أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - ماذا لو كنت انت غيرك؟














المزيد.....

ماذا لو كنت انت غيرك؟


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 12:46
المحور: قضايا ثقافية
    


ماذا لو كنت أنت غيرك؟ سؤال قد يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يلامس أعماق النفس البشرية، ويثير قضايا الهوية والذات والانتماء والصراع الداخلي. كثير من الناس، في لحظة تأمل أو ضعف أو مقارنة، يشعرون برغبة داخلية بأن يكونوا شخصًا آخر: شخصًا أكثر نجاحًا، أو أكثر قبولًا، أو أكثر ثراءً، أو أكثر جمالًا. وقد تكون هذه الرغبة نتيجة شعور بالنقص، أو تجربة فشل، أو ضغط اجتماعي يصوّر "الآخر" على أنه المثال الأكمل.

من منظور علم النفس، فإن هذه الرغبة قد ترتبط بما يُعرف بفجوة "الذات الواقعية" و"الذات المثالية"، وهي نظرية طورها كارل روجرز، أحد أعمدة المدرسة الإنسانية في علم النفس. يرى روجرز أن الإنسان يعيش في توتر دائم بين ما هو عليه فعليًا، وما يطمح أن يكونه. وكلما اتسعت الهوة بين هاتين الصورتين، زاد الإحباط والقلق، وربما كره الذات. في هذا السياق، فإن التمني بأن نكون "غيرنا" هو في جوهره محاولة للهروب من الذات الحالية، التي قد نراها قاصرة أو غير محققة.

في سياق آخر، يتحدث سيغموند فرويد عن "التقمص" كآلية دفاع نفسية، حيث يتبنى الإنسان صفات شخص آخر يعجبه أو يعكس القوة أو القبول الاجتماعي، في محاولة لتعويض شعور داخلي بالنقص أو العجز. هذه الرغبة لا تكون دائمًا واعية، بل قد تظهر في التعلق بشخصية معينة، أو تقليدها في السلوك أو المظهر أو طريقة الحديث. ويضيف عالم النفس الاجتماعي ليون فيستنغر عبر نظريته في "المقارنة الاجتماعية" أن الإنسان بطبيعته يقيس ذاته من خلال مقارنة نفسه بالآخرين، وغالبًا ما ينشأ الإحساس بالنقص من هذه المقارنة، خصوصًا في بيئات تُضخم من معايير النجاح والشكل والمكانة.

أما الفلاسفة فقد تناولوا مسألة الهوية الذاتية بتأمل عميق. فالفيلسوف الوجودي جان بول سارتر يرى أن "الذات" ليست جوهرًا ثابتًا، بل هي مشروع قيد التشكل، تحدده اختيارات الإنسان ونظرته لذاته وللآخرين. وفي قوله "الجحيم هو الآخرون"، يشير إلى أن الذات أحيانًا تُحبس داخل نظرات الآخرين لها، وقد تسعى إلى الهروب من هذه النظرة عبر التحول أو التماهي مع صورة أخرى نعتقد أنها تحظى بقبول أكبر. وفي مثال الكهف لأفلاطون، نجد الإنسان محبوسًا في تصورات زائفة عن الواقع، يرى ظلالًا ويحسبها حقيقة، وهو ما يشبه حال من يتمنى أن يكون غيره بناء على صورة سطحية للآخر دون فهم كامل لمعاناته وظروفه.

تاريخيًا، نجد العديد من الشخصيات التي حاولت أن تكون غير ذاتها الأصلية، إمّا هربًا من ماضٍ مؤلم، أو رغبة في تحقيق صورة مثالية. مايكل جاكسون، مثلًا، غيّر ملامح وجهه ولون بشرته، وتقمص صورًا متعددة، ويُعتقد أنه كان يسعى إلى الهروب من صورة الطفولة التي عانى فيها من القسوة والرفض. الملكة كليوباترا تبنّت صورة الإلهة إيزيس لتكتسب سلطة خارقة، وتعيد تشكيل هويتها السياسية والاجتماعية. توماس إديسون، الذي وُصف بالغبي في صغره، رفض أن يكون ضحية لهذه الصورة، فصنع من نفسه "شخصًا آخر" بالجهد والمثابرة، وهو ما يؤكد أن التغير في الهوية ليس دائمًا سلبيًا، بل قد يكون محفزًا للنمو.

لكن هذه الرغبة في أن نكون غيرنا، هل تنطبق أيضًا على المتحولين جنسيًا؟ هنا لا بد من التمييز. المتحولون جنسيًا لا يسعون إلى أن يكونوا "شخصًا آخر" بالمعنى النفسي السطحي، بل يعانون من حالة معقدة تسمى "التنافر الجندري"، حيث يشعر الفرد أن جنسه البيولوجي لا يعكس هويته النفسية والجندرية الحقيقية. الرغبة هنا ليست في تقليد أحد أو تحسين صورة الذات أمام المجتمع، بل في تحقيق توافق داخلي عميق بين النفس والجسد. التحول في هذه الحالة هو صراع طويل ومؤلم في سبيل أن يكون الإنسان نفسه، لا أن يكون غيره. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن بعض العوامل الاجتماعية والضغط الثقافي قد تؤثر على تعبيرات هذا التحول وتوجهاته.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن التمني بأن نكون غيرنا هو تجربة إنسانية طبيعية، قد تكون محفزة للتطوير، أو مؤشرًا على خلل عميق في الرضا عن الذات. الرغبة في التغيير ليست خطأ، لكن الخطير هو حين لا نرى في أنفسنا أي قيمة إلا من خلال أعين الآخرين. أن تكون نفسك، هو أعقد مشروع في حياة الإنسان، وربما هو أعظم إنجاز يمكن أن تحققه.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغربة موت مؤجل في الذاكرة
- الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والتعلم
- مدينة خلقها العوز واستغلتها السلطة
- الأتفاقيات والمعاهدات والفرق بينهما
- المقاتلون الأجانب في الجيش السوري بين العقيدة العسكرية والان ...
- النظرة الغربية للعقل الأسلامي
- من السلطة الى التسلط كيف يتحول القائد الى مستبد
- قادة دول من المقاومة الى الزعامة
- التغيير الموعود...حين تتحول الشعارات إلى وسيلة للثراء
- من تحت الركام تولد المقاومة
- الانتهازية والاستغلال: سلوكيات مرفوضة تُصنّف ضمن الاحتيال ال ...
- العراق وأزمات المركز والأقليم
- الديمقراطية وتبادل المصالح قرأة ببن الناخب ومن يمثله في التج ...
- العقيدة الأدارية في العراق بين زمن التأسيس وزمن المحاصصة
- مادة الثقافة الجنسية هل أصبحت ظرورة في المدارس؟
- خذ الحكمة من أفواه المجانين
- كلكم خەڵکەکم
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...


المزيد.....




- -مادلين-.. آخر تطورات سفينة مساعدات غزة بعد اعتراضها من قبل ...
- إعلان حالة التأهب الجوي في أربع مناطق بأوكرانيا
- لقاء أميركي - صيني رفيع في لندن: هدنة الحرب التجارية على طاو ...
- مقتل عشرات الفلسطينيين في غزة خلال 24 ساعة.. واتصال مرتقب بي ...
- كاليفورنيا: تصاعد التوتر مع اندلاع اضطرابات بسبب مداهمات وكا ...
- الرجال في قبضة الخوف: حين يصبح البيت فرعاً لشرطة طالبان
- وثيقة برلمانية: إيطاليا أنهت عقدا مع شركة إسرائيلية لبرامج ا ...
- مزيد من الضحايا والجرحى الفلسطينيين برصاص إسرائيلي
- قافلة مساعدات تونسية جزائرية إلى غزة
- طهران: لا تفاوض على تخصيب اليورانيوم


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - ماذا لو كنت انت غيرك؟