أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - سورة يوسف تحت عدسة علم الاجتماع















المزيد.....

سورة يوسف تحت عدسة علم الاجتماع


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 04:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سورة يوسف ليست فقط قصة دينية تسرد سيرة نبي، بل هي في جوهرها نص اجتماعي غني بالتفاعلات البشرية، والصراعات الأسرية، والتحولات الطبقية، وديناميكيات السلطة، مما يجعلها ميدانًا خصبًا لتحليل سوسيولوجي معمّق. فالقصة تُقدَّم في بنية سردية تتقاطع فيها الأبعاد النفسية، السياسية، الاقتصادية، والأخلاقية، لتشكل نسيجًا من العلاقات الاجتماعية المتشابكة، التي يمكن أن تُقرأ من خلال مناهج علم الاجتماع الكلاسيكي والمعاصر.

في هذه الدراسة الموسعة، ننظر في سورة يوسف من منظور علم الاجتماع، لاستخلاص البُنى والرموز الاجتماعية، وتحليل تطور الأدوار والعلاقات داخل النص، بالاستناد إلى مفاهيم مثل: السلطة، الجندر، الطبقة، الحراك الاجتماعي، الخطاب، والهوية.

1. مفهوم الأسرة: من وحدة الانتماء إلى انقسام المصالح

تُشكّل الأسرة في سورة يوسف النواة الأولى للصراع الاجتماعي، حيث يظهر الخلل في توزيع المودة الأبوية بوصفه محفزًا رئيسًا لغيرة الإخوة وتخطيطهم لإقصاء يوسف. المفارقة تكمن في أن التفضيل الذي بدا عاطفيًا فرديًا، تحوّل إلى أزمة اجتماعية تهدد وحدة الأسرة.

"إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة..."

يشير هذا النص إلى إدراك جمعي بالإقصاء، رغم امتلاكهم للقوة العدديّة. وهذا يعكس أزمة إدراك العدالة داخل المؤسسات الاجتماعية البدائية.

2. الحسد والتمييز: آليات إنتاج العنف الرمزي

يُعد الحسد في سورة يوسف تمثيلًا لنمط اجتماعي متكرر، وهو التوتر الناتج عن التمييز الرمزي داخل الجماعات المغلقة. وقد حلل بيير بورديو هذه الظاهرة بوصفها عنفًا رمزيًا يُمارس ضمن العلاقات اليومية ويؤدي إلى ممارسات إقصائية. إلقاء يوسف في الجب لم يكن فعلًا فرديًا، بل ممارسة رمزية لطرد المختلف عن النسق.

3. يعقوب عليه السلام: السلطة الأبوية وحدودها

يمثل يعقوب السلطة الأبوية العليا، ولكنه يواجه معضلة شائعة في المجتمعات الأبوية، وهي التناقض بين الحكمة الداخلية والعجز الخارجي. فحذره ليوسف بعدم سرد الرؤيا لم يفلح في منع وقوع المكيدة. وهذا يبرز كيف أن السلطة الأخلاقية غير مصحوبة بالقوة التنفيذية قد تفقد تأثيرها داخل النسق الأسري.

4. السوق والعبودية: اقتصاد الجسد وتشييء الإنسان

يُصوّر مشهد بيع يوسف لحظة مفصلية في انتقاله من كائن اجتماعي (ابن، أخ) إلى سلعة:

"وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين."

هذا يعكس بنية السوق في المجتمعات الطبقية القديمة، حيث تُختزل قيمة الإنسان في السعر، وتُمحى هويته لصالح موقعه في علاقات الإنتاج والتملك. السوق هنا ليس فقط مكانًا للبيع، بل هو فضاء لإعادة تشكيل الذات الاجتماعية.

5. القصر: فضاء السلطة والتحكم بالجندر

عند دخول يوسف القصر، ننتقل إلى طبقة النخبة السياسية، حيث تتحول العلاقة من العبودية إلى نوع جديد من التبعية الرمزية. زوجة العزيز تمثل السلطة النسوية في مجتمع يُفترض فيه الذكورة كمعيار للهيمنة. لكنها تُمارس سلطة مشوّهة، مقموعة بالمعايير الأخلاقية، ومبنية على الجذب والإغراء.

"وراودته التي هو في بيتها عن نفسه..."

هذا يعكس ديناميكيات القوة الجنسية والتحكم داخل مجتمع البلاط، حيث تُستخدم السلطة الجندرية لتجاوز الحدود الأخلاقية، ثم تُعاد صياغتها خطابياً كمؤامرة.

6. السجن: المؤسسة العقابية وإعادة إنتاج المجتمع

السجن في السورة ليس فقط مكانًا للعقوبة بل فضاء اجتماعي لإعادة تشكيل السلطة. يوسف في السجن يتحول إلى معلم ومُؤوّل رؤى، ويكتسب مكانته من خلال المعرفة الدينية والعقلانية:

"يا صاحبي السجن، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟"

هنا تُبنى السلطة الجديدة ليوسف داخل فضاء مقموع، مما يتقاطع مع نظرية فوكو حول إنتاج المعرفة داخل المؤسسات العقابية.

7. الحراك الطبقي: من السجين إلى صاحب القرار

تُعد رحلة يوسف من قاع الجب إلى أعلى مناصب الدولة تجسيدًا مذهلًا لما يسميه علم الاجتماع "الحراك العمودي". لم يكن هذا الانتقال نتيجة عوامل وراثية أو نفوذ، بل نتاج الكفاءة، الصبر، والبصيرة:

"اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم."

هذه الآية تؤسس لمبدأ الجدارة والاختصاص مقابل المحسوبية، وهو ما يتقاطع مع نموذج ماكس فيبر في التراتب البيروقراطي الحديث.

8. خطاب النساء: تشكيل الرأي العام وتقييد الذات

تحليل خطاب نساء المدينة:

"وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه..."

يعكس البنية الاجتماعية التي تجعل من المرأة موضعًا للرقابة لا فاعلًا مستقلًا. كما يشير إلى كيفية انتشار الفضيحة كخطاب اجتماعي يعيد إنتاج الأعراف ويضبط الحدود السلوكية.

9. العدالة وإعادة الاعتبار

يرفض يوسف الخروج من السجن حتى تُبرأ ساحته تمامًا، رغم عرض الملك:

"ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة..."

هذا الموقف يكرس مفهوم العدالة لا كمجرد حرية شخصية، بل كشرط اجتماعي لاستعادة الكرامة والشرعية الرمزية.

10. لقاء الإخوة والمصالحة: من التمزق إلى إعادة البناء

تتوج القصة بلقاء يوسف مع إخوته، حيث نلحظ تغيرًا بنيويًا في شخصية يوسف والإخوة معًا. يعفو يوسف عنهم:

"لا تثريب عليكم اليوم."

ويعيد بناء الروابط العائلية، في نموذج نادر على المصالحة المجتمعية الكاملة، حيث لا يقوم العفو على الإذلال بل على الترفع والقيم الأخلاقية.

من القاع إلى القمة – البنية والدلالة

إن سورة يوسف تمثل نموذجًا متكاملًا لمسار اجتماعي – نفسي – سياسي يُعيد تشكيل الفرد والمجتمع عبر ثلاث مراحل: الصدمة، المقاومة، وإعادة البناء. القصة ليست سيرة ذاتية لنبي فحسب، بل مرآة لرحلة الإنسان في مواجهة الظلم، واكتساب الشرعية، وتحقيق الاندماج في المجتمع.

من خلال تحليل علم الاجتماع، ندرك أن السورة تطرح أسئلة وجودية حول العدالة، السلطة، الجندر، والطبقية، كما تقدم إجابات غير مباشرة عن كيفية بناء مجتمعات متماسكة رغم التفكك.

المراجع المقترحة:

ابن عاشور، التحرير والتنوير.

سيد قطب، في ظلال القرآن.

عبدالوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والشاملة.

ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة.

بيير بورديو، العنف الرمزي.

إميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع.

ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع.

جون راولز، نظرية العدالة.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواتب المعلقة.. أزمة مزمنة بين بغداد وأربيل: إلى أين؟
- الأحزاب التركمانية في الميزان: أزمة القيادة والهوية في إقليم ...
- نحو قلعة نابضة بالحياة: مشاريع استراتيجية لتحويل قلعة أربيل ...
- في عصر الغابة: لماذا يجب على الدول الإسلامية أن تمتلك القوة ...
- تراث كردستان في الميزان: تقرير حول التغييرات الإدارية الكارث ...
- الغش في المجتمع: آفة تهدد القيم والأخلاق
- تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور الت ...
- لا حياة لمن تنادي: واقع العراق وإقليم كردستان بين التحديات و ...
- أربيل في ظل الاحتلال البريطاني (1918-1920): قراءة في كتاب -س ...
- إربيل في مرآة التاريخ والفلسفة: دراسة مقارنة بين ابن المستوف ...
- أربيل عبر العصور: من مدينة تاريخية إلى لواء إداري في العراق ...
- دراسة سوسيولوجية لمدينة أربيل: التعددية الثقافية والتحولات ا ...
- -تاريخ اربل- لابن المستوفي: دراسة تحليلية علمية
- أربيل عبر العصور: تطور المخطط العمراني من القلعة إلى المدينة ...
- مقارنة بين مجزرة الكرد في العراق ومجزرة سربرنيتسا في البوسنة ...
- مشروع إعادة تأهيل قلعة أربيل: من الفكرة إلى التنفيذ
- قصور إعادة تأهيل قلعة أربيل: الأسباب والمسؤولية
- إلى السيدة وزيرة المالية العراقية المحترمة، طيف سامي محمد
- حكومة العراق: بين النفوذ المسلح والتحديات السياسية
- سوق القيصرية في أربيل: رمز التراث والتاريخ


المزيد.....




- تحليل لـCNN: لماذا لم يتدخل ترامب لحل أزمة الهند وباكستان؟
- من هو مسعود أزهر، الرجُل الذي وضع الهند وباكستان على حافة ال ...
- رغم الاشتباكات.. اتصالات بين باكستان والهند على -مستوى رفيع- ...
- -تعليق صادم- من نائب ترامب على أزمة الهند وباكستان
- واشنطن: -مؤسسة- جديدة ستتولى قريبا توزيع مساعدات غزة
- أكسيوس: ترامب عقد -اجتماعا خاصا- مع مسؤول إسرائيلي
- وزير خارجية روسيا لـCNN: ترامب -يفهم كل شيء- بشأن علاقة بوتي ...
- الرباط تحتضن فعاليات دولية حول المسيرة المهنية للطلبة والخري ...
- ترامب يدعو إلى هدنة -غير مشروطة- بين موسكو وكييف ويهدد بعقوب ...
- حماس تعلن عن -اشتباكات ضارية- بين مقاتليها وجنود إسرائيليين ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - سورة يوسف تحت عدسة علم الاجتماع