أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - المقاتلون الأجانب في الجيش السوري بين العقيدة العسكرية والانتماءات الأخرى














المزيد.....

المقاتلون الأجانب في الجيش السوري بين العقيدة العسكرية والانتماءات الأخرى


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 10:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهد التاريخ الحديث حالات متعددة استعانت فيها الإمبراطوريات الكبرى بالمجندين المحليين ضمن جيوشها، ليس إيمانًا بمواطنتهم أو شعورًا بالمساواة، بل لأغراض عملية بحتة، تتمثل في تقليل التكلفة والاستفادة من خبرات محلية تخدم أغراض التوسع والسيطرة. ففي عهد الإمبراطورية العثمانية، جنّد العرب وغيرهم للقتال في أراضٍ بعيدة لا تربطهم بها صلة، كما اعتمدت الإمبراطورية البريطانية على جنود من مستعمراتها، كالهند والعراق، للمشاركة في حروب عالمية وقمع انتفاضات شعبية. لكن هذا النموذج القائم على تجنيد "الآخر" تطوّر اليوم في بعض النزاعات، وأصبح يأخذ طابعًا أكثر تعقيدًا، وأكثر خطرًا، خاصة حين يصبح المقاتل الأجنبي ليس فقط أداة مؤقتة، بل جزءًا من البنية الدائمة للقوة المسلحة للدولة. وهذا ما نراه اليوم في سوريا.

ففي خضم الصراع الذي يعيشه البلد منذ عام 2011، ومع تفكك المؤسسة العسكرية التقليدية، برز المقاتل الأجنبي ليس كعنصر داعم فقط، بل كجزء فاعل من تشكيلات النظام السوري العسكرية، سواء عبر ميليشيات طائفية عابرة للحدود، أو عبر وحدات مدعومة من دول إقليمية. هؤلاء المقاتلون غالبًا ما يحملون خلفيات مذهبية أو أيديولوجية قوية، وولاءاتهم لا تُبنى على مفهوم الدولة السورية ككيان وطني، بل على انتماء طائفي أو ارتباط استراتيجي بقوى إقليمية. وهنا يُطرح التساؤل المركزي: هل يستطيع الانضباط العسكري والعقيدة التنظيمية أن تفرض نفسها على الولاءات العقائدية والمصلحية؟ أم أن الجيش نفسه يفقد بذلك هويته الوطنية ويتحوّل إلى أداة وظيفية لخدمة مشاريع تتجاوز حدود الوطن السوري؟

العقيدة العسكرية بطبيعتها تفترض الطاعة والانضباط والتسلسل القيادي، لكنها تستند في الأنظمة الوطنية إلى أساس متين هو الولاء للوطن، والدفاع عن سيادته. أما حين يغيب هذا الأساس، وتُستبدل الهوية الوطنية بولاءات خارجية، فإن البنية العسكرية تتحول إلى أداة لمصالح لا تنبع من الداخل. في مثل هذا السياق، يصبح الانتماء العسكري مجرد غلاف، بينما تتحرك القوة المسلحة بدوافع أيديولوجية أو مذهبية أو حتى مادية.

من الزاوية القانونية، فإن إشراك مقاتلين أجانب في نزاع داخلي يشكل إشكالًا واضحًا في ضوء القانون الدولي الإنساني. فوفقًا لاتفاقيات جنيف، خاصة البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، فإن النزاعات المسلحة غير الدولية يجب أن تُدار بأطراف من داخل الدولة نفسها، ويُعدّ التدخل العسكري الخارجي غير المشروع انتهاكًا للسيادة الوطنية. كما أن المقاتلين الأجانب، ما لم يكونوا جزءًا من جيش نظامي لدولة تعترف بها الأمم المتحدة وتقاتل ضمن تفويض قانوني، لا يُمنحون صفة "المقاتل الشرعي"، ما يجعلهم عرضة للمساءلة الجنائية، خاصة إذا ارتُكبت انتهاكات ضد المدنيين أو البنية التحتية. بل إن القانون الدولي يحمّل الدول التي ترسل أو تموّل هؤلاء الأفراد، أو تسمح بعبورهم، جزءًا من المسؤولية الدولية عن الانتهاكات، ضمن مبدأ "المسؤولية عن الفعل غير المشروع".

التجربة السورية ليست الأولى في هذا الباب، فقد شهدت دول أخرى ظروفًا مشابهة. في الحرب الأهلية في سيراليون وليبيريا في التسعينيات، أدّت مشاركة مقاتلين أجانب ومرتزقة إلى تفكيك الجيش الوطني وتحوله إلى خليط من الولاءات المتضاربة، ما أدى في النهاية إلى انهيار الدولة. وفي اليمن، أدى التدخل الإقليمي ووجود تشكيلات عسكرية متعددة الولاء إلى تفكك الجيش، وتعميق الانقسام السياسي. أما في العراق بعد 2003، فقد أسهم إدماج الميليشيات الطائفية ضمن القوى الأمنية في تقويض مبدأ الحياد المؤسساتي، وخلق أزمة ثقة بين الدولة ومكوناتها الاجتماعية. هذه الأمثلة تعزز الفرضية أن الجيش، حين لا يُبنى على أسس وطنية جامعة، يتحول من حامٍ للدولة إلى أداة في تمزيقها.

وفي سوريا، تتكرر المعادلة نفسها، حيث تُعاد صياغة الجيش لا بوصفه مؤسسة وطنية، بل كقوة تتغذى على دعم خارجي، وتحمل على أكتافها عناصر ولاؤها الحقيقي ليس للعَلم السوري، بل لمراكز قوى إقليمية. والخطر لا يكمن فقط في اللحظة الراهنة، بل في مستقبل هذا التكوين العسكري؛ فحين يتغير توازن القوى، أو تتبدل التحالفات، قد تتحول هذه العناصر إلى مراكز تمرد، أو إلى أدوات ضغط على الدولة ذاتها. بل الأخطر أن تتحول إلى دولة موازية داخل الدولة.

في الختام، لا يمكن للعقيدة العسكرية، مهما بلغت من صرامة، أن تحلّ محل الانتماء الوطني الحقيقي، ولا يمكن للجيش أن يبقى موحدًا إن كان أبناؤه لا يحملون ولاءً مشتركًا للأرض والراية والسيادة. فحين تُختزل الهوية الوطنية في الانضباط الظاهري، وتُفرّغ المؤسسة العسكرية من معناها السيادي، فإن الدولة تدخل في مسار هشٍ من التفكك. ولعل التجربة السورية تطرح، أمام المجتمع الدولي والحقوقيين والعسكريين على حد سواء، سؤالًا وجوديًا: كيف يمكن حماية مفهوم الدولة حين تصبح أدوات حمايتها مرتبطة بولاءات خارج حدودها؟



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرة الغربية للعقل الأسلامي
- من السلطة الى التسلط كيف يتحول القائد الى مستبد
- قادة دول من المقاومة الى الزعامة
- التغيير الموعود...حين تتحول الشعارات إلى وسيلة للثراء
- من تحت الركام تولد المقاومة
- الانتهازية والاستغلال: سلوكيات مرفوضة تُصنّف ضمن الاحتيال ال ...
- العراق وأزمات المركز والأقليم
- الديمقراطية وتبادل المصالح قرأة ببن الناخب ومن يمثله في التج ...
- العقيدة الأدارية في العراق بين زمن التأسيس وزمن المحاصصة
- مادة الثقافة الجنسية هل أصبحت ظرورة في المدارس؟
- خذ الحكمة من أفواه المجانين
- كلكم خەڵکەکم
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش


المزيد.....




- البيت الأبيض يعلق لـCNN على ادعاء إيلون ماسك بشأن -وجود ترام ...
- -تصعيد جديد- بين إيلون ماسك وترامب: أغنى رجل في العالم يدعو ...
- كم بلغت خسائر إيلون ماسك بسبب منشوراته؟
- حماس تعلن جاهزيتها لمفاوضات حول هدنة جديدة وإسرائيل تقتل 37 ...
- -بومة الليل-.. دراسة صادمة تكشف سر تدهور الدماغ لدى محبي الس ...
- مصادر تكشف لـCNN عن تحويل الجيش الأمريكي وسيلة تستخدمها أوكر ...
- دونالد ترامب وإيلون ماسك من التحالف إلى العداء، فما القصة؟
- ترحيلات جماعية بأعداد قياسية: هل -تعاقب- الجزائر النيجر؟
- السودان: إطلاق مضادات للطيران في بورت سودان بالتزامن مع تحلي ...
- هجوم روسي واسع على أوكرانيا بالصواريخ والمُسيرات


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - المقاتلون الأجانب في الجيش السوري بين العقيدة العسكرية والانتماءات الأخرى