الاتفاقات الغازية بين كردستان والشركات الأميركية: بين الطموح الاقتصادي والصراع الدستوري

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 15:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يشهد العراق تصاعدًا في التوتر بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان على خلفية توقيع الأخيرة اتفاقات استراتيجية مع شركات طاقة أميركية لتطوير حقول الغاز الطبيعي. هذا التحرك يُقرأ كخطوة اقتصادية لتعزيز استقلالية الإقليم، لكنه يُفهم سياسيًا على أنه تحدٍ مباشر لسلطة الدولة الاتحادية. هذا التقرير يرصد الخلفيات القانونية والدستورية، الأبعاد الجيوسياسية، والانعكاسات الاقتصادية لهذه الاتفاقات، ويطرح سيناريوهات مستقبلية وتوصيات لصنّاع القرار.

في خضم التغيرات المتسارعة التي تمر بها الساحة العراقية، برزت أزمة الغاز الكردي بوصفها إحدى أكثر القضايا حساسية وتركيبًا. فالموضوع لا يتعلق فقط بثروات طبيعية، بل يتشابك مع أسئلة السيادة، الفدرالية، مستقبل الاقتصاد العراقي، ودور الفاعلين الدوليين. ومع توجه إقليم كردستان نحو ترسيخ شراكات طاقية مستقلة، خاصة مع شركات أميركية، أصبحت بغداد أمام تحدٍّ غير مسبوق في إدارة ملفات الطاقة.

أولًا: الخلفية القانونية والدستورية للنزاع
1. موقع الثروات في الدستور العراقي (2005):
المادة 111: تنص على أن النفط والغاز ملكٌ لكل الشعب العراقي.

المادة 112: تشترط إدارة الموارد النفطية من الحقول الحالية بالتنسيق بين الحكومة الاتحادية والأقاليم.

الخلاف القانوني يكمن في تفسير مصطلح "الحقول الحالية"، وفي مدى أحقية الإقليم بالتعاقد المستقل.

2. قرار المحكمة الاتحادية العليا (2022):
- نصّ القرار على أن قانون النفط والغاز في الإقليم غير دستوري.

- طعنت بغداد في شرعية العقود التي أبرمتها أربيل مع شركات أجنبية.

- ترفض أربيل القرار بدعوى عدم دستورية المحكمة ذاتها.

ثانيًا: الاتفاقات الغازية – بنية الطموح الاقتصادي للإقليم
1. تفاصيل الاتفاقات الأخيرة:
وقّع الإقليم مذكرات تفاهم واتفاقات تطوير مع شركات مثل:

Chevron -

HKN Energy -

Dana Gas -

تشمل تطوير الحقول في منطقتي خرماتو وخازر، وبناء بنى تحتية لتسييل وتصدير الغاز.

2. الدوافع الاقتصادية:
- تقليص الاعتماد على بغداد في تمويل الرواتب والميزانية.

- تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط الخام.

- التحول إلى مركز طاقة إقليمي على حدود تركيا وأوروبا.

3. الموقع الاستراتيجي:
- الإقليم يقع على حدود سوق الغاز التركية – الأوروبية.

- إمكانية الربط بخط أنابيب Nabucco أو مشاريع بديلة.

ثالثًا: الموقف الاتحادي – سيادة أم صراع نفوذ؟
1. اعتراض بغداد:
- ترى أن تصدير الغاز دون موافقة الحكومة الاتحادية يمثل انتهاكًا للسيادة.

- تهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات العاملة في الإقليم.

2. أبعاد الصراع السياسي:
- الصراع ليس فقط حول الإيرادات بل حول من يملك القرار في السياسة الطاقية الخارجية.

- يُخشى من أن يصبح الإقليم "دولة داخل دولة" في حال نجاح هذه المشاريع.

رابعًا: الأبعاد الجيوسياسية – واشنطن، أنقرة، وطهران
1. الولايات المتحدة:
- تدعم شركاتها العاملة في الإقليم ضمن استراتيجية تقليل نفوذ روسيا وإيران.

- ترى في كردستان حليفًا موثوقًا ومستقرًا نسبيًا.

2. تركيا:
- ترحب بإمدادات الغاز الكردي كبديل أو داعم لمصادرها الحالية.

- أنقرة لاعب رئيس في تمرير الصادرات عبر أراضيها.

3. إيران:
- ترى في المشروع تهديدًا لنفوذها في العراق.

- قد تستخدم أدوات سياسية أو أمنية لتعطيله.

خامسًا: الآثار الاقتصادية والمالية المحتملة
1. على الإقليم:
- في حال النجاح، قد يحقق الاكتفاء الذاتي جزئيًا خلال 5 سنوات.

- نمو ناتج محلي أعلى، وانخفاض في معدلات البطالة.

2. على العراق الاتحادي:
- خسارة السيطرة على نحو 17% من الثروات الغازية العراقية.

- احتمالية تقويض وحدة السوق النفطية والغازية.

- آثار سلبية على خطط موازنة الدولة العامة إذا استمرت التقاطعات.

سادسًا: السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول:
- التصعيد القانوني والسياسي
- اللجوء إلى المحاكم الدولية.

- عقوبات على الشركات.

- تجميد المشاريع أو عرقلتها أمنيًا.

السيناريو الثاني:
- تسوية تفاوضية – قانون النفط والغاز الجديد.
- تبني قانون ينظم العلاقة بين المركز والإقليم.

- اقتسام الإيرادات وضمان حقوق المحافظات المنتجة.

السيناريو الثالث:
- تفكك تدريجي للسياسة الطاقية الوطنية.
- تفكك السلطة المركزية في ملف الطاقة.

- دخول أطراف دولية لتفاوض مباشرة مع الأقاليم.

توصيات استراتيجية
- الانخراط في حوار وطني شامل حول ملف الطاقة.

- تشريع قانون نفط وغاز موحّد وعادل.

- إشراك المحافظات الأخرى في التخطيط الطاقي لتفادي انقسامات مستقبلية.

- وضع خارطة طريق اتحادية – إقليمية لتصدير الغاز بشراكة شفافة.

- تشجيع الوساطة الدولية لتجنب التصعيد.

إن أزمة الغاز في كردستان ليست فقط معركة عقود أو مصالح، بل مؤشر عميق على هشاشة الهيكل الدستوري العراقي، وعلى الحاجة لإعادة بناء العلاقة بين المركز والأقاليم على أساس الثقة والشراكة لا التنافس والانقسام. فهل سيكون الغاز بوابة لنمو اقتصادي حقيقي؟ أم شعلة جديدة لصراع يهدد وحدة العراق؟

الربح و الخسارة:

الرابحون:
1. إقليم كردستان (قيادةً واقتصادًا):
اقتصاديًا:

يعزز استقلالية موارده، ويقلل اعتماده على بغداد.

يفتح باب تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا.

يجذب استثمارات أجنبية طويلة الأمد في قطاع الطاقة والبنى التحتية.

سياسيًا:

يفرض نفسه كفاعل دولي في ملف الطاقة.

يُكسبه نفوذًا تفاوضيًا في أي مفاوضات قادمة مع بغداد.

2. الشركات الأميركية (وخاصة HKN وChevron):
تستثمر في منطقة واعدة وغنية بالغاز.

تعزز موقعها في سوق الغاز العالمي، في وقت تسعى فيه أوروبا لفك الارتباط من الغاز الروسي.

تدخل في شراكة طويلة الأمد مع جهة مستقرة نسبيًا مقارنة ببقية العراق.

3. تركيا (بشكل غير مباشر):
تستفيد من الغاز الكردي كمصدر إضافي للطاقة.

تعزز موقعها كممر رئيسي للطاقة إلى أوروبا.

تستخدم علاقتها مع أربيل كورقة ضغط في ملفاتها مع بغداد وواشنطن.

الخاسرون:
1. الحكومة الاتحادية في بغداد:
اقتصاديًا:

تفقد السيطرة على جزء مهم من الثروات الغازية.

قد تتراجع قدرتها على فرض سياسة طاقة موحدة.

خسائر محتملة في الإيرادات العامة إذا توسع الإقليم في التصدير منفردًا.

سياسيًا:

يظهر ضعف سلطتها أمام المجتمع الدولي.

يرسخ فكرة أن المركز غير قادر على إدارة الدولة بشكل اتحادي فاعل.

2. إيران (جيوسياسيًا):
خسارة دورها كمصدر رئيسي للغاز للعراق وربما تركيا.

انحسار نفوذها إذا تعززت العلاقات الأميركية – الكردية.

قلق من تحوّل كردستان إلى نقطة ارتكاز أميركية جديدة في المنطقة.

3. الوحدة الوطنية العراقية (على المدى البعيد):
تصاعد النزعات الانفصالية أو الفيدرالية غير المنضبطة.

خطر انتشار نماذج مشابهة في محافظات أخرى (مثل البصرة أو الأنبار).

تآكل مفهوم الثروات المشتركة لمصلحة المشاريع المحلية المنفردة.

خلاصة:
الرابح التكتيكي الآن هو إقليم كردستان والشركات الأميركية.

الخاسر الاستراتيجي حتى الآن هو الحكومة الاتحادية، إذا لم تبادر إلى تنظيم العلاقة عبر قانون نفط وغاز عادل وشامل.

لكن الربح قد يتحول إلى خسارة إذا تصاعد الصراع السياسي والأمني، لأن أي اضطراب سيهدد الاستثمارات، ويضر بجميع الأطراف.

#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل