أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم حمادي غضبان - الأبادة الجماعية















المزيد.....

الأبادة الجماعية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 00:44
المحور: حقوق الانسان
    


الإبادة الجماعية أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ Genocide تُعد من أبشع الجرائم التي اقترفها الإنسان بحق أخيه الإنسان، وهي جريمة تتجاوز حدود القتل العادي لتصل إلى استهداف جماعة بشرية بالكامل على أساس عرقي أو ديني أو قومي أو حتى ثقافي، بقصد محو وجودها من على وجه الأرض. هذا النوع من الجرائم لا يقتصر على القتل المباشر فقط، بل يشمل أيضًا التهجير القسري والتجويع والتعقيم القسري والاعتداء على الهوية الثقافية والدينية لتلك الجماعة وفرض ظروف معيشية لا يمكن النجاة منها، مما يؤدي إلى فنائها على المدى القريب أو البعيد. وقد صيغ مصطلح "الإبادة الجماعية" لأول مرة في عام 1944 على يد الحقوقي البولندي اليهودي رافائيل ليمكين، الذي دمج بين كلمتين: "جينوس" (genos) من اليونانية وتعني العرق أو الجنس، و"سايد" (cide) من اللاتينية وتعني القتل، ليصف ما فعله النازيون باليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما عرف لاحقًا بالهولوكوست.

لم يكن المجتمع الدولي متيقظًا لخطورة هذه الجريمة إلا بعد أن ذاق العالم ويلات الحرب العالمية الثانية، فتبنّت الأمم المتحدة في عام 1948 اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي دخلت حيّز التنفيذ عام 1951، لتصبح أول وثيقة قانونية دولية تُلزم الدول بمنع هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، وقد نصّت الاتفاقية بوضوح على أن الإبادة الجماعية جريمة لا تسقط بالتقادم ويجوز محاكمة مرتكبيها أمام محاكم وطنية أو دولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية التي أُنشئت لاحقًا عام 2002 لهذا الغرض.

غير أن فكرة تحريم القتل الجماعي أو الاعتداء على حياة الآخرين ليست وليدة القانون الدولي وحده، بل هي جزء أصيل من النصوص الإلهية في الديانات السماوية كافة. ففي الإسلام، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادٍ فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" (سورة المائدة، الآية 32)، وهي آية شديدة الوضوح في تحريم قتل النفس البشرية بدون وجه حق، وتُعبّر عن القيمة العظيمة لحياة الإنسان. كما أن الشريعة الإسلامية تجرّم أي فعل يؤدي إلى إهلاك جماعة أو شعب، وتحذر من الظلم والعدوان والتعدي على حقوق الآخرين، وتقرّ بكرامة كل بني آدم.

وفي المسيحية، يتجلى الموقف من القتل في الوصايا العشر التي أُنزلت على النبي موسى عليه السلام، حيث تقول إحدى الوصايا: "لا تقتل"، وهي وصية مطلقة تُحرّم القتل لأي سبب غير مبرر، كما تؤكد تعاليم السيد المسيح على محبة الآخرين، حتى الأعداء، وتنص على أن "من يأخذ بالسيف، بالسيف يُؤخذ"، في إشارة إلى أن العنف لا يولّد إلا العنف، وأن السلام هو الطريق الإلهي للخلاص. أما في الديانة اليهودية، فالوصايا العشر التي أُعطيت لموسى على جبل سيناء تتضمن هي الأخرى تحريم القتل، وتدعو إلى العدل والرحمة، وتحذر من الظلم وسفك الدماء.

ورغم هذه المبادئ المشتركة في الديانات السماوية، لم يتوقف تاريخ البشرية عن إنتاج نماذج مرعبة من الإبادة الجماعية، نذكر منها إبادة الأرمن من قبل الدولة العثمانية عام 1915 والتي راح ضحيتها أكثر من مليون أرمني، والهولوكوست النازي الذي أباد نحو ستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك مجازر الخمير الحمر في كمبوديا بين عامي 1975 و1979، حيث قُتل حوالي مليوني إنسان بدعوى بناء مجتمع شيوعي مثالي. وفي رواندا عام 1994، خلال 100 يوم فقط، قُتل حوالي 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين في واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث. وفي البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995، ارتكبت قوات صرب البوسنة مجازر بحق المسلمين، كان أبرزها مذبحة سريبرينيتسا التي راح ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم من الرجال والصبيان، وهي الجريمة التي صنفتها المحكمة الجنائية الدولية على أنها إبادة جماعية.

أما في العراق، فقد شهد الشعب العراقي في ظل النظام الدكتاتوري السابق قبل عام 2003 موجات من الإبادة الجماعية بحق مكونات أصيلة من نسيجه الاجتماعي. فقد تم استهداف الشيعة في جنوب العراق، لا سيما بعد انتفاضة عام 1991، حيث تعرّض الآلاف للقتل والسجن والدفن في مقابر جماعية، في حين شهد شمال العراق عمليات تطهير عرقي ضد الأكراد خلال حملة الأنفال بين عامي 1986 و1989، والتي استخدم فيها النظام الأسلحة الكيميائية في مدينة حلبجة، وأدت إلى مقتل آلاف المدنيين.

وفي العصر الحديث، لا يمكن تجاهل ما يحدث في غزة من ممارسات يصفها الكثير من الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان بأنها ترقى إلى جريمة إبادة جماعية. فالحصار المستمر، والعدوان المتكرر الذي يستهدف المدنيين والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس، والتجويع الجماعي، وتهجير السكان بالقوة، يشكّل نمطًا من أنماط الإبادة الممنهجة التي تسعى إلى إضعاف صمود الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه.

ورغم كل هذه الفظائع، فإن الموقف الدولي كثيرًا ما يتسم بالتقاعس أو التسييس، فبينما تُتخذ إجراءات حاسمة في بعض القضايا، تُقابل قضايا أخرى مثل قضية فلسطين بالصمت أو الاكتفاء بالإدانة دون أي خطوات رادعة. المحكمة الجنائية الدولية تُعد أداة قانونية مهمة لكنها تبقى محدودة الفاعلية إذا لم تحظَ بدعم سياسي وإرادة دولية صادقة، خاصة وأن دولًا كبرى لم توقّع على نظامها الأساسي أو لا تتعاون معها، مما يفتح الباب أمام إفلات الجناة من العقاب.

إن الإبادة الجماعية ليست فقط جريمة ضد الإنسان، بل هي تحدٍ صارخ لكل القيم الإلهية التي كرّمت النفس البشرية، ولكل المواثيق الدولية التي وُضعت لصيانة الكرامة الإنسانية. وهي تذكير مؤلم بأن الضمير الإنساني لا يزال في معركة مستمرة مع الجهل والتعصب والكراهية. ولكي لا تتكرر هذه الجرائم، لا بد من تربية الأجيال على قيم التسامح واحترام التنوع، وتحصين المجتمعات من خطاب الحقد والتمييز، وربط السياسة بالقيم لا بالمصالح فقط. إن الوقوف ضد الإبادة الجماعية ليس مجرد موقف سياسي أو قانوني، بل هو واجب أخلاقي وديني وإنساني، لأن كل صمت على جريمة هو تواطؤ، وكل تجاهل لمعاناة شعب، هو خطوة نحو تكرار المأساة في مكان آخر من هذا العالم.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما
- الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين
- بين قوسين من الصمت
- التقارب السعودي التركي الى أين؟
- أخر المحطات
- دمشق وبغداد والتوجه الأمريكي
- غياب العراق عن القمة الخليجية الأمريكية الأسباب والتداعيات


المزيد.....




- اعتقال مواطن أمريكي ألماني بزعم محاولته حرق السفارة الأمريكي ...
- بينها الميناء وساحة الجندي.. مرافق حيوية بغزة تكتظ بخيام الن ...
- هيومن رايتس ووتش تحذر من -تهديد- وتمييز تمارسه قطر في حق الأ ...
- كاتب إسرائيلي: احتمال إلغاء مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت فر ...
- كاتب إسرائيلي: احتمال إلغاء مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت فر ...
- الدفاع المدني بغزة: الموت بسبب المجاعة تدريجي وآلاف الأطفال ...
- حماس ترفض تهميش دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات بغزة
- الدفاع المدني بغزة: الموت بسبب المجاعة تدريجي وآلاف الأطفال ...
- برنامج -روتا- ينفذ برامج تعليمية وتنموية في مخيمات اللاجئين ...
- الجيش الإسرائيلي يتوغل في غزة والمجاعة تهدد القطاع


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم حمادي غضبان - الأبادة الجماعية