أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - مدينة أربيل بعيون الرحالة: مرآة الزمان وتحوّلات المكان














المزيد.....

مدينة أربيل بعيون الرحالة: مرآة الزمان وتحوّلات المكان


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 04:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أربيل كما لم تُرَ من الداخل فقط
لم تكن مدينة أربيل، عبر القرون، مجرد نقطة عبور في خرائط الشرق، بل كانت حاضرةً نابضة، تنبض بهوية ثقافية وتاريخية معقدة تشبه فسيفساء متعددة الطبقات. ولأن المدينة لا تُعرَف فقط من داخلها، فإن وصفها في عيون الرحالة يُقدِّم مرآة خارجية ثرية لفهم صورتها في العصور المختلفة. من ياقوت الحموي إلى نيبور، ومن غيرترود بيل إلى الرحالة العثمانيين، تكوّنت لدينا صورة مركّبة لأربيل: قلعتها، ناسها، سوقها، وملامحها المعمارية والاجتماعية.

1. السياق التاريخي للرحلات: متى ولماذا زاروا أربيل؟
امتدت رحلات الرحالة إلى أربيل ما بين القرنين الثالث عشر والعشرين، وكانت دوافعهم متنوعة:

منهم من قصدها هاربًا من الغزو كما فعل ياقوت الحموي بعد اجتياح التتار.

ومنهم من جاء في إطار بعثات استكشافية مثل كارستن نيبور،

أو عمل استخباراتي وسياسي كما في حالة غيرترود بيل.

أو ضمن رحلات دبلوماسية كما فعل الرحالة العثمانيون في تقاريرهم الإدارية.

كل واحدٍ منهم كتب عن المدينة من موقعه، مما يعطينا لوحة غنية بالمقاربات والانطباعات المتفاوتة.

2. ياقوت الحموي (ت. 1229م): مدينة في قلب القلعة
في كتابه معجم البلدان، يصف ياقوت أربيل في بداية القرن الثالث عشر وصفًا دقيقًا، مشيرًا إلى أن "القلعة تعلو ما حولها، ولها شأنٌ عظيم، وفيها أسواق وجوامع ومنازل كثيرة، وهي مقرّ للأمراء والعلماء".
لقد كانت أربيل بالنسبة إليه مدينة علم وأمان، حيث لاذ بها فترة من الزمن.

نلمس في وصفه اهتمامًا بالبنية العمرانية والوظيفة الدينية والتعليمية، ما يدل على ازدهار القلعة كمركز مدني وثقافي، وليس فقط حصنًا عسكريًا.

3. الرحالة العثمانيون: بين التقارير الإدارية والانطباعات الشخصية
الرحالة والإداريون العثمانيون الذين كتبوا عن أربيل خلال القرن السادس عشر حتى التاسع عشر، مثل أولئك الذين شاركوا في حملات تيمورلنك ثم لاحقًا ضمن الحملات الإصلاحية العثمانية، ركزوا على:

عدد السكان والمذاهب الدينية،

الوضع الضريبي،

البنية التحتية (القلعة، الأسواق، الطرق)،

العلاقات مع القبائل المجاورة.

وصفهم غالبًا ما اتسم بالتجريد الإداري، إلا أن بعضهم أشار بإعجاب إلى جمال الطبيعة المحيطة، وكرم السكان.

4. كارستن نيبور (1765م): دهشة أوروبية أمام قلعة الطين
زار نيبور أربيل ضمن البعثة الدنماركية الشهيرة إلى اليمن والشرق، ووصفها بأنها "مدينة صغيرة مبنية على تل ترابي، محاطة بسور من الطين المشوي، سكانها خليط من الأكراد والتجار الفرس، ويبدو أن حياتهم تمضي في هدوء بعيد عن صخب المدن الكبرى".

أسلوب نيبور علمي، دقيق، لكنه ينطوي أحيانًا على دهشة أوروبية من بساطة العمران ونمط الحياة، رغم احترامه لنظام الأسواق والمساجد.

5. غيرترود بيل (1909م): بين الدهشة الاستعمارية والتوثيق الحداثي
في إحدى رسائلها من أربيل، كتبت بيل:

"إنها مدينة عجيبة، القلعة ترتفع فجأة من الأرض، كأنها تلٌ مقدّس، أهلها يحتفظون بعادات غريبة، لكن فيها شيء من التوازن لا أراه في المدن الأخرى."

غيرترود بيل التقطت صورة لقلعة أربيل من خارجها، وعدّت المدينة مكانًا يختزل التقاليد الكردية والشرق الإسلامي. لكنها كتبت أحيانًا بلغة استعمارية، تميل إلى تصوير السكان كـ "مادة إثنوغرافية" أكثر من كونهم أناسًا حقيقيين.

6. ما أغفله الرحالة: الغائب في النصوص
رغم غزارة الأوصاف، لم يتناول أغلب الرحالة:

الحياة الداخلية في البيوت (إلا إشارات سريعة).

دور النساء في الأسواق أو الحياة العامة.

تفاصيل الحياة الثقافية غير الدينية (مثل الأغاني، الحِرَف، الاحتفالات الموسمية).

ويُرجع ذلك إلى خلفيتهم الذكورية، وتقييدهم بحركات محددة داخل المدينة، فضلًا عن أن بعضهم كان يعبر المدينة مرورًا.

7. التحوّل عبر الزمن: صورة تتغيّر وأساس يبقى
بمقارنة أوصاف أربيل بين القرون الثلاثة عشر والثامن عشر والتاسع عشر، نلاحظ:

استمرارية القلعة كمركز حضري رغم تغيّر من يسكنها.

السوق حاضر دائمًا كعلامة حضارية.

التنوّع الإثني بين أكراد، عرب، يهود، فرس، تركمان.

لكننا نلحظ أيضًا تحوّل المدينة من مركز إداري وثقافي كبير في العصور الإسلامية إلى مدينة متوسطة الحجم في العصر العثماني، ثم إلى بلدة مهمّشة جزئيًا في بدايات القرن العشرين قبل أن تنهض مجددًا لاحقًا.

8. أربيل في الذاكرة المعاصرة: إعادة قراءة النصوص القديمة
اليوم، ونحن نقرأ وصف أربيل في دفاتر الرحالة، نعيد اكتشاف المدينة.
القلعة لا تزال قائمة، وإن لم تعد مأهولة بالسكان.
الأسواق ما تزال تنبض، ولو بلون الحداثة.
وذاكرة المدينة محفوظة لا فقط في نصوصهم، بل في ذاكرة أهلها، وفي عيون من عاشوا فيها وشهدوا على تحوّلاتها.

الرحالة كتبوا عنا، فلنكتب نحن عن أنفسنا
لم تكن نصوص الرحالة حيادية، لكنها مهمة.
وقد آن الأوان ألا تبقى هي السرد الوحيد عن ماضينا.
فإذا كتب ياقوت وأمثاله عن أربيل كما رأوها من الخارج، فعلينا اليوم أن نكتب عنها من الداخل: بلغتنا، بذكرياتنا، بأحلامنا.
أربيل ليست فقط ما قيل عنها، بل ما يمكن أن نقوله نحن عنها.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستفتاء الكردي في العراق: قراءة في ضوء علم الاجتماع السياس ...
- أسرار تحت قلعة أربيل: ماذا تخبئ «أم المدن» تحت أقدامها عبر ا ...
- غزة تُذبح على الهواء مباشرةً... نحن نُكبّر للعيد… وهم يُكبّر ...
- الاتفاقات الغازية بين كردستان والشركات الأميركية: بين الطموح ...
- اتفاقية الغاز بين أربيل والشركات الأمريكية: خطوة استراتيجية ...
- طيف سامي محمد في الميزان: ميزانية انتقائية وأضرار ممنهجة بحق ...
- قمة عربية ب600 مليون دولار... يا حسرة على وطن يُبدد أحلامه ب ...
- ما الذي يُطبخ على الطاولة المستديرة لزعماء العرب في بغداد؟ ا ...
- زمن التفاهة: قمة الخليج مع ترامب بين المليارات والمهانة
- خريف الثورات الكردية: من اتفاق الجزائر 1975 إلى تخلي حزب الع ...
- صرخة المرضى في إقليم كردستان: عندما تُباع الرحمة وتُشترى الك ...
- عمليات التجميل في مجتمعنا الكردي: بين وهم الجمال وضياع القيم ...
- سورة يوسف تحت عدسة علم الاجتماع
- الرواتب المعلقة.. أزمة مزمنة بين بغداد وأربيل: إلى أين؟
- الأحزاب التركمانية في الميزان: أزمة القيادة والهوية في إقليم ...
- نحو قلعة نابضة بالحياة: مشاريع استراتيجية لتحويل قلعة أربيل ...
- في عصر الغابة: لماذا يجب على الدول الإسلامية أن تمتلك القوة ...
- تراث كردستان في الميزان: تقرير حول التغييرات الإدارية الكارث ...
- الغش في المجتمع: آفة تهدد القيم والأخلاق
- تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور الت ...


المزيد.....




- عاجل | ترامب: إذا لم يتمكن حاكم كاليفورنيا وعمدة لوس أنجلوس ...
- ترامب يواجه احتجاجات لوس أنجلوس بألفي عنصر من الحرس الوطني
- السلطات السورية تصدر توضيحا هاما بشأن معلومات متداولة حول ال ...
- سوريا.. الشيخ حكمت الهجري يصدر بيانا ويحذر
- ترامب يهدد بتدخل فيدرالي في كاليفورنيا ولوس أنجلوس لوقف الشغ ...
- -سي إن إن-: إصابة المرشح الرئاسي الكولومبي ميغيل أوريبي بطلق ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن العثور على جثة يُعتقد أنها تعود لمحمد ...
- -واشنطن بوست-: -ناسا- و البنتاغون يبحثان عن بدائل لـ-سبيس إك ...
- -رويترز-: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت ...
- اندلاع حريق في مصنع -أزوت- بمقاطعة تولا الروسية بسبب سقوط مس ...


المزيد.....

- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - مدينة أربيل بعيون الرحالة: مرآة الزمان وتحوّلات المكان