أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة














المزيد.....

الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 07:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في وول ستريت، معقل الهوس المالي الحديث، حيث يُدار النظام العالمي كما تُدار خزينة مصرف خاص، تنكشف يومًا بعد يوم عورة الاقتصاد الرأسمالي، ويتبدى بوضوح طابع التناقض الذي ينهش جسد هذا النمط من الإنتاج. فما بين صعود وهبوط لسعر الفائدة، تتجلى حركة الرأسمال المعاصر لا كآلية اقتصادية عقلانية، بل كاستجابة هستيرية تُخفي خلف أرقامها اللامعة صراعًا طبقيًا محتدمًا. لقد أُعيد تشكيل وول ستريت منذ نهايات القرن التاسع عشر لتُصبح قلب النظام الإمبريالي، لا بوصفها مجرد شارع في مانهاتن، بل بوصفها الواجهة الأشد عنفًا لما تبقّى من التركة الاستعمارية الأوروبية. إنها الوجه الجديد للإمبراطورية القديمة، الإمبراطورية التي ورثت الغنائم، والأسواق، والقوة، والسلاح، والتفاوت العالمي. وما من مفارقة في أن تتحكم هذه الإمبراطورية الوريثة في حركة أسعار الفائدة عالميًا، كما يتحكم الإمبراطور في خراج المستعمرات. غير أن تأرجح الفائدة، أيًا كانت أدوات التحكم المعلنة، ليس عملية تقنية تُدار بأزرار من داخل البنوك المركزية، بل هو انعكاس عضوي لعلاقات الإنتاج القائمة، والتي تتمسك بمنطق التراكم بوصفه الغاية الوحيدة للحياة الاقتصادية في ظل الرأسمال الناهب. فكل رفع للفائدة لا يُعبّر إلا عن سعي قسري لتقييد الاستهلاك وضبط التضخم، لا لمصلحة الفقراء، بل لصالح استقرار النظام ذاته. وكل خفض للفائدة لا يأتي استجابةً لاحتياجات الناس، بل لضمان استمرار دوامة الاستثمار، ولو على حساب تحطيم حياة الملايين من الشغيلة المثقلين بالديون. إن الفائدة، في جوهرها، ليست مجرد أداة نقدية، بل علاقة قوة. إنها نسبة تعكس توازن القوى بين الرأسمال والعمل، بين مالك الأصول ومن لا يملك إلا قوة عمله. لذلك، فإن النظرية الاقتصادية الرسمية، بما فيها المدرسة الكينزية أو النقدية، تعجز عن تقديم تفسير كافٍ لتحديد هذه النسبة، لأنها تفصلها عن البنية الطبقية للصراع الاجتماعي. النظرية تعالج الفائدة كمتغير مستقل، بينما هي في الحقيقة متغير تابع، تابع لمجمل الصراع بين من يملك وسائل الإنتاج ومن لا يملك. ومع كل أزمة تضخمية أو انكماشية، تتكرر المسرحية ذاتها: يُقدَّم الشغيل كبش فداء باسم الاستقرار. إذ تتآكل الأجور، وتُسحق القدرة الشرائية، ويُدفع الفقراء إلى مزيد من المديونية. أما الرأسمال، فيحمي نفسه بأدوات مشتقة، وبملاذات ضريبية، وبقدرة فائقة على التكيّف، بل وعلى تحويل الأزمات ذاتها إلى فرص لمراكمة أكبر. في ظل هذا المشهد، يصبح رهان السوق على "انتعاش" اقتصادي حقيقي، دون مساس ببنية النظام، رهانًا خاسرًا. إذ لا يمكن حل الأزمة كما لا يمكن الخروج من الركود بأدوات وُجدت أصلاً لتكريس الهيمنة. إن سعر الفائدة لن يتزحزح إلا في حدود ما يسمح بالحفاظ على وهم الاستقرار، لا الاستقرار ذاته، لأن هذا الاستقرار – بالمعنى الفعلي – يتطلب نسف المنظومة لا ترقيعها. إن وهم الاستقرار هو المسكّن الوحيد المتاح لشعوب مقهورة، شعوب لا تملك من أدوات التغيير إلا الخضوع. والخضوع هنا لا يُفهم بوصفه رضا أو قبولًا، بل استسلامًا قسريًا لإكراهات العيش تحت نظام اقتصادي لا يرى فيها إلا أرقامًا في جداول الاستهلاك والإنتاج. وهذه الشعوب، المحاصرة بفوائد مرتفعة، وقروض عقيمة، وسوق عمل هش، لا تجد ما تسد به رمقها سوى المزيد من الائتمان. هكذا، تتجلى حركة الفائدة في الرأسمالية المهترئة كحركة سياسية مغلّفة بلغة الاقتصاد. إنها ليست قرارًا نقديًا محضًا، بل قرار طبقي، تصدره النخبة المالية عبر أدواتها المؤسسية، ويُنفّذ بتواطؤ الحكومات، ويُبرّر بأكاذيب الإعلام، ثم يُسوّغ علميًا بنظريات لا علم فيها. ومن هنا، فإن التأمل في تأرجح الفائدة هو تأمل في القلب النابض للأزمة الرأسمالية، أزمة لا تنفصل عن شكلها الاستعماري، ولا عن بنيتها الطبقية، ولا عن طابعها الشمولي العنيف. إن وول ستريت، بهذا المعنى، ليست مجرد رمز، بل هي الحقيقة المعاصرة لرأسمالية فقدت كل مساحيقها التجميلية، وباتت تُدار علنًا كآلية لنهب العالم بأسره، باسم الاستقرار.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر
- الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم


المزيد.....




- قضية الصحراء ـ نجاح دبلوماسي للمغرب على حساب البوليساريو وال ...
- منطقتنا هي التجسد الأقصى لأزمة الرأسمالية العالمية
- هآرتس: الاحتلال يدمر إسرائيل من الداخل والليبراليون لا يمكنه ...
- “الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية” تدين المحاولات الأ ...
- التقدم والاشتراكية يؤمن بأن مستقبل المغرب لن يتحقق إلا بشباب ...
- ليسوا فقط أقل حظًا... أطفال الفقراء يشيخون أسرع بيولوجيًا وف ...
- -أحمق شيوعي-.. ماسك يرد على مستشار ترامب السابق بعد مطالبته ...
- متضامنون مع الطلاب السوريين في الجامعات المصرية ضد الإقصاء و ...
- متضامنون مع عمال شركة الشرقية للدخان الموقوفين عن العمال
- ارحموا أهل غزة!


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة