أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض














المزيد.....

الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 12:07
المحور: قضايا ثقافية
    


الانتحار من القضايا الشائكة التي تتقاطع فيها الجوانب القانونية والاجتماعية والنفسية. فهو من جهة يُعد جريمة في بعض القوانين، ومن جهة أخرى يُنظر إليه كمشكلة اجتماعية، بينما تتجه نظرة أكثر إنسانية وواقعية نحو اعتباره حالة مرضية تستدعي العلاج لا العقاب.

أولًا: الانتحار كجريمة في نظر القانون

من الناحية القانونية، فإن أغلب القوانين الوضعية لا تُعاقب على الانتحار بذاته، إذ لا يمكن ملاحقة من فقد حياته، بل توجّه العقوبة لمحاولة الانتحار، باعتبارها "شروعًا" في ارتكاب الجريمة. وهنا يتوفر القصد الجرمي، أي النية الواضحة للفعل، ويكون الفاعل والمجني عليه شخصًا واحدًا، مما يجعل الجريمة غير مكتملة الأركان.

فعلى سبيل المثال، القانون المصري يعاقب على الشروع في الانتحار بموجب المادة (244) من قانون العقوبات إذا أدى إلى اضطراب عام أو ضرر للغير، بينما القانون اللبناني لا يجرّم محاولة الانتحار صراحة لكنه يلاحق المحرّض أو المساعد على الانتحار بموجب المادة (552) من قانون العقوبات. أما في السعودية، فتُعد محاولة الانتحار مخالفة شرعية ويُعاقب عليها بعقوبات تأديبية.

من جهة أخرى، أغلب القوانين الغربية، مثل القانون الفرنسي، لا تجرّم محاولة الانتحار، بل تعالجها عبر تدخلات طبية ونفسية، وهو ما يعكس تطورًا في فهم أعمق لأسباب السلوك الانتحاري.

ثانيًا: الانتحار كظاهرة اجتماعية

عند النظر إلى الانتحار كظاهرة، نلاحظ أنه يُعزى إلى أسباب اقتصادية أو مجتمعية مثل الفقر أو البطالة أو التفكك الأسري. غير أن هذا التفسير قاصر، لأنه لو كان الفقر وحده كافيًا لدفع الناس نحو الانتحار، لكانت شعوب بأكملها في دول تعاني من مجاعات قد انقرضت. ما يؤكد أن العامل الاقتصادي ليس إلا عنصرًا واحدًا من منظومة معقدة.

التعامل مع الانتحار كظاهرة يُفضي إلى ضرورة البحث في جذوره العميقة، كالعنف الأسري، التنمّر، ضعف الدعم النفسي، أو صدمة فقدان. وهنا تلعب المؤسسات التربوية والإعلامية والدينية دورًا كبيرًا في رفع الوعي والتخفيف من وصمة طلب المساعدة النفسية.

ثالثًا: الانتحار كمرض نفسي – القراءة الأكثر واقعية

الاتجاه الثالث، وهو اعتبار الانتحار نتيجة اضطراب نفسي أو عقلي، يلقى قبولًا متزايدًا في الأوساط الطبية والحقوقية. فالشخص الذي يُقدم على إيذاء نفسه غالبًا ما يعاني من اكتئاب حاد، اضطراب ثنائي القطب، فصام، أو اضطرابات شخصية، تجعله غير قادر على تقييم الواقع بشكل منطقي.

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 90% من المنتحرين يعانون من اضطرابات نفسية يمكن علاجها، ما يعزز دعوة المعنيين إلى إحلال التدخل العلاجي محل العقوبة. ففي كندا والسويد، يتم التعامل مع محاولات الانتحار من خلال برامج علاج نفسي واجتماعي بدل المحاكم والسجون.

موقف القانون الدولي وحقوق الإنسان

تنظر المواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى الحق في الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية. وعليه، فإن تجريم الانتحار يتعارض مع هذه المبادئ، خاصة إذا لم يُرافق ذلك دعم نفسي واجتماعي حقيقي.

خلاصة

الانتحار ليس فعلاً إجراميًا بقدر ما هو نداء استغاثة أخير من إنسان يعاني في صمت. وعلى ضوء ذلك، يصبح من الضروري تعديل النظرة المجتمعية والقانونية تجاهه، عبر:

إلغاء تجريم محاولة الانتحار وتوجيه الجهود نحو العلاج.

تعزيز خدمات الصحة النفسية وتوفيرها للجميع دون وصمة.

تثقيف المجتمع بأن من يُفكر بالانتحار ليس "ضعيفًا"، بل "مريضًا" يستحق التعاطف والمساندة.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين
- بين قوسين من الصمت
- التقارب السعودي التركي الى أين؟
- أخر المحطات
- دمشق وبغداد والتوجه الأمريكي
- غياب العراق عن القمة الخليجية الأمريكية الأسباب والتداعيات
- نجاح الدبلوماسية السعودية
- التيارات القومية العربية من جديد
- حزب العمال الكردستاني يحل نفسه هل هو ارادة قومية ام ضغوط أقل ...
- تقنية ال-VAR-هل سرقت المتعة من كرة القدم؟
- التمييز العنصري
- التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة
- فن الحديث
- العلاقات الأيرانية السعودية بداية تحول إقليمي قبيل المفاوضات ...
- الحرب الهندية الباكستانيه هل هي أنتصار للصناعة الجوية الصيني ...
- فيما اذا تغير أسم الخليج
- الوعود الأنتخابية في العراق بين الديمقراطية الوليدة وخيبة ال ...


المزيد.....




- أعاصير وعواصف عملاقة تضرب أمريكا.. وخبراء طقس يحذرون من القا ...
- لحظة تحبس الأنفاس.. شاهد صاعقة برق تضرب سيارة شرطة أمريكية ف ...
- بريطانيا تستدعي سفيرة إسرائيل وتُعلق مفاوضات اتفاقية التجارة ...
- المملكة المتحدة تعلّق المفاوضات التجارية مع إسرائيل وتستدعي ...
- بعد 3 أشهر من الحصار الكامل.. دخول أولى شاحنات المساعدات إلى ...
- بعد فضيحة دامت عقودا.. بريطانيا تطلق حملة للكشف عن ضحايا -ال ...
- الدفاع الروسية تكشف حصاد الأمس من العملية العسكرية الخاصة
- مدفيديف يحدد العقبة الرئيسية أمام السلام في أوكرانيا وآخر -ف ...
- معركة كورسك بعيون قوات -أحمد-
- ليبيا.. 67 حزبا سياسيا تعلن دعمها للمحتجين وتدعو لإسقاط الحك ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض