أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة الأوروبيَّة














المزيد.....

أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة الأوروبيَّة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 08:47
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


يمثل التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، في جوهره، ملحمة دامية من التوسع والقهر. من العنف والإبادة. من الدماء التي سالت في معارك ليست فقط على الأرض بل على كرامة الشعوب وهويتها. في قلب هذا التاريخ المظلم، تقف أمريكا اللاتينية كشاهد على فصول مأساوية من الفتك الاجتماعي والاقتصادي، عبر تاريخها الذي حُكم بالحديد والنار من قِبل الاستعمار الأوروبي، وبالأخص الإسباني والبرتغالي. فحين وطأت أقدام الغزاة الأوروبيين، عبدة الذهب، تلك الأرض التي كانت غنية بحضارات الإنكا والأزتك والمايا، وجدوا أمامهم عالماً مختلفًا عن عالمهم المادي الربحي، عالماً قام على أسس من الملكية الجماعية للأرض، والتَّوزيع العادل للمنتجات، وعلى إيقاعات اجتماعيَّة واقتصاديَّة تنبض بالتكافل والتشارك، لا صخب السُّوق الربحي ولا هيمنة المال. كان الذهب لديهم رمزًا للروحانية والزخرفة، لا مادة للتراكم الرأسماليّ. أما الأوروبيون، فقد جاؤوا بآليات قسوة لا تعرف الرحمة؛ فرضوا نظام استغلال عنيفًا، قائماً على العبودية، والهيمنة الإقطاعيَّة، والاستنزاف الممنهج لأرواح الأرض وسكانها، ليحولوا القارة إلى سجن مفتوح من الظلم والقهر، أشدّ في وحشيته من أي نظام عرفته أوروبا نفسها. ولم يكن هذا النظام قائمًا على القتل الجسدي فقط، بل قتل ثقافي وحضاري. فلقد أكدت أرقام الإبادة الديموجرافية على التراجع الكارثي في أعداد السكان الأصليين، حتى اختفى الملايين من الوجود البشري في ظرف أقل من قرن، فتركوا فراغًا هائلًا من الدم والدموع، لا يمكن أن يمحى من ذاكرة التَّاريخ. هذه الأرقام ليست مجرد سرد إحصائي، بل شهادة دامغة على مأساة بشرية تُجسد مدى الوحشية التي مارستها آلة الاستعمار الأوروبي. لكن الاستعمار لم يكتفِ بذلك، بل شرع في وضع نظام الزراعة الأحادية الذي قيد اقتصادات أمريكا اللاتينية إلى إنتاج مواد خام تروّجها أوروبا، كبضاعة تحتاجها مصانعها، دون أن يُمنح لهذه البلدان فرصة للنمو الاقتصادي الحقيقي أو التنويع، فتركت رهينة لمصالح قوى أجنبية، وأدمنت على تبعية تعززها نخب محلية غير وطنية، صارت تُعرف بأرستقراطيات السكر والكاكاو، التي لم تكن سوى أدوات في يد الاستعمار، تدير أرباحها في اتجاهات تعزز استمرار هذا التبعية، مما أثقل كاهل التنمية وأغرق القارة في مستنقعات الفقر والتخلف. وفي خضم هذا التاريخ القاسي، كان الاستيراد القسري للعبيد الأفارقة أداة ضرورية لتمدّد الاستعمار، لتعويض النقص الجسيم في اليد العاملة بعد إبادة السكان الأصليين. جاء هؤلاء العبيد حاملين معهم إرثًا ثقافيًا متشابكًا مع واقع الاستعمار القاسي، كي يتشكل تركيبًا اجتماعيًّا معقدًا أفرز طبقات جديدة، كطبقة "الكريوليس"، التي لعبت دورًا مزدوجًا بين تعزيز الهيمنة الاستعمارية والمحاولة الحذرة للاستقلال السياسي، الذي لم يخلُ، بطبيعة الحال، من التبعية الاقتصادية والسياسية. إن ما شهدته أمريكا اللاتينية من استغلال استعماري وتبعية قسرية، لم يكن مجرد تاريخ سلبيّ عابر، بل هو امتداد حيوي لعلاقات القوة العالمية التي ما زالت تُعيد إنتاج نفسها في أزمنة ما بعد الاستعمار، حيث تواصل الاقتصادات المحلية خضوعها لآليات السوق العالمية التي تُديرها قوى مركزية خارجية، تاركة إياها أسيرة حلقة مفرغة من الفقر والديون والعجز التنموي، مهددة بذلك استقرارها الاجتماعي والسياسي. أن أزمة أمريكا اللاتينية المعاصرة لا يمكن أن تفهم بمعزل عن إرث هذا التَّاريخ الإنساني والاقتصادي. الإرث الذي رسم ملامح الواقع بتناقضات عميقة بين الثراء الفاحش لشبكات النهب الإمبريالية، وبين الفقر المدقع الذي يعيشه ملايين السكان، وبين تحولات الشكل السياسي من الاستعمار المباشر إلى الاستقلال السياسي، وبين استمرار السيطرة الاقتصادية والهيمنة الثقافية. إن القارة المنهوبة لم تسترد حريتها كاملة، بل ظلت رهينة ألغام الماضي، التي تفجرها دوماً تحولات المشهد الدولي، فتظلّ تسير في دروب متعرجة، يصعب معها تصور مستقبل مستقل حقًا. هذا التَّاريخ الدموي، وهذه الحكاية المعقدة التي تشدّنا إليها أمريكا اللاتينية، ليست مجرد قصة ماضي وحسب، بل هي درس قاسٍ في طبيعة الهيمنة الرأسمالية، وفي كيفية تعبير القوى الكبرى عن سلطتها عبر الزمان والمكان، من خلال الاستغلال المباشر والاستعمار السياسي، وصولاً إلى آليات السيطرة الاقتصادية والثقافية المستترة. ومن هنا، فإن فهم هذا التاريخ لا يعني فقط استذكار المآسي، بل يتطلب التعمق في فهم الديناميات العميقة لعلاقات القوة والتبعية التي تهيمن على العالم.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر


المزيد.....




- لقاء أميركي - صيني رفيع في لندن: هدنة الحرب التجارية على طاو ...
- مقتل عشرات الفلسطينيين في غزة خلال 24 ساعة.. واتصال مرتقب بي ...
- كاليفورنيا: تصاعد التوتر مع اندلاع اضطرابات بسبب مداهمات وكا ...
- الرجال في قبضة الخوف: حين يصبح البيت فرعاً لشرطة طالبان
- وثيقة برلمانية: إيطاليا أنهت عقدا مع شركة إسرائيلية لبرامج ا ...
- مزيد من الضحايا والجرحى الفلسطينيين برصاص إسرائيلي
- قافلة مساعدات تونسية جزائرية إلى غزة
- طهران: لا تفاوض على تخصيب اليورانيوم
- الولايات المتحدة.. مقتل شخصين في إطلاق نار بشارع -لاس فيغاس ...
- الرئيس الإستوني يزعم أن فكرة الاستيلاء على أراضي الدول المجا ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة الأوروبيَّة