أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة














المزيد.....

التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 10:07
المحور: المجتمع المدني
    


لم تعد الأسرة في عالم اليوم ذلك الحصن المنيع الذي يلجأ إليه الفرد للاحتماء من ضغوط الحياة، بل أصبحت في كثير من الحالات بيئة تتسم بالعنف والتعنيف والاضطهاد. هذه المفردات التي ارتبطت تقليدياً بصراعات اجتماعية أو سياسية، باتت وللأسف تتردد داخل جدران البيوت، بما يعكس خللاً عميقاً في بنية العلاقات الأسرية ويثير تساؤلات جوهرية حول الأسباب التي تقف وراء هذا التدهور.

لا يمكن إنكار أن الضغوط النفسية والاقتصادية تمثل عاملاً أساسياً في هذا السياق. في ظل الوتيرة المتسارعة للحياة، وغلاء المعيشة، وتزايد الأعباء اليومية، يجد الإنسان نفسه محاصراً بالقلق والتوتر، غير قادر على ضبط انفعالاته أو تفريغها بطرق سليمة، فتتحول بيئة الأسرة إلى ساحة تفريغ سلبي لكل هذا الضغط. وقد أشار الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور إلى هذا الأثر بوضوح حين قال: "الإنسان لا يقوى على النبل إذا كان مضطرباً وجائعاً وخائفاً"، في إشارة إلى العلاقة المباشرة بين الاستقرار النفسي والسلوك الأخلاقي.

ومع تصاعد هذا الضغط، تتآكل القيم والمبادئ التي كانت تشكل لُحمة الأسرة. ثقافة الاحترام، والتسامح، والتضحية بدأت تتلاشى أمام تصاعد نمط فرداني يضع المصلحة الشخصية فوق كل اعتبار. أصبحت العلاقات داخل البيت محكومة أحياناً بمفاهيم مادية وأنانية، وانتقل الخطاب الأسري من الحوار إلى الاتهام، ومن المشاركة إلى التنازع. جان جاك روسو، الذي حذّر من ابتعاد الإنسان عن فطرته بسبب الحضارة الزائفة، قال: "كلما تقدم المجتمع في الحضارة، كلما تدهورت فيه الأخلاق"، وهو توصيف ينطبق بشكل دقيق على حال الأسرة المعاصرة.

إلى جانب ذلك، فإن إساءة فهم مفهومي الحرية والمساواة ساهمت بشكل كبير في توتير العلاقات الأسرية. فحين تُمنح الحرية داخل الأسرة دون ضوابط، تتحول إلى نوع من الفوضى. وعندما تُفهم المساواة بين الرجل والمرأة على أنها تطابق تام في الأدوار والمسؤوليات، دون مراعاة للفروق الطبيعية، يحدث التصادم بدل التكامل. برتراند راسل لخص هذه الإشكالية بدقة حين قال: "المجتمع الذي يعطي الحرية دون مسؤولية هو كمن يعطي سيفاً لطفل صغير"، وهو ما يُبرز الحاجة إلى وعي عميق بمعاني الحرية والحقوق والواجبات داخل الأسرة.

وما يزيد الطين بلة هو تراجع الوازع الديني والأخلاقي، الذي لطالما كان مرجعية لضبط السلوك وتنمية روح التسامح والحكمة. ومع ضعف التأثير التربوي للمؤسسات الدينية والتعليمية، بات الكثيرون يفتقرون إلى البوصلة التي تهديهم في أوقات النزاع وتعلمهم كيف يُحتوى الغضب بالحكمة، ويُعالَج الخلاف بالصبر والرحمة. سقراط قال ذات مرة: "العائلة أساس الدولة، وإذا فسد الأساس، انهار البناء كله"، وهو تحذير لا يزال صالحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى.

في النهاية، فإن مظاهر العنف والتفكك الأسري ليست نتاج عامل واحد، بل هي انعكاس لتشابك معقد بين ضغوط الحياة، وانحراف القيم، وسوء فهم لمفاهيم الحرية والمساواة، وضعف في الوازع الديني والتربوي. وإذا أردنا أن نعيد للأسرة دورها الريادي في صناعة الإنسان والمجتمع، فعلينا أن نعيد النظر في علاقتنا بالقيم، ونوازن بين مقتضيات العصر وثوابت الإنسانية، ونسترجع روح الرحمة التي تُبنى بها البيوت وتُربّى بها الأجيال.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن الحديث
- العلاقات الأيرانية السعودية بداية تحول إقليمي قبيل المفاوضات ...
- الحرب الهندية الباكستانيه هل هي أنتصار للصناعة الجوية الصيني ...
- فيما اذا تغير أسم الخليج
- الوعود الأنتخابية في العراق بين الديمقراطية الوليدة وخيبة ال ...
- السكن العشوائي ومسؤولية التنظيم مقارنة بين الواقع المصري وال ...
- الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة
- الفساد الأداري بين الفجور والتقوى
- التسول بين الفرد والدولة ...
- عبق الماضي
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوربة الصين ...
- الشارع التونسي والحركات الأسلامية المعتدلة بين الحقيقة والوه ...
- الصحافة .حارسة الحقيقة
- اللعبة الأقتصادية من يحركها ولماذا لايعيش البشر سواسيه؟
- بين سطوة القوة وأنفلات الفكر .قرأة في عالم تحكمه المصالح بدو ...
- جريمة القتل ظاهرة تنذر بالخطر وتشريعات تحتاج وجهة نظر
- هل يتحقق الحلم العراقي بالوصول مرة ثانية لكأس العالم بكرة ال ...
- التيار الصدري وتحديث بطاقة الناخب هل تلويح للمشاركة في الأنت ...
- خور عبدالله بين المد الكويتي والجزر العراقي
- الحرية المطلقة وتفكك الأسرة المهاجرة في المجتمعات الغرببة ال ...


المزيد.....




- الخطة الأمريكية – الإسرائيلية لتوزيع المساعدات تخالف معايير ...
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- المجاعة في غزة.. عقود من سلاح منع الغذاء
- ما دور الجامعات الإسرائيلية في قتل وتعذيب الفلسطينيين؟
- الآلاف يتظاهرون ضد تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا
- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام شخصين وتكشف ما فعلاه
- الهندي: المقاومة لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين إلا بإنهاء ...
- إعدام قوة إسرائيلية فلسطينيا من مسافة صفر يثير غضب المغردين ...
- رايتس ووتش تدعو الولايات المتحدة للامتناع عن ترحيل المهاجرين ...
- فيديو.. مشاجرة تدفع إدارة ترامب لبحث اعتقال نواب ديمقراطيين ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة