أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفرهود .















المزيد.....

مقامة الفرهود .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 14:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول يحيى السماوي :

(( هي دولة ُ الفرهود ِ حارسُها لصٌّ.. وقاضي عَـدْلِـهـا مُغْمى
وطـنٌ يُـكـبَّـلُ فـيـه ِ مُـنـتـفِـضٌ عـفُّ الـيـديـنِ ولُـصُّـهُ يُـحْـمى
مـاكان ذا ريـش ٍفـكـيـف غـدا حُوتا ً تفـيضُ لحومُـهُ شَـحْـمـا؟
حافي الـقُـدورِ يَـداهُ ماعـرفتْ غرْسـاً ولا سَـعَـتِ الخطى يوما
أأبـوهُ " قــارونٌ " فــأوْرَثــه ُ يـاقـوتَـهُ والــتِـبْـرَ والـنُّـعـمـى؟ )) .
(( حلو الفرهود كون يصير يوميه )) , تلك كانت أهزوجة الشارع العراقي في يومي 1- 2 من حزيران 1941 , أندرجت في الوعي والوجدان العراقي , بحيث رأينا الشاعر الشعبي يناغى حبيبته قائلا : (( أذا فد يوم صاحو بيك فرهود عليك الله الشفايف ضمهه اليه )).

الفرهود (Farhud) : مصطلح عربي يعني (( الفوضى )) أو (( الاضطراب العنيف )) , يشير في سياقه التاريخي الأكثر شهرة إلى أعمال العنف والنهب التي استهدفت اليهود في بغداد يومي 1 و2 يونيو 1941 , خلال احتفالهم بعيد الشفوعوت اليهودي , ولقد وقعت هذه المذابح بعد الفوضى التي أعقبت سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني خلال انقلاب 1941م , قبل أن تتمكن القوات البريطانية من السيطرة على المدينة , انتهت الحادثة في اليوم التالي ودخلت القوات البريطانية بغداد , حيث راح ضحيتها حوالي 175 قتيلا و2,000 جريح يهودي , ودُمِّرَ خلال المذابح حوالي 900 منزل تابع لليهود, أرهبت هذه المذابح يهود العراق , وتركت في نفوسهم أثرًا عميقًا , وساعدت على سرعة هجرتهم إلى إسرائيل , يسمى حادث الفرهود أحيانا لدى اليهود بالهولوكوست المنسي , حيث يعتبر بداية النهاية للوجود اليهودي في العراق الذي دام لأكثر من 2600 سنة منذ سبي بابل , وقد ظهر هذا المصطلح في منتصف اربعينيات القرن الماضي في العراق , ولا علاقة له بالمعاني المعجمية في اللغة العربية , بل هو مصطلح تم تكييفه من مفردتين هما , (( فرَّ و اليهود )) , ليصبح بالتداول فرهود إشارة لعمليات السلب والنهب التي تعرضت لها بيوت ودكاكين المواطنين اليهود الذين انتابهم الرعب فهربوا من بيت الى بيت بهلع تاركين بيوتهم واماكن عملهم , حيث وقعت مجازر شنيعة بحقهم , كان الفرهود نقطة تحول مفصلية في تاريخ يهود العراق , وساهم بشكل كبير في تسريع هجرتهم الجماعية في السنوات اللاحقة.

في معظم عمليات السلب والنهب كان الرعاع هم الذين يقومون بالعملية حينما تفقد الدولة قوتها او تنهار , وما يجري اليوم ومنذ 2003 هو شكل آخر للفرهدة حيث انقلبت المعادلة وتمت عملية تبادل للمواقع , وعلى الرغم من أن الفرهود ارتبط تاريخيًا باليهود , فإن جوهر هذه الثقافة - أي استغلال الفراغ الأمني لشن هجمات عنيفة وعمليات نهب ضد مجموعات معينة - عاود الظهور بشكل مأساوي بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 , مع انهيار سلطة النظام الوطني وحلول حالة من الفوضى الأمنية , شهد العراق موجة جديدة من أعمال العنف والنهب التي استهدفت هذه المرة قطاعات واسعة من المجتمع العراقي , وقد شملت هذه الأحداث نهب المؤسسات الحكومية والتراثية , حيث تعرضت المتاحف والمكتبات والمستشفيات والوزارات للنهب المنظم , مما أدى إلى فقدان كنوز أثرية ومعلومات حكومية حيوية , وتدهور البنية التحتية.

بدأت عمليات الفرهدة بعنوان الحواسم في اواسط 2003 والتي طالت كل دوائر الدولة ومخازنها ومقراتها في معظم المحافظات والبلدات العراقية , و كانت باوامر وتعليمات ضباط الجيش المحتل الذين لم يسقطوا ثقافة الفرهود , حيث عادت هذه المرة مشرعنة بأنظمة وقوانين , وتحت شعار حصانة البرلماني والوزير وملحقاتهم منذ 2003 وحتى يومنا هذا , حيث عشرات المليارات تذهب إلى جيوب هذه الشرائح من الموظفين ذوي الدرجات الخاصة في سابقة لم تحصل في معظم انظمة العالم التي تشابه الوضع العراقي , ناهيك عن الفرهدة في المال العام تحت غطاء المشاريع الوهمية والمكاتب الاقتصادية للاحزاب الحاكمة وللميليشيات التي تسيطر على معظم معابر الحدود العراقية وموانئه , وتم استهداف الأقليات , ولم يسلم المسيحيون والصابئة المندائيون والأقليات الأخرى من هذه الفوضى , حيث تعرضوا للاختطاف والقتل والتهجير القسري , على يد جماعات مسلحة استغلت ضعف القانون , وتفاقم العنف الطائفي في السنوات التي تلت الغزو , حيث استهدفت الميليشيات المدعومة من جهات مختلفة أحياء ومساجد وكنائس تابعة للطوائف الأخرى , مما أدى إلى موجات نزوح داخلي واسعة النطاق ,وازدهرت الجريمة المنظمة , بما في ذلك السرقة والابتزاز والاتجار بالبشر, في ظل غياب سلطة الدولة القوية , مما فاقم من معاناة المواطنين.

يكمن التشابه بين فرهود 1941 والأحداث التي تلت 2003 في استغلال حالة عدم الاستقرار وغياب سلطة القانون لتنفيذ أعمال عنف ممنهجة ضد مجموعات معينة , سواء لأسباب عرقية , دينية , طائفية , أو لتحقيق مكاسب مادية , وبينما استهدف فرهود 1941 اليهود بشكل خاص , فإن (( الفرهود الجديد )) بعد 2003 اتخذ أشكالًا متعددة واستهدف شرائح أوسع من المجتمع , لكن جوهر ثقافة العنف والنهب في غياب الدولة بقي واحدًا , فبعد عام 2003 قامت مجاميع مسلحة بالتنسيق مع موظفين في دوائر التسجيل العقاري بالاستيلاء على عقارات وممتلكات ومنازل واراضي المواطنين , ولم تقتصرعمليات السلب والنهب والنصب والاحتيال , على المجاميع المسلحة , بل ان مسؤولين في الدولة ومتنفذين في الساحة السياسية ومليشيات سائبة اظهرت خبرة ودراية كبيرة في عمليات الفساد المشرعن بالتجاوز والاستيلاء على عقارات العراقيين , ومنهم المهاجرين والمغتربين , وعلى ممتلكات رموز النظام السابق واركانه , شملت العمارات والمرافق الحكومية والبنايات التابعة للدولة , من خلال استغلال بعض القرارات الحكومية لجهة تسجيل ملكيتها , او استخدام وثائق مزورة في عمليات البيع والشراء وتغيير الملكية.

كان فرهود اليهود لطخة عار في الجبين , عاودت عام 2003 حين فرهدوا الوطن , ليكر العار مرة أخرى في التاريخ العراقي , بدون اي اعتذار عن واحدة منها , ففي عراق ألكاوبوي ألأميركي يتم التخلص من العار عبر مراكمته, وستبقى عبارة ((دولة الفرهود)) اصطلاحا ملازما لهذه الفترة من الحكم والزمن في العراق , وسيتداوله الناس كإشارة الى الإحتلال وما بعده وفي كل التفاصيل المملة , ناهيك عن تهمة السرقة التي ستبقى كالكابوس تلاحق من تعاون مع رموز الزمن البريميري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة سجدة الشعر .
- مقامة المزبلة .
- مقامة حب التوكسيك .
- مقامة شاعر الكأنات .
- مقامة التفاوض .
- مقامة المرارة .
- مقامة الأقنعة .
- مقامة نبوءة القبانجي .
- مقامة القنبرة .
- مقامة الملك الفيلسوف .
- مقامة ترانيم ساجدة الموسوي .
- مقامة المهزلة .
- مقامة تقدير الموقف .
- مقامة البخلاء .
- مقامة البزرنكوش .
- مقامة الأعتذار .
- مقامة الفاصوليا .
- مقامة الوسوسة .
- مقامة العشعشة .
- مقامة الساكن و المتحرك .


المزيد.....




- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...
- سيارة همر -مسروقة- في دمشق تظهر ضمن سيارات الأمن السوري... ك ...
- -فضيحة الصندل-.. برادا تعترف باستلهام تصميمها من الصندل الهن ...
- مقتل 18 فتاة في -حادث المنوفية- يهز مصر وسط مطالب بإقالة وزي ...
- مئات الملايين والمليارات: حفلات زفاف باهظة الثمن في القرن ال ...
- ترامب: أنا -لا أعرض شيئا على إيران ولا أتحدث معهم-
- مشروع مغربي طموح يربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي
- توتر الوضع الأمني في الشرق الأوسط : كيف يؤثر على خطة لبنان ل ...
- بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في ...
- حل مئات الأحزاب الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة ا ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفرهود .