أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة














المزيد.....

الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 08:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم يكن انشغالي بنقد علم الاقتصاد السياسي محض اشتغال على بنيته النظرية، أو مجرّد مساءلة لأجهزته المفاهيمية، بل كان، منذ البدء، مشروعًا وجوديًا، يهدف إلى تفكيك البنية الحضارية التي خلقته، والاشتباك مع المركزية التي صاغته، واحتكرت اسمه، واحتفت به بوصفه "العِلم"، وما سواه تقليد وهامش وشبهة. لم يكن نقدًا لمقولاتٍ فحسب، بل نزالًا مع روح، ومجابهةً لمطلقٍ ادّعى الكونية وهو لا يعدو أن يكون محليًا، أوروبياً، محدودًا. لقد صيغ الاقتصاد السياسي، كغيره من علوم الحداثة الأوروبية، من رحم مركزية متغطرسة، أرادت لنفسها أن تكون المعنى والمقياس، وبنت مفاهيمها على ركام تاريخ طويل من الإقصاء والإخضاع. لم يكن الاقتصاد السياسي وليد الحاجة المجتمعية فحسب، بل كان إفرازًا لمخيالٍ حضاريّ قائم على: لاهوت سلطوي، ومجد إمبراطوري روماني، وعقلانية إغريقية مبتورة عن جذورها الشرقية. في هذا الخليط الثلاثي العنيف، تكوّنت معالم الاقتصاد السياسي، لا بوصفه علمًا لدراسة الإنتاج والتوزيع فحسب، بل بوصفه آلية للهيمنة، ومنهجًا في تأبيد السيطرة، ولسانًا يتحدث باسم "العقل"، وهو في حقيقته عقل أوروبي متخم بذاته، لا يرى الآخر إلا بوصفه نقصًا أو عتبة للوصول إلى ذاته. من هنا، كانت الضرورة تقتضي تفكيك هذه المركزية، لا على سبيل الانتقام، ولا بدافع الكراهية، بل من أجل تحرير العِلم نفسه من سجنه الأوروبي، وإطلاقه في أفقه الإنساني. فإذا كان الاقتصاد السياسي، كما تُقدّمه المركزية الأوروبية، ينظر إلى الإنسان بوصفه "عامل إنتاج" أو "مستهلكًا عقلانيًا"، فإن الحاجة اليوم صارت ماسة إلى إعادة بناء هذا العِلم بوصفه أداة لفهم الإنسان في كينونته، في ألمه، في عمله، في آماله الخائبة والمُؤجلة. فلا يمكن لعِلمٍ يُراد له أن يكون إنسانيًا أن يبقى أسيرًا لمفاهيم نشأت في حضارة واحدة، في لحظة تاريخية معينة وذات خصوصية، ثم فُرضت على بقية العالم بقوة الأكاديمية والبندقية والبنك الدولي. إن نقدي هذا العِلم لم يتوقّف عند مناهجه، بل تعدّى ذلك إلى تفكيك أسسه الحضارية. فالقول إن النقود مقياس للقيمة، أو إنها مخزن للثروة، ليس قضية علمية بقدر ما هو اختزال عنيف لتجربة العمل الإنساني في صيغة رمزية نقدية صامتة. وإن الإصرار على اعتماد الذهب أو الفضة أو الورق بوصفه مقياسًا لقيمة العمل، إنما هو تشويه للزمن البشري، وتحويل للجهد إلى رقمٍ في دفتر تجاريّ، لا إلى طاقة مبدعة تُنتج الحياة. وإذا كان ماركس قد وعى جانبًا من هذا الإشكال، فإنه لم يذهب به إلى نهايته، بل ظلّ، على عظمة رؤيته، سجين مفاهيم القيمة كما صاغها التقليد الكلاسيكي. بل يمكن القول إن الخطأ الأول كان في سؤال القيمة ذاته، إذ صيغ ضمن شروط معرفية لا تنتمي إلى روح الإنسان، بل إلى روح السُّوق. إن مهمتي، إذًا، لم تكن فقط تفكيك المركزية، بل تحرير الاقتصاد السياسي ليعود علمًا حيًا، لا وسيلة للإدارة، بل أداة للكرامة. علمًا يتناول الإنتاج لا بوصفه آلة، بل بوصفه علاقة بشرية، وصراعًا، وتاريخًا. علمًا يرى التوزيع لا كمخطط بيانيّ، بل كمأساة اجتماعية تنطق بالفقر، والجوع، والغُبن التاريخي الذي لا تمحوه الأرقام. وما لم يتحرر الاقتصاد السياسي من هذا القيد الأوروبي، سيبقى عاجزًا عن فهم بقية العالم. لن يفهم الريف الإفريقي، ولا الحرفي الآسيوي، ولا الفقير اللاتيني، ولا الفلاح المصري، بل سيظل يُعيد إنتاج ذاته في صورة تقارير، وجداول، ومؤشرات، تُرضي البنك الدولي، وتُميت الشعوب. فليكن تحرير الاقتصاد السياسي من المركزية الأوروبية بمثابة نداء: دعونا نحرر العِلم من ضيقه، ونُعيد له روحه. دعونا نكسر القيد المعرفي، ونبني اقتصادًا سياسيًا يُعانق الإنسان، لا السوق. دعونا نرسم، معًا، ملامح غدٍ لا يقود فيه المخبولون العميان، بل تصنعه الحضارات مجتمعة، لا متنافسة، غدٌ يسير فيه الاقتصاد السياسي جنبًا إلى جنب مع الشعر، والتاريخ مع الحُلم، والعقل مع العدالة، من أجل إنسانٍ… واحد… في عالمٍ ما زالت أمامه فرصة مدهشة للحياة.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة


المزيد.....




- -تشويش واتصالات مقطوعة-.. لحظات درامية قبل اعتراض إسرائيل سف ...
- صور متداولة لـ-تفكيك مقام السيدة زينب- في سوريا.. ما صحة الس ...
- ميدينسكي: الوفد الأوكراني كان أكثر استقلالية وحرية في مفاوضا ...
- طهران تهدّد بخطوات تصعيدية رداً على قرار مرتقب للوكالة الذرّ ...
- تسليح عدو أعدائنا ليس حلاً طويل الأمد – جيروزاليم بوست
- لعبة تعليمية مصورة تسهّل التعبير العاطفي للمصابين بالتوحد
- حرب الرسوم الجمركية: الهدنة التجارة بين واشنطن وبكين هشة؟
- الذكاء الاصطناعي يكشف سرا جديدا عن -مخطوطات البحر الميت-
- نيجني نوفغورود.. المنتدى الرقمي العالمي
- فرنسا: مسيرتان صامتتان تخليدا لذكرى التونسي هشام الميراوي ال ...


المزيد.....

- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة