أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم حمادي غضبان - التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت العدالة














المزيد.....

التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت العدالة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 03:51
المحور: حقوق الانسان
    


الاختطاف، الفقدان، والتغيب القسري، هي مصطلحات تشكل وجوهاً متعددة لجريمة واحدة في جوهرها، وهي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان واعتداء مباشر على كرامته وحريته، وغالباً ما تُمارس هذه الأفعال في سياقات يغلب عليها طابع العنف السياسي أو الطائفي أو الحروب الداخلية، حيث تتحول الدولة أو الجماعات المسلحة إلى أطراف تنتهك أبسط القواعد الأخلاقية والقانونية. وفي العراق، منذ تأسيس الدولة الحديثة في العهد الملكي عام 1921 وحتى يومنا هذا، كان لهذا النوع من الانتهاكات حضور دائم بأشكال متفاوتة وفقاً للمرحلة السياسية السائدة. ففي العهد الملكي، كانت هناك حالات اختفاء لأسباب سياسية وأمنية تتعلق بالمعارضين أو المتهمين بالانتماء لأحزاب محظورة، لكنها كانت محدودة نسبياً مقارنةً بما تلاها من عهود. أما بعد انقلاب 1958 وتأسيس النظام الجمهوري، فقد دخل العراق مرحلة جديدة من القمع السياسي والاختفاءات القسرية، خصوصاً خلال فترة حكم حزب البعث، التي شهدت أوسع حملات الاعتقال والإعدام والتغييب، خصوصاً في حقبة السبعينيات والثمانينيات، حيث وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، آلاف الحالات التي تم فيها تغييب الأفراد قسرياً دون محاكمات عادلة، وغالباً ما لم يُكشف مصيرهم حتى اليوم.

في تسعينيات القرن الماضي، ونتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على العراق، ازداد القمع الداخلي كوسيلة للسيطرة، فكان التغيب القسري يُمارس بحق كل من يُشتبه في معارضته للنظام حتى ولو بالكلام. وبعد عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، كانت الآمال معقودة على بناء دولة القانون، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ تصاعدت موجات العنف الطائفي والسياسي، وتعددت الأطراف التي تمارس التغييب القسري، سواء عبر المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون، أو حتى ضمن أجهزة أمنية تعمل تحت مظلة الدولة. ومنذ ذلك الحين، أصبح ملف المغيبين أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيداً، حيث لا تزال آلاف العائلات تبحث عن مصير أبنائها، الذين غيبوا في ظروف غامضة، وسط غياب الإرادة الحقيقية لدى الحكومات المتعاقبة لحل هذا الملف، أو محاسبة المسؤولين عنه.

من الناحية القانونية، يُعد التغيب القسري جريمة ضد الإنسانية وفقاً للمادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما تنص المادة (1) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 على أن "لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري"، وهي اتفاقية لم يصادق عليها العراق بعد، ما يعكس ضعف الالتزام الدولي في هذا الشأن. كما يعاقب القانون العراقي على جرائم الاختطاف في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، لا سيما في مواده (421-423)، التي تجرم القبض أو الحجز أو الحرمان من الحرية بغير وجه حق. ولكن هذه النصوص لم تُطبق بشكل فعال في حالات الاختفاء القسري، حيث يواجه القضاء ضغوطاً سياسية وأمنية تعيق إجراء تحقيقات نزيهة وشفافة.

أما من الناحية الشرعية، فإن التغيب القسري يخلق مشكلات متشابكة تتعلق بالذمم المالية والتركات والميراث، إذ لا يُعرف مصير المختفي، ما يعلق حقوق ورثة في حالة الوفاة المحتملة، كما يحرم الأسرة من المعيل الشرعي، ويضعهم في وضع قانوني معلق. وشرعاً، يعتبر هذا الفعل محرماً، لما فيه من ظلم وعدوان وقطع للروابط الأسرية والاجتماعية.

في ضوء ذلك، تقف منظمات حقوق الإنسان موقفاً واضحاً من هذه الممارسات، حيث تعتبرها من أخطر أشكال الجرائم المنظمة، وتطالب دائماً بكشف مصير المختفين، وإحالة المسؤولين عنها إلى المحاكم الوطنية أو الدولية، وتوفير العدالة لعائلات الضحايا. كما تكرر هذه المنظمات دعوتها للحكومة العراقية بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وتشكيل لجان مستقلة لحصر الملفات، وتوثيقها، ومن ثم تفعيل المساءلة القضائية بعيداً عن تأثيرات السلطة والنفوذ.

ختاماً، فإن ملف الاختطاف والفقدان والتغيب القسري في العراق ليس مجرد مشكلة حقوقية أو إنسانية، بل هو أحد أهم المؤشرات على ضعف الدولة، وتغول العنف، وغياب العدالة. إن معالجته تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحاً جذرياً في المؤسسات الأمنية والقضائية، وتعاوناً دولياً لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، ورد الاعتبار للضحايا وأسرهم، بما يكفل ترسيخ قيم الدولة المدنية وسيادة القانون.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما
- الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين
- بين قوسين من الصمت
- التقارب السعودي التركي الى أين؟
- أخر المحطات


المزيد.....




- أحدهما أردني الجنسية.. السعودية تعلن إعدام 3 أشخاص وتكشف هوي ...
- العفو الدولية: تعليق المساعدات الأميركية يؤثر على حياة الملا ...
- الأمم المتحدة تعتزم خفض ميزانيتها 20% وإلغاء آلاف الوظائف بس ...
- -اليونيسف-: أكثر من مليون طفل معرضون للخطر مع انتشار الكولير ...
- كاكوما.. قصة مخيم لاجئين أسسه أطفال
- الأونروا: غزة أصبحت مقبرة.. مئات الآلاف يتضورون جوعا وجميع م ...
- بيان تعزية وتضامن مع الزميل هاني العسكري
- تشيلي تسحب ملحقيها العسكريين من إسرائيل بسبب الوضع الإنساني ...
- بعد دعوات لتهجيرهم من هولندا.. لاجئون سوريون: بلادنا لا تزال ...
- الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في غزة تجاوز حجم الكارثة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم حمادي غضبان - التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت العدالة