أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - عبق الماضي














المزيد.....

عبق الماضي


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 02:42
المحور: الادب والفن
    


حين يخطو الإنسان إلى مراحل العمر المتأخرة، ويتجاوز صخب الحياة اليومية، تبدأ ذاكرته القديمة بالانتعاش وكأنها ترفض النسيان. تذبل التفاصيل القريبة، وتصبح أحداث الأمس القريب باهتة، بينما تزهر الذكريات القديمة من جديد، تحمل معها وجوهاً وأماكن وأحاديث اختبأت طويلاً في زوايا القلب.

في هذه المرحلة، لا يعود الزمن حاضراً كما كان، بل يصبح الإنسان أقرب إلى ذاته، وإلى جذوره، وإلى تلك اللحظات التي شكّلته وعلّمته معنى الحياة. يبدأ القلب بالحنين، والعقل بالسفر، وكأن الروح تشتاق إلى تلك الأيام التي لم تكن فيها الحياة معقدة، ولا العالم مزدحماً بالتفاصيل.

يتذكر الإنسان أصدقاء الطفولة: وجوههم الصغيرة، ضحكاتهم العالية، خطواتهم الراكضة في أزقة الحي، صخب ألعابهم، وسذاجة أحلامهم. كم من صديق رحل، وكم من آخر فرقت بينه وبينهم الحياة، لكنّ الذكرى تبقى نابضة في القلب، لا تموت.

ويعود بذاكرته إلى بيته الأول، ذلك المكان الذي لم يكن فقط سقفاً يحميه، بل كان عالَماً دافئاً يسكنه. يتذكر صوت الأم في المطبخ، وعبق الخبز في الصباح، وصوت المذياع يروي أخبار العالم، وجلسات العائلة في المساء. تتوهج في روحه تلك الزوايا التي طالما كانت مأوى الحزن والفرح، وتعود له صور النوافذ، جدران الطفولة، وحديقة صغيرة زرع فيها أمله.

ثم تأتي المدرسة، بكل ما فيها من معانٍ. الجرس، الطابور الصباحي، دفاتر الواجب، أصوات الزملاء، نظرة المعلم التي كانت أحياناً صارمة، وأحياناً مشجعة. يتذكر كفاحه الصغير من أجل أن يتعلم، وأحلامه التي كانت ترسم له عالماً جميلاً.

ولا ينسى سنوات العمل، التي تعب فيها، وواجه فيها تحديات كثيرة. يتذكر أول وظيفة، شعوره بالمسؤولية، زملاء العمل الذين أصبح بعضهم أصدقاء العمر، واللحظات التي حقق فيها إنجازاً أو مرّ بنكسة. كل تلك الأحداث تعود الآن، لا كمجرد ذكريات، بل كأنها تُعاش من جديد، بكل ما فيها من مشاعر.

الجميل في هذا العمر أن الماضي لا يعود مجرد ذكرى، بل يصبح ملاذاً دافئاً يلوذ به الإنسان حين يشعر بالوحدة. هو حديث صامت مع النفس، ولكنه مليء بالحياة. هو عزاءٌ رقيق، وبلسم لروح لم تعد تجري وراء الدنيا، بل تجلس على ضفافها بهدوء، تتأمل وتبتسم.

وفي لحظات السكون، حين تلتف العائلة حوله، يحكي لهم قصصه. لا ليمرر الوقت، بل ليزرع فيهم شيئاً من ذاته، ليقول لهم: "كنتُ مثلكم يوماً... عشت، فرحت، حزنت، وعلمتني الحياة." وهكذا، لا تموت الذكريات، بل تنتقل إلى من بعده، كأمانة محبة لا تنتهي.

وكما قال الشاعر الراحل نزار قباني:
"الذكرياتُ بقايا حياة، ومن لا يملك ماضياً دافئاً، لا يملك مستقبلاً مشرقاً."



#رحيم_حمادي_غضبان (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوربة الصين ...
- الشارع التونسي والحركات الأسلامية المعتدلة بين الحقيقة والوه ...
- الصحافة .حارسة الحقيقة
- اللعبة الأقتصادية من يحركها ولماذا لايعيش البشر سواسيه؟
- بين سطوة القوة وأنفلات الفكر .قرأة في عالم تحكمه المصالح بدو ...
- جريمة القتل ظاهرة تنذر بالخطر وتشريعات تحتاج وجهة نظر
- هل يتحقق الحلم العراقي بالوصول مرة ثانية لكأس العالم بكرة ال ...
- التيار الصدري وتحديث بطاقة الناخب هل تلويح للمشاركة في الأنت ...
- خور عبدالله بين المد الكويتي والجزر العراقي
- الحرية المطلقة وتفكك الأسرة المهاجرة في المجتمعات الغرببة ال ...
- الشرق الأوسط وتصاعد الأزمات وتجدد الحديث عن حل الدولتين
- الأزمات المتجددة في الشرق الأوسط وتجدد الحديث عن حل الدولتين
- الهند والباكستان. تصعيد عسكري وتحذيرات نوويه
- السويد بين مفترق طرق .هل تتحول العودة الطوعية الى تطهير ناعم ...
- الناتو بين الماضي والحاضر والمستقبل
- ماذا وراء انفجارات بندر عباس الأيراني
- أنتهاكات حقوق الأنسان ضد المرأة والطفل في مناطق النزاع السود ...
- هل تصريحات ترامب الأخيره بأنه على أستعداد لمقابلة القادة الأ ...
- فشل اجتماع لندن حول الشأن الأوكراني. انقسام غربي بالمواقف وأ ...
- الدبلوماسية العراقية بين باريس واشنطن ماذا ورائها ؟


المزيد.....




- إسرائيل: الكنيست يناقش فرض ضريبة 80? على التبرعات الأجنبية ل ...
- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس
- ترامب يقول إن هوليوود -تحتضر- ويفرض رسوما بنسبة 100% على الأ ...
- حرب ترامب التجارية تطال السينما ويهدد بفرض الرسوم على الأفلا ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - عبق الماضي