أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة السياسية الغرب














المزيد.....

الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة السياسية الغرب


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في قلب التحول الرقمي المتسارع، برزت ظاهرة الشعبوية الخوارزمية كقوة عاتية تُعيد رسم ملامح المشهد السياسي في الغرب، حيث تداخلت الخوارزميات الذكية مع نزعات التعبئة الجماهيرية في إنتاج أشكال جديدة من الخطاب السياسي تقوم على الإثارة، الانفعال اللحظي، والتقسيم الثنائي الحاد بين "الشعب النقي" و"النخبة الفاسدة". لم تعد التعبئة السياسية محصورة في المؤسسات أو الأحزاب أو المنابر التقليدية، بل تحولت إلى فعل خوارزمي قائم على تسليع الانتباه، وتكثيف التفاعل، واستثمار التحيزات اللاواعية للمستخدمين.

إن المنصات الرقمية، عبر خوارزميات الترويج والفلترة، أصبحت فاعلًا سياسيًا مستقلًا لا يكتفي بتوصيل الرسائل، بل يصنعها ويضبط إيقاعها وفق منطق اقتصادي بحت، يفضل المحتوى الذي يثير الغضب أو الحماسة أو الخوف، لأنه يضمن أطول زمن ممكن من التفاعل. هذا المنطق الخوارزمي غذّى الصعود السريع للشخصيات الشعبوية التي تتقن الخطاب الصدامي، المختزل، والمتجاوز للمؤسسات. شخصيات مثل دونالد ترامب، وبوريس جونسون، وجيورجيا ميلوني، فهمت أن السلطة في العصر الرقمي لا تُبنى فقط عبر البرامج، بل عبر الأداء اللحظي القابل للمشاركة والتكرار والانتشار.

لقد أتاح الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستهداف الدقيق إمكانية تفصيل الرسائل السياسية بما يتلاءم مع الملف النفسي والسلوكي لكل مستخدم. لم تعد هناك "رسالة سياسية موحدة"، بل رسائل مجزأة، مصممة لكل فئة اجتماعية حسب انفعالاتها ومخاوفها وهواجسها. وهذا ما جعل من الشعبوية الرقمية ظاهرة قادرة على التغلغل في النسيج الاجتماعي بكل تناقضاته، حيث توجه خطابًا قوميًا إلى فئة ما، وخطابًا معاديًا للهجرة إلى فئة أخرى، وخطابًا دينيًا إلى فئة ثالثة، مستندة إلى نفس القائد أو نفس الحملة الانتخابية.

ومع تصاعد هذه الشعبوية الخوارزمية، تراجعت سلطة الوسيط التقليدي، مثل الإعلام والصحافة والنقابات، التي كانت تشكل سابقًا أدوات فرز عقلاني للنقاش العام. وبدلاً من ذلك، أصبح الجمهور أسير اللحظة الساخنة، والصورة المثيرة، والرأي السطحي سريع التداول، مما أضعف من قدرة الديمقراطيات الغربية على إنتاج إجماع مستقر أو مناقشات عمومية راشدة. وتحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحة مستمرة للاستقطاب العاطفي، تُستثمر فيها الأحداث المؤقتة لتوجيه الانفعالات السياسية وبناء كتل تصويتية مؤقتة، متقلبة، وعرضة للتلاعب المستمر.

هذا التحول أنتج نماذج جديدة من "الزعيم الرقمي"، المتماهي مع جمهوره، القادر على الحضور المباشر عبر البثوص، التعليقات، والرسائل السريعة، دون الحاجة إلى مؤسسات أو وسطاء. ولم تعد الكاريزما تُبنى على السيرة أو الخبرة، بل على القدرة على "خلق الحدث"، و"اختراق الخوارزمية"، وتحقيق الانتشار اللحظي. إنها كاريزما قائمة على الأداء اليومي والتفاعل المستمر، أكثر منها على العمق أو البرنامج السياسي.

إن أخطر ما في هذه الشعبوية الخوارزمية هو تفريغ الديمقراطية من مضمونها، حيث يتحوّل المواطن من فاعل سياسي إلى هدف للتلاعب الانفعالي، وتُختزل السياسة إلى تفاعل رقمي يقوده من يملكون مفاتيح الخوارزميات، لا من يملكون الإرادة العامة. إننا أمام تحول جذري يعيد تعريف السياسة نفسها، لا باعتبارها فن إدارة الممكن، بل باعتبارها معركة مستمرة على الانتباه، والإثارة، والسيطرة على الوعي الجماعي عبر منصات لا تخضع لأي ضوابط معرفية أو أخلاقية.

في ضوء هذا الواقع، تبدو الحاجة ماسّة لإعادة التفكير في الإطار القانوني والتقني الذي يحكم هذه المنصات، وفي سبل حماية المجال العمومي من الخضوع التام للمنطق الخوارزمي. فالديمقراطية، التي بنيت على الوعي والحوار والمؤسسات، باتت مهددة بالذوبان في موجة من الشعبوية الرقمية التي تُمجد العاطفة وتُقصي العقل، وتختزل الشعوب إلى بيانات قابلة للاستثمار السياسي اللحظي. إنها لحظة فارقة تُحتّم على المجتمعات الغربية أن تسائل أدواتها الرقمية بقدر ما تُسائل نخبتها السياسية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...


المزيد.....




- إنذار بهجوم صاروخي في كييف
- طهران تهدد بتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
- تحطم طائرة صغيرة في مقاطعة كوفي بولاية تينيسي الأمريكية (صور ...
- أوربان سيفتح الشمبانيا للاحتفال إذا انتخبت لوبان رئيسة لفرنس ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن العثور على جثة قائد حماس في غزة محمد ا ...
- مقتل شخص بغارة في جنوب سوريا وإسرائيل تعلن استهداف أحد عناصر ...
- هل يدفع تجويع إسرائيل سكان غزة لتهجيرهم؟
- إسرائيل تعلن العثور على جثة قائد حماس في غزة محمد السنوار وا ...
- إعلام أميركي: جرحى بتحطم طائرة صغيرة في تينيسي
- الدويري: المقاومة أعادت ترتيب أوراقها وتنفذ عملياتها بعمق جي ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة السياسية الغرب