أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - كلكم خەڵکەکم














المزيد.....

كلكم خەڵکەکم


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 01:45
المحور: الادب والفن
    


على الساتر الأول من الحجابات في قاطع الخفاجية – زهاب، حيث كانت رحى الحرب العراقية الإيرانية تطحن أعمار الشباب، كان هناك من يحلمون بالحياة، لا بالمجد ولا بالموت. شباب بعمر الورد، من مختلف مستوياتهم الدراسية، من لا يجيد القراءة والكتابة، ومن تخرّج من الجامعة، لكنه تأخر عن التعيين، لأن الشرط الأول كان: الخدمة الإلزامية.

في مركز تدريب مشاة الناصرية، التقى فتية جمعتهم ورقة التكليف، لا اللغة ولا المنطقة ولا الطبقة الاجتماعية. من أعماق الهور جاء بعضهم، ومن قمم الجبال نزل آخرون. لا أحد يعرف الآخر، لكن في عيونهم جميعًا شيء مشترك: الشوق للحياة، والحنين للأمان.

ذات صباح، وفي ساحة العرضات، حيث تصطف الأرواح كما تصطف الأجساد، حضر رئيس عرفاء الوحدة، أقدم نائب ضابط في المعسكر، يتبختر بعصاه التي تعتبر من رموز القيافة العسكرية. بيده ورقة تحتوي على أسماء، كأنها قائمة انتظار للموت.

نادى بصوته الجاف:

"حسين ... عبدالقادر .. سردار ... طلعت ... شدراك "

ثم قال دون تردد:
"التحقوا بي إلى المقر... أنتم منقولين إلى الجبهة... وحدتكم في منطقة الخفاجية."

سلّمهم نماذج إجازة قصيرة، ثمّ قال:
"التحاقكم بعدها بموجب هذا الكتاب... فيه عنوان وحدتكم."

كل واحد منهم توجّه إلى أهله ليودّعهم. حسين قبّل يد أمه طويلاً. طلعت طمأن والده بأنه سيعود سريعًا. أما سردار، ذلك الفتى الكردي، فكان صامتًا... فقط احتضن أخته وقال بالكردية:
"دەگەڕێم... واعدك."
سأعود... أعدك.

اتفقوا على اللقاء في ساحة سعد – البصرة، حيث كانت سرية الانضباط العسكري تنقل الجنود إلى وحداتهم. لم يتأخر أحد. التحقوا بالوحدة الجديدة، وتم إرسالهم مباشرة إلى أحد الفصائل الأمامية، الذي كان يعاني من نقص في الأفراد. وصلوا هناك عند منتصف النهار، بعد أن باتوا ليلتهم في مقر اللواء. سلّموهم البنادق الكلاشنكوف، والعتاد، والقلق.

في ذلك الفصيل، استقبلهم الملازم ثامر، شاب وسيم، وحيد لأمه وثلاث أخوات. كان دافئًا بشكل غريب وسط هذا المكان البارد. احتضنهم جميعًا بكلماته، واختارهم ليكونوا جميعًا في نفس الموضع معه.

بدأت بينهم الأخوّة. كانوا يقتسمون الطعام، الدخان، والضحكة. ووسط برد الليالي، يتحلّقون حول مدفأة بدائية، يسكبون الشاي من إبريق صدئ، ويتحدثون عن الحياة.

ثامر يروي عن أمه التي كانت تقص له شعره وتخاف عليه كأنه ما زال طفلها الصغير.
حسين كان يرسم بعود على التراب حلم بيت صغير.
عبدالقادر يقرأ أبيات شعر عن بغداد ومقاهيها.
طلعت يعزف على ناي من صنعه.
شدراك يمزح دومًا، ويقول: "سأبني كنيسة وسط الهور وأسمّيها كنيسة الطين."
وسردار؟
كان يبتسم، يردّد كلماتهم بعربية مكسورة، ويضحك معهم كأنه وُلد بينهم.

في إحدى الليالي، قال ثامر فجأة:
"إذا متّ... لا تخلّوني وحدي."

سكت الجميع. ثم ضحكوا... كمن يضحك ليهرب من وجع محتمل.

وفي ليلة من ليالي الموت

كانت السماء صافية بشكل مخيف، والبرد ينهش العظام. وفجأة، دوى إطلاق نار مباشر باتجاه موضعهم.
كانت الرصاصة قنصًا دقيقًا. عرفوا أن قنّاصًا ماهرًا يترصّدهم.

قال ثامر:
"لازم نلتف عليه. بس لازم واحد أول يشغله، والبقية يتحركون."
تسابقوا جميعًا ليكونوا ذلك الشخص، لكنّه قال بابتسامة كئيبة:
"أنا أولكم... أنتم بعدي."

خرج. مشى بخطوات محسوبة. وقبل أن يصل، اخترقت رصاصة صدره. سقط.. على بعد ١٥٠ متر من رفاقه. ولم يتحرك.

كانوا ينظرون إليه، والذهول شلّ أجسادهم.
حسين انطلق نحوه... سقط.
عبدالقادر تبعه... وسقط.
طلعت لحقهما... ثم شدراك.

واحدًا تلو الآخر، يحاول أن يُنقذ من سبقه، فيموت مكانه.

بقي سردار وحيدًا. يراقب أجساد أصدقائه ممددة، والدم يغرق الأرض. لم يعد يفهم الكلمات. لم يعد يفهم الحرب. لكنّه فهم شيئًا واحدًا:

هؤلاء لم يكونوا فقط رفاق سلاح...
هؤلاء كانوا عائلته.

صرخ بكل ما في قلبه من وجع:

"کڵکەم... کڵکەم!!"
"كلكم... كلكم خەڵکەکم!"
"أنتم ناسي... أنتم أهلي!"

ركض إليهم. عاري القلب. مكسور العقل. دخل حقل الألغام...
وانفجر كل شيء.

لم يعد من جسده شيء، فقط ترابه امتزج بترابهم.
لكن صرخته بقيت. تردّدها الريح بين سواتر الخفاجية، وتتناقلها الألسن في كل معسكر:

"كلكم خەڵکەکم"
هكذا قال سردار، فودّعنا جميعًا.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما
- الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين


المزيد.....




- راهبتان برازيليتان تحولان برنامجًا دينيًا إلى عرض موسيقي عفو ...
- براد بيت يكسر صمته بشأن إنهاء طلاقه من أنجلينا جولي
- وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة عن 77 عاما بعد صراع مع ا ...
- فيلم -8 أكتوبر- يهاجم الاحتجاج ضد الإبادة دعما لأجندة يمينية ...
- هي ثاني أكثر اللغات انتشارا في فرنسا... ما هو واقع تعليم الل ...
- مصر.. مسؤول يحذر من خطورة -ثقافة التريند- على الأمن القومي
- راغب علامة يعلّق على زيارته للرئيس اللبناني
- من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي التي استضافها مهرجان كان الس ...
- أسرار باريس | أشباح كواليس الأوبرا
- -التربية-: مدارسنا تحصد جوائز ومراكز متقدمة بمهرجان أفلام ال ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - كلكم خەڵکەکم