اتفاقية الغاز بين أربيل والشركات الأمريكية: خطوة استراتيجية أم تصعيد سياسي؟

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 00:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في 20 مايو 2025، وقّعت حكومة إقليم كردستان برئاسة مسرور بارزاني اتفاقيتين ضخمتين مع شركتي الطاقة الأمريكيتين HKN Energy وWesternZagros لتطوير حقلي "ميران" و"توبخانة-كوردامير" في محافظة السليمانية، اللذين يحتويان على احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط. وتبلغ قيمة هذه الاتفاقيات أكثر من 110 مليارات دولار على مدى سنوات، وهو ما اعتبره الإقليم خطوة "تاريخية" نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة عوائده من الطاقة.

الرفض الفوري من بغداد:
جاء رد الحكومة الاتحادية في بغداد سريعًا، إذ أعلنت وزارة النفط أن هذه الاتفاقيات "باطلة" قانونًا كونها لم تحصل على موافقة الحكومة المركزية، معتبرة أن النفط والغاز "ثروات وطنية" تخضع لسلطة الدولة، لا للحكومات المحلية. واستندت بغداد إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا لعام 2022 الذي قضى بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم.

تحليل سياسي: استمرار لعبة العض على الأصابع
الحدث ليس مجرد توقيع اتفاق نفطي، بل يعكس مجددًا عمق الخلاف بين بغداد وأربيل حول إدارة الموارد الطبيعية، وهو خلاف استراتيجي لم يُحلّ منذ عام 2003. حكومة الإقليم تسعى لتثبيت استقلالها الاقتصادي كمدخل لتوسيع صلاحياتها السياسية، بينما ترى بغداد في هذه الخطوة تقويضًا لسلطتها السيادية.

من ناحية سياسية، يمثّل توقيت الاتفاقية رسالة مزدوجة: أولًا إلى الداخل الكردي، لتأكيد كفاءة الحكومة في توفير الموارد وسط أزمة الرواتب؛ وثانيًا إلى المجتمع الدولي، ولا سيما واشنطن، بأن الإقليم شريك موثوق في سوق الطاقة العالمية. لكن هذا التوجه قد يُواجه بمزيد من الضغط النيابي والسياسي في بغداد، خصوصًا من قبل القوى الموالية للمركز.

التحليل الاقتصادي: فرص واختناقات
من الناحية الاقتصادية، قد تكون هذه الاتفاقيات قفزة نوعية لإقليم كردستان إذا نُفّذت بنجاح، خصوصًا في ظل الانقطاع المستمر لصادرات النفط منذ مارس 2023 عبر ميناء جيهان التركي، بسبب نزاع قانوني بين العراق وتركيا. تطوير حقول الغاز قد يفتح للإقليم آفاق التصدير إلى أوروبا مستقبلاً، ما يعزّز استقلاله المالي.

لكن على الجانب الآخر، هذه الخطوة قد ترتد سلبًا على المدى القريب، إذ إن بغداد قد تستخدم ورقة الرواتب كوسيلة ضغط، وتجمّد تحويل الأموال المخصصة للإقليم ضمن موازنة 2025، مما يهدد استقرار الموظفين والخدمات العامة.

التداعيات المحتملة على العراق ككل:

زيادة التوترات الدستورية بين الإقليم والمركز، ما قد يُعيد النقاش حول طبيعة النظام الفيدرالي في العراق.

تعطيل الصادرات في حال رفض تركيا أو بغداد التعامل مع المنتجات المستخرجة ضمن هذه الاتفاقيات.

توتر العلاقات مع الولايات المتحدة إذا صعّدت بغداد ضد الشركات الأمريكية، رغم أن واشنطن قد تلعب دور الوسيط لاحتواء الأزمة.

توقيع اتفاق الغاز من قبل حكومة إقليم كردستان خطوة جريئة ذات أبعاد استراتيجية داخلية وخارجية، لكنها ليست خالية من المخاطر السياسية والاقتصادية. وإذا لم يُعالج الخلاف بالحوار الوطني، فإن المواطن الكردي – وبالأخص الموظف – سيكون أول من يدفع الثمن، في حين تستمر لعبة الشدّ والجذب بين حكومتين تتنازعان على ثروات مشتركة في ظل دستور غامض وتوازنات هشّة.

#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل