رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 10:27
المحور:
المجتمع المدني
مع اقتراب كل موسم انتخابي في العراق، تعود معه مشاهد باتت مألوفة للمواطنين، بل أصبحت جزءاً من ذاكرة الشوارع والساحات: صور المرشحين المنتشرة بشكل مكثف ومزعج، تزاحم المارة والسيارات وتحتل الأعمدة الكهربائية، جدران المدارس، أبواب الدوائر الحكومية، وحتى أطلال البنايات الخربة والمهجورةلا فرق بين ذكر وأنثى، بين من يرتدي العقال والكوفية أو من يعتمر العمامة البيضاء أو السوداء، بذيالها من عدمه، أو من يتأنق ببدلة غربية كاملة في محاولة لتمثيل صورة "الأفندي العصري". الجميع يظهر بابتسامة مصطنعة وتحت صورهم تتراص الشعارات التي تكاد تتطابق في مضمونها إن اختلفت في صياغتها، وكلها تدور حول كلمة واحدة يتغنى بها الجميع: التغيير.
لكن التغيير الذي يعد به هؤلاء المرشحون ليس التغيير الذي يحلم به المواطن البسيط؛ لا إصلاح للبنية التحتية، ولا محاربة للفساد، ولا خلق لفرص العمل، بل هو تغيير شخصي، ذاتي، انتقائي. فبمجرد عبورهم عتبة البرلمان أو استلامهم لمنصب ما، تبدأ ملامح التغيير الحقيقية بالظهور: تتغير منازلهم من شقق أو بيوت بسيطة إلى فلل وقصور تحيط بها الجدران العالية وكاميرات المراقبة، وتتبدل سياراتهم إلى تاهو، جي كلاس، أو أحدث ما جادت به مصانع المركبات الفارهة. ساعاتهم لم تعد تشير فقط إلى الوقت بل إلى مستويات الرفاهية، من "رولكس" إلى "رادو"، وأحيانًا، يصل التغيير حد تبديل الزوج أو الزوجة، فالصورة الاجتماعية الجديدة تتطلب شكلاً جديدًا يتماشى مع المكانة الجديدة.
هذا "التغيير" المفاجئ لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة مخطط محكم يبدأ من أول صورة تعلق على عامود كهربائي، مرورًا بحملة شعارات كاذبة ومضللة، تنتهي عند سرقة صوت المواطن وتحويله إلى خطوة نحو ثراء شخصي. إنها دورة موسمية للخداع الجماعي، يستفيد منها من يعرف من أين تؤكل كعكة السياسة، ويخسر فيها المواطن الذي لا يزال يؤمن، رغم كل شيء، أن بين المرشحين من يحمل ذرة صدق.
إن استمرار هذه المسرحية لا يعود فقط إلى خبث بعض السياسيين، بل إلى قلة الوعي السياسي، وضعف المحاسبة، وغياب الإعلام المهني الذي يكشف الزيف ويحاسب من يكذب. التغيير الحقيقي لن يأتي من صورة على حائط مهجور، بل من وعي شعبي لا يمنح صوته إلا لمن يستحق، ومن إرادة جماعية ترفض أن تكون ضحية موسمية في انتخابات لا تأتي إلا بالخيبة.
#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)
Raheem_Hamadey_Ghadban#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟