أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - العراق وأزمات المركز والأقليم














المزيد.....

العراق وأزمات المركز والأقليم


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 12:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ عام 2003، دخل العراق مرحلة سياسية جديدة قوامها الديمقراطية والنظام الفيدرالي، كما أقرّه الدستور العراقي لعام 2005. وقد نال إقليم كردستان مكانة دستورية ككيان فدرالي يتمتع بصلاحيات واسعة ضمن الدولة العراقية. غير أن هذه الصيغة الدستورية، التي كان يُفترض أن تكون أساسًا لبناء دولة موحدة تحترم التعدد والتنوع، تحولت في كثير من الأحيان إلى أرض خصبة لخلافات عميقة بين بغداد وأربيل، باتت تتكرر وتتصاعد مع كل منعطف سياسي أو أزمة اقتصادية.

الملفات الخلافية بين المركز والإقليم لا تُعد ولا تُحصى. من أبرزها تقاسم الثروات، خصوصًا النفط والغاز، وإدارة المنافذ الحدودية، والصلاحيات الأمنية والعسكرية، وتوزيع المناصب السيادية، ورواتب موظفي الإقليم، فضلًا عن مواضيع أكثر حساسية مثل التمثيل الدبلوماسي للإقليم، والتعاقد مع الشركات العالمية، والمطالبة بالاستقلال في بعض المحطات السياسية. وعلى الرغم من توقيع العديد من الاتفاقات والتفاهمات بين الطرفين، فإن الأزمات تتجدد بشكل مستمر، وتطفو إلى السطح مجددًا مع كل تغيير حكومي أو مفصل مالي.

وتلعب المصالح الحزبية والشخصية دورًا كبيرًا في تأجيج هذه الخلافات، حيث تسعى الأطراف المتنفذة، سواء في المركز أو الإقليم، إلى توظيف النزاعات كورقة ضغط لتحصيل المكاسب السياسية أو تقوية موقفها التفاوضي. كما أن نظام المحاصصة الطائفية والقومية، الذي تأسست عليه العملية السياسية بعد 2003، ساهم في تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات بيد الأحزاب، تُدار وفقًا للحسابات الفئوية الضيقة، لا وفقًا للمصلحة الوطنية. يضاف إلى ذلك التفسيرات المتباينة والمتناقضة للدستور، خاصة ما يتعلق بالصلاحيات الحصرية والمشتركة، ما يفتح الباب لتأويلات متعمدة تُستخدم في اللحظات السياسية الحرجة.

واحدة من أبرز النقاط الخلافية تتمثل في التمثيل الدبلوماسي لإقليم كردستان. حيث تحتضن مدن الإقليم عددًا من القنصليات الأجنبية التي تتعامل بشكل مباشر مع حكومة الإقليم، في ظل غياب التنسيق الفعّال مع وزارة الخارجية العراقية. كما افتتح الإقليم ممثليات له في عدد من الدول الأوروبية والغربية، تحمل طابعًا ثقافيًا أو اقتصاديًا، لكنها في الواقع تمارس أدوارًا سياسية تمثل تجاوزًا على اختصاصات الحكومة الاتحادية، التي يخولها الدستور حصريًا إدارة الشؤون الخارجية، وفقًا للمادة 110. هذا الواقع أدى إلى خلق ازدواجية في تمثيل العراق الدولي، وفتح المجال لتدخلات خارجية تستغل الانقسام الداخلي لتكريس نفوذها في الإقليم بمعزل عن المركز.

وما يزيد الوضع تعقيدًا هو ملف التعاقدات النفطية التي أبرمها الإقليم مع شركات دولية من دون العودة إلى وزارة النفط العراقية. فخلال السنوات الماضية، وقعت حكومة الإقليم عشرات العقود مع شركات طاقة عالمية، وهو ما تعتبره الحكومة الاتحادية مخالفة دستورية صريحة. وقد أيدت المحكمة الاتحادية هذا الرأي بقرارات تؤكد أن إدارة الثروات الطبيعية من الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية، وليس من صلاحيات الحكومات المحلية أو الإقليمية. ورغم ذلك، تواصل بعض الشركات الأجنبية تعاملها مع حكومة الإقليم، متجاهلة القرارات القضائية العراقية، ما يفتح تساؤلات كبيرة حول مدى احترام هذه الشركات لسيادة الدولة العراقية، وتواطؤ بعض الحكومات الداعمة لها في تجاوز الشرعية القانونية.

تُعَدّ هذه التصرفات، سواء من قبل الإقليم أو من قبل بعض الشركات والدول، تحديًا مباشرًا لسيادة الدولة العراقية، وتكريسًا لحالة من الانفصال الفعلي على الأرض، وإن لم يُعلن رسميًا. ويرى بعض المراقبين أن هناك تساهلًا دوليًا مع هذه الخروقات، لأسباب سياسية واستراتيجية، تتعلق بتفضيل بعض القوى العالمية وجود إقليم شبه مستقل داخل العراق، يمكن التعامل معه بشكل مباشر خارج تعقيدات بغداد. هذا الوضع لا يُضعف الدولة فقط، بل يُعمق من الانقسام الداخلي، ويعطل بناء مؤسسات قوية موحدة.

وسط هذه التوترات، يبقى المستفيد الأول هو الأحزاب السياسية المتنفذة التي تستغل الأزمات لتأمين مصالحها، وتستخدم الخلافات كوسيلة لتعبئة الشارع القومي أو الطائفي، وتحويل الأنظار عن قضايا الفساد وسوء الإدارة. كما أن شبكات الفساد الاقتصادي والإداري تجد في هذه الأجواء المشحونة بيئة مثالية لنهب المال العام وتمرير الصفقات بعيدًا عن أعين الرقابة.

في المقابل، تدفع الدولة العراقية، كمؤسسة، ثمن هذا الانقسام، حيث تتآكل شرعيتها وتتقلص سلطتها على أجزاء من أراضيها، في ظل عجز دائم عن فرض القانون بشكل موحد. كما يخسر المواطن العراقي في النهاية حقوقه الأساسية، ويجد نفسه عالقًا في صراع لا نهاية له بين قوى تتصارع على النفوذ أكثر مما تتنافس على تقديم الخدمات أو بناء الدولة.

إن إنهاء هذه الأزمات المتكررة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، تبدأ من إعادة صياغة العلاقة بين المركز والإقليم على أساس الدستور، لا على أساس المزاج السياسي. كما يجب إلزام جميع الجهات، المحلية والدولية، باحترام سيادة العراق وعدم التعامل مع أي جهة خارج الأطر الرسمية. أما على المستوى الداخلي، فهناك حاجة ماسة إلى بناء نظام سياسي جديد يقوم على المواطنة والمؤسسات، لا على المحاصصة والانتماءات، ويؤمن بأن استقرار العراق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الشراكة الحقيقية والعدالة في توزيع الثروات والسلطة.

وبينما تستمر الأطراف المختلفة في خوض صراعاتها السياسية، يبقى العراق، كدولة وشعب، هو المتضرر الأكبر من كل أزمة تُفتعل، وكل نزاع يُدار، وكل سيادة تُخترق.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية وتبادل المصالح قرأة ببن الناخب ومن يمثله في التج ...
- العقيدة الأدارية في العراق بين زمن التأسيس وزمن المحاصصة
- مادة الثقافة الجنسية هل أصبحت ظرورة في المدارس؟
- خذ الحكمة من أفواه المجانين
- كلكم خەڵکەکم
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما


المزيد.....




- إدارة ترامب تنشر سجلات متعلقة باغتيال مارتن لوثر كينغ
- عراقجي يؤكد تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم رغم الأضرار الجسيمة ...
- جامعة هارفارد تطالب القضاء بإجبار إدارة ترامب على إعادة منح ...
- عاجل | ترامب: سنعيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا كان ذل ...
- شيخ عقل دروز لبنان: على الهجري -التجاوب- وإبداء -مرونة-
- فيديو متداول لـ-اشتباكات عشائر بدوية ومسلحين دروز- بالسويداء ...
- مصر: محكمة جنايات القاهرة تشطب اسم علاء عبد الفتاح من قائمة ...
- الكشف عن تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف ...
- فيديو أثار غضبا.. إجبار شبان دروز على القفز من الطابق الرابع ...
- أزمة مياه في تونس العاصمة تزامنا مع الحر الشديد


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - العراق وأزمات المركز والأقليم