أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - رحيم حمادي غضبان - الأتفاقيات والمعاهدات والفرق بينهما














المزيد.....

الأتفاقيات والمعاهدات والفرق بينهما


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 22:46
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تُعد الاتفاقيات والمعاهدات من أبرز الوسائل التي اعتمدتها البشرية لتنظيم العلاقات بين الدول والأمم على مر العصور، وهي من الموضوعات التي توليها مقررات التاريخ اهتماماً خاصاً، ليس فقط لأنها تمثل أدوات قانونية وسياسية، بل لأنها تكشف تطور مفاهيم السيادة والتعاون الدولي والتوازن بين الحقوق والواجبات. ورغم التشابه العام بين المصطلحين، إلا أن بينهما فرقاً جوهرياً في طبيعة الالتزام ومدى التأثير وطريقة التمثيل، وهو فرق دقيق لا يظهر بوضوح إلا عند التعمق في دلالاتهما القانونية والسياسية.

من الناحية التاريخية، وُجدت المعاهدات منذ الحضارات القديمة، حيث كانت تُستخدم لإنهاء الحروب أو تأكيد التحالفات بين الممالك والإمبراطوريات. ويُعد مثال معاهدة قادش، التي أبرمت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد بين المصريين والحيثيين، من أوائل النماذج التاريخية الموثّقة لمعاهدة دولية. هذه الوثيقة لم تكن مجرد اتفاق وقتي، بل نصّت على التزام دائم بوقف العدوان والتعاون بين الطرفين، وهي تُبرز بوضوح الطابع السيادي والملزم الذي يميز المعاهدات عن غيرها من التفاهمات.

الاتفاقيات، على النقيض من ذلك، تتميز بطبيعة مرنة وأخفّ من حيث الالتزام القانوني والسياسي. فهي لا تتطلب في العادة توقيع قادة الدول، وإنما يمكن أن تُبرم من قبل وزراء أو ممثلين مفوضين، وتتناول غالباً موضوعات لا تمس جوهر السيادة، مثل التعاون التجاري، التبادل الثقافي، المشاريع العلمية، أو الترتيبات البيئية. وتميل الاتفاقيات إلى أن تكون محددة بزمن معين أو خاضعة للمراجعة والتعديل بشكل دوري، وغالباً ما تُنظم بآليات تفاهم وليس بتهديد العقوبات الدولية عند الخرق. من الأمثلة البارزة على ذلك اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، والتي هدفت إلى الحد من الانبعاثات الغازية، وقد وُقعت من قبل ممثلي الدول دون أن تستلزم إقرار رؤساء الدول أنفسهم، وهي قابلة للتعديل أو الانسحاب منها بإجراءات قانونية معتادة.

أما المعاهدات، فهي تُبرم عادة بين قادة الدول أو رؤساء الحكومات، وتتعلق بمسائل سيادية وحساسة، مثل إنهاء الحروب، ترسيم الحدود، تنظيم التحالفات العسكرية، أو الاعتراف بالتمثيل الدبلوماسي. وتمتاز هذه المعاهدات بطبيعتها الدائمة، وأي خرق لها يُعد انتهاكاً خطيراً يترتب عليه مسؤولية دولية قد تشمل العقوبات أو حتى التدخل السياسي والعسكري. ويُعد من أبرز الأمثلة على ذلك معاهدة فرساي الموقعة عام 1919، التي فرضت شروطاً قاسية على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وحددت كثيراً من المسائل السيادية التي غيّرت خريطة أوروبا. مثال آخر هو معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، التي أنهت حالة الحرب بين الطرفين، ورسمت إطاراً دائماً للسلام، وتم التوقيع عليها من قِبل رؤساء الدول، وهو ما يعكس طابعها السيادي والملزم.

ومن خلال هذا التباين يتضح أن الفرق بين الاتفاقية والمعاهدة ليس فقط في الشكل أو اللغة، بل في الجوهر السياسي والقانوني. فالاتفاقيات أوسع من حيث المجالات وأخفّ من حيث التمثيل والالتزام، وهي صالحة لترتيب جوانب الحياة الدولية اليومية والتعاون غير السيادي. أما المعاهدات، فهي أداة تستخدم لمعالجة قضايا كبرى تتصل مباشرة بسيادة الدولة وحدودها ومكانتها الدولية، وتُوقّع من أعلى سلطة، وتلزم الدول التزاماً تاماً، وخرقها يُعد خرقاً للقانون الدولي.

إن الفهم الصحيح لهذا الفرق يُعد أساسياً ليس فقط للمتخصصين في القانون أو السياسة، بل لكل من يسعى إلى وعي أعمق بكيفية عمل النظام الدولي، وكيف أن الكلمات التي تُدوَّن في وثيقة، سواء كانت اتفاقية أو معاهدة، يمكن أن تُغيّر مجرى التاريخ، وتحكم مسارات الحاضر والمستقبل بين الدول والشعوب.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاتلون الأجانب في الجيش السوري بين العقيدة العسكرية والان ...
- النظرة الغربية للعقل الأسلامي
- من السلطة الى التسلط كيف يتحول القائد الى مستبد
- قادة دول من المقاومة الى الزعامة
- التغيير الموعود...حين تتحول الشعارات إلى وسيلة للثراء
- من تحت الركام تولد المقاومة
- الانتهازية والاستغلال: سلوكيات مرفوضة تُصنّف ضمن الاحتيال ال ...
- العراق وأزمات المركز والأقليم
- الديمقراطية وتبادل المصالح قرأة ببن الناخب ومن يمثله في التج ...
- العقيدة الأدارية في العراق بين زمن التأسيس وزمن المحاصصة
- مادة الثقافة الجنسية هل أصبحت ظرورة في المدارس؟
- خذ الحكمة من أفواه المجانين
- كلكم خەڵکەکم
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب


المزيد.....




- حملت اسم -Viper-.. عملية دولية تسفر عن اعتقال نحو 20 شخصاً ب ...
- الاحتلال يمدد اعتقال سناء سلامة دقة حتى الأحد المقبل
- طفلة عمرها 6 سنوات ضمن معتقلين في ميانمار لقتلهم جنرالا متقا ...
- الأمم المتحدة تدعو واشنطن لرفع العقوبات عن قضاة المحكمة الجن ...
- الأمم المتحدة تدعو واشنطن لرفع العقوبات عن قضاة المحكمة الجن ...
- كاليفورنيا.. اعتقال مهاجرين بحوزتهم مخدرات بملايين الدولارات ...
- اللاجئون السوريون بالأردن ما بين البقاء والعودة للوطن
- واشنطن تفرض عقوبات على قضاة في المحكمة الجنائية الدولية
- الأمم المتحدة: فرصة نادرة مع سوريا لمعالجة 19 مسألة تتعلق بم ...
- نادي الأسير صوت المعتقلين الفلسطينيين


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - رحيم حمادي غضبان - الأتفاقيات والمعاهدات والفرق بينهما