العجز المالي تخطى 8% من الناتج المحلي؛
-الدين العام إرتفع بأكثر من 15 نقطة خلال عامين؛
-تراجع عائدات السياحة والتصدير جرّاء الحرب.
2. تراجع شعبية حكومة نتنياهو
أدت التكاليف الباهظة والتصعيد الذي لم يؤدِ إلى نصر واضح إلى تآكل شعبية حكومة بنيامين نتنياهو، خاصةً مع إتهامات المعارضة له بجرّ البلاد إلى مواجهة غير مدروسة.
3. إنكشاف الإنقسام الداخلي
من خلال الإنتقادات التي وُجّهت إلى وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، الذي قيل إنه طلب تمويلًا من الخليج – وهي معلومة نُفيت لاحقًا – ظهرت حالة من التخبط السياسي والإعلامي داخل الحكومة الإسرائيلية، وبرزت الإنقسامات داخل الائتلاف الحاكم.
4. تآكل الجبهة الداخلية العسكرية – الإجتماعية
رغم تعبئة الجيش والإحتياط، فإن طول أمد الحرب والتكلفة الإقتصادية العالية أثّرا سلبًا على الجبهة الداخلية. وبدأ الحديث داخل المجتمع الإسرائيلي عن "جدوى الحرب وجدواها الأخلاقية"، خصوصًا مع الإتهامات بإرتكاب جرائم حرب في غزة.
---
خاتمة
الحرب الإسرائيلية على إيران عام 2025 لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت زلزالًا إستراتيجيًا وإقتصاديًا داخليًا وخارجيًا. أظهرت:
-حدود القوة الإسرائيلية بلا دعم خارجي؛
-تهالك النظام المالي الغربي في تمويل الحرب؛
-ومدى تغوّل السياسة الأمريكية في تأجيج الصراعات.
---

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل