أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - النظرة الغربية للعقل الأسلامي














المزيد.....

النظرة الغربية للعقل الأسلامي


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 10:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ينظر بعض المفكرين الغربيين إلى الأمة الإسلامية بوصفها "أمة نصية"، في إشارة إلى تمسكها الشديد بالنصوص المقدسة — القرآن الكريم والسنة النبوية — في مختلف مناحي الحياة، من التشريع والقضاء إلى الأخلاق والسياسة. ووفقًا لهذا المنظور، فإن الأمة الإسلامية تُمارس حياتها اليومية بعقلٍ مغلقٍ، مسجونٍ في قفص النص، مما يمنع عنها مسار "التحرر العقلي" الذي عاشته أوروبا إبان عصر التنوير.

هذه النظرة، رغم أنها تبدو توصيفًا تحليليًا، إلا أنها تنطوي على خلل مزدوج: إسقاط للتجربة الغربية على غيرها، وإجهاض لفهم النص القرآني وطبيعة العقل الإسلامي، الذي لم يعرف يومًا عداءً بين العقل والوحي، بل أقام بينهما توازنًا دقيقًا عزّ نظيره في الحضارات الأخرى.

فالقرآن الكريم — على عكس النصوص اللاهوتية في أوروبا المسيحية — لم يضع العقل في موضع التابع أو الخاضع، بل جعله أداة للتدبر، وسبيلاً للهداية، وأساسًا للمسؤولية الأخلاقية والشرعية. الآيات القرآنية التي تخاطب العقل ليست قليلة، بل تُشكّل حضورًا بنيويًا في الخطاب القرآني: "أفلا تعقلون"، "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون"، "أفلا يتفكرون". هذا التقدير للعقل يتجلّى أيضًا في التأسيس لعلم أصول الفقه، الذي يربط بين "النقل والعقل"، ويمنح الاجتهاد مساحته الرحبة طالما التزم قواعد الفهم المنضبط.

لكن، هل المشكلة في النص نفسه؟ أم في العقل السياسي العربي الذي تعامل مع النص بأدواتٍ سلطوية أكثر من كونها عقلانية؟


---

العقل السياسي العربي: بين النص والتسلط

إذا أردنا تفكيك التهمة الموجهة للإسلام بـ"الجمود النصي"، فإننا لا بد أن نميّز بين الإسلام كنصّ وروح، وبين النظم السياسية التي حكمت باسمه. فالعقل السياسي العربي — منذ العصور الأموية وحتى العصر الحديث — غالبًا ما استخدم النصوص كوسائل للشرعنة لا كمنطلقات للتحرير، واختزل الدين في شعارات تخدم النظام السياسي.

في العصور الإسلامية المبكرة، كان الصراع بين السلطة والعلماء دائمًا حادًا، حيث سعى الخلفاء إلى تطويع الفقهاء والنصوص لخدمة الدولة، بينما حاول العلماء التمسك بمبدأ أن الشرعية تأتي من النص لا من الحاكم.

مع مرور الزمن، برزت ظاهرة التدين الرسمي، وتَشكّل عقل سياسي يُقدّس "الطاعة" ويخشى "الحرية"، ويُجيّر النص لصالح الاستقرار السلطوي لا التغيير الأخلاقي أو النهضوي.

هذا العقل السياسي استعار قداسة النص، لكنه أقصى روحه العقلانية والاجتهادية، فبات يستخدمه كأداة تزكية للحكم لا كوسيلة للنهوض بالأمة.


ولذلك، فإن الجمود الذي وُصف به العقل الإسلامي في بعض مراحل التاريخ لم يكن نابعًا من النص ذاته، بل من جمود العقل السياسي الذي استدعى النصوص دون أن يفهم مقاصدها، وأخضع الشريعة لسلطة السياسة بدل أن يُخضع السياسة لمقاصد الشريعة.


---

بين التنوير الغربي والتجديد الإسلامي

التنوير الغربي قام على قطيعة معرفية كبرى مع الكنيسة والنص المقدس. أما في الإسلام، فالنهوض لا يقوم على القطيعة مع النص، بل على استئناف قراءته بمنهج تجديدي، يستلهم روحه ويقرأ واقعه. والمفكرون المسلمون الكبار — من الشاطبي وابن خلدون، إلى محمد عبده ومالك بن نبي ومحمد إقبال — دعوا إلى التنوير لا خارج النص، بل من داخل النص، مؤكدين أن الوحي لا يصادر العقل، بل يرشّده.

ومن هنا، فإن ما يُوصف بأنه "نصية" مقيّدة في الأمة الإسلامية، هو في جوهره تشويه لمفهوم النص في الإسلام، واختزال لحضارةٍ عريقةٍ كانت، ولا تزال، تمتلك القدرة على أن تُعيد إنتاج نفسها حينما تُفعّل عقلها في ضوء وحيها.


---

خاتمة

إن وصف الأمة الإسلامية بأنها "أمة نصية" بمعناه التحقيري، ليس سوى اختزال مخلّ لتجربة دينية وثقافية عميقة. نعم، نحن أمة نص، ولكننا أمة نصٍّ حر، حي، مفتوح على العقل والواقع والنهضة. المشكلة لم تكن يومًا في القرآن ولا في السنة، بل في طريقة توظيف العقل السياسي لهما، حين حوّل النص من مصدر لتحرير الإنسان إلى أداة لضبطه وترويضه.

الإسلام لا يحتاج إلى أن يتحرر من النص، بل إلى أن يُحرر النص نفسه من قبضة الجمود، وأن يُفعّل العقل في فهمه، كما فعل علماؤنا الأوائل، وكما تقتضي طبيعة العصر اليوم. فالنهوض يبدأ من الاعتراف بأن النص ليس قيدًا، بل هو بوصلة حضارية لا تزال صالحة، ما دام العقل حيًا وقادرًا على قراءتها من جديد.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من السلطة الى التسلط كيف يتحول القائد الى مستبد
- قادة دول من المقاومة الى الزعامة
- التغيير الموعود...حين تتحول الشعارات إلى وسيلة للثراء
- من تحت الركام تولد المقاومة
- الانتهازية والاستغلال: سلوكيات مرفوضة تُصنّف ضمن الاحتيال ال ...
- العراق وأزمات المركز والأقليم
- الديمقراطية وتبادل المصالح قرأة ببن الناخب ومن يمثله في التج ...
- العقيدة الأدارية في العراق بين زمن التأسيس وزمن المحاصصة
- مادة الثقافة الجنسية هل أصبحت ظرورة في المدارس؟
- خذ الحكمة من أفواه المجانين
- كلكم خەڵکەکم
- مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب


المزيد.....




- البيت الأبيض يعلق لـCNN على ادعاء إيلون ماسك بشأن -وجود ترام ...
- -تصعيد جديد- بين إيلون ماسك وترامب: أغنى رجل في العالم يدعو ...
- كم بلغت خسائر إيلون ماسك بسبب منشوراته؟
- حماس تعلن جاهزيتها لمفاوضات حول هدنة جديدة وإسرائيل تقتل 37 ...
- -بومة الليل-.. دراسة صادمة تكشف سر تدهور الدماغ لدى محبي الس ...
- مصادر تكشف لـCNN عن تحويل الجيش الأمريكي وسيلة تستخدمها أوكر ...
- دونالد ترامب وإيلون ماسك من التحالف إلى العداء، فما القصة؟
- ترحيلات جماعية بأعداد قياسية: هل -تعاقب- الجزائر النيجر؟
- السودان: إطلاق مضادات للطيران في بورت سودان بالتزامن مع تحلي ...
- هجوم روسي واسع على أوكرانيا بالصواريخ والمُسيرات


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - النظرة الغربية للعقل الأسلامي