رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 08:46
المحور:
قضايا ثقافية
منذ نعومة أظافرنا، كبرنا على وقع كلمات شكلت وعينا الاجتماعي وبنت مفاهيمنا عن العلاقات الإنسانية، عبارات لا تزال ترن في آذاننا حتى اليوم، مثل: "الصديق وقت الضيق"، "رب أخ لم تلده أمك"، و"ألف صديق ولا عدو واحد". حفظناها ورددناها، وكانت بمثابة شعارات تُرشدنا في تعاملاتنا مع الآخرين. فقد كانت الصداقة في نظر آبائنا وأجدادنا رابطة قوية لا تهزّها الأيام ولا تنال منها المسافات، وكان الوفاء فيها سلوكًا فطريًا، وردّ الجميل عرفًا غير مكتوب.
لقد سمعنا قصصًا عن أصدقاء تقاسموا الحياة بحلوها ومرّها، عن من ضحّى لأجل صديقه، عن زيجات جمعت أصدقاء، وعن خيانات أيضًا أحدثت جراحًا يصعب نسيانها. كانت الصداقة في زمن مضى عميقة المعنى، لا تحتاج لأكثر من نظرة أو كلمة صادقة لتثبت وجودها.
لكن الزمن تغير، ومعه تغير كل شيء. في عصر التكنولوجيا والسرعة، أصبح الإنسان أكثر انشغالًا، وأقل تواصلًا حقيقيًا. صارت العلاقات تختصر برسائل سريعة عبر تطبيقات التواصل، واستُبدلت اللقاءات الحميمة بمحادثات رقمية. تراجع الحضور الفعلي للأصدقاء، وبهتت تلك المعاني التي تربينا عليها. لم تعد زيارة الصديق واجبًا، ولا الاطمئنان عليه عادة يومية، بل باتت العلاقات عرضة للفتور والانقطاع السريع.
ومع هذا التغيّر، لا يعني أن الصداقة قد انقرضت، بل إنها تمر بتحول عميق في الشكل والمضمون. فما زال هناك من يؤمن بالوفاء، ويقدّر المعنى الحقيقي للصديق، ولكن الوصول إليهم أصبح أصعب في زحام الحياة الافتراضية والاهتمامات المتعددة.
لقد بات من الضروري اليوم أن نُعيد النظر في كيفية بناء علاقاتنا، وأن نُعلّم الأجيال الجديدة أن الصداقة ليست بعدد الإعجابات والمتابعين، بل بحجم الصدق والوقوف في اللحظة التي يحتاجك فيها الآخر. فربما لن تعود الأيام كما كانت، لكن القيم تبقى خالدة إن أحسنا زرعها وسقيناها بالنية الطيبة.
وفي الختام، الصداقة ليست تراثًا من الماضي فقط، بل قيمة إنسانية عابرة للأزمان. علينا أن نعيد اكتشافها وسط الضجيج، ونُعلي من شأنها في زمن باتت فيه العلاقات سطحية وسريعة الزوال. فالصديق الحق لا يتغيّر بتغير الزمن، وإنما يظهر صدقه كلما احتجنا إليه.
#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)
Raheem_Hamadey_Ghadban#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟